شفق نيوز/ سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية، الضوء على الانقسامات والمظالم التي يشعر بها سكان مدينة تكريت حتى الآن، برغم مرور 20 سنة على سقوط نظام صدام حسين، ثم اعدامه، وهي شروخ تفاقمت ايضا مع سيطرة تنظيم داعش على المنطقة.
وبداية، لفت التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان "بعض السكان السنة في تكريت، ما زالوا يشعرون بأنهم يتحملون بشكل ظالم إرث حكم الديكتاتور السابق الذي ما يزال مجمع قصوره نصف المدمر قائما عند منحدر فوق نهر دجلة"، مشيرا الى "وجود انقسامات مستمرة متبقية في هذا المجتمع السني والذي كان مركز القوة خلال حكم صدام، وذلك بعد 20 عاما على سقوط صدام، حيث تعقدت احتمالات المصالحة المتعلقة بجرائمه بسبب موجات العنف التي اجتاحت البلد منذ ذلك الوقت، ما يتسبب في اعادة نكأ الجراح القديمة واستدامة الفتنة".
واشار التقرير الى انه "برغم اعدام صدام في العام 2006، الا ان بعض السنة في تكريت يشعرون حتى الان انهم ما زالوا يتحملون ظلما ارث حكمه، فيما لا تزال الحكومات المتتالية تعاقب من يتم اتهامه بصلات بالنظام السابق كجزء من عملية العدالة والمساءلة التي يظن كثيرون انها لم تعد مجدية، لكن قليلين هؤلاء الذين يتجرأون على رفضها".
واضاف التقرير ان "الانقسامات تعمقت عندما استولى تنظيم داعش على مساحات واسعة من شمال العراق في العام 2014 حيث تسببت الحرب في احداث شرخ داخل المجتمع، حيث حرضت المتعاونين ضد المحررين وغيرت التركيبة السكانية وهيكلية السلطة".
وتابع ان "الفصائل الشيعية التي ساعدت في الحاق الهزيمة بالارهابيين الى جانب القوات العشائرية المحلية في تكريت وما تزال تسيطر على مواقع استراتيجية ورمزية مثل قصر صدام ومسقط رأسه".
وفي غضون ذلك لفت التقرير الى ان عشيرة صدام، (البو ناصر)، ما تزال تعيش على هامش المجتمع. وتحدث عن نقاشات بين اهالي المدينة حول العقاب الجماعي الذي يتعرضون له والاتهامات ضدهم بانهم يدعمون داعش أو بتورطهم في مذبحة ضد مجندين شيعة، فيما يحاولون بصعوبة الترشح في الانتخابات وتولي مناصب حكومية والعودة الى اراضيهم.
ونقل التقرير عن خالد امين، وهو زعيم عشيرة البو ناصر التي يبلغ تعداد افرادها نحو 40 الف شخص، قوله "الطريقة التي تعاملوا بها مع اهالي تكريت وقبيلة البو ناصر، كانت قاسية. مرت 20 سنة، واذا كان هناك شخص ما غير مطلوب من قبل السلطات، فعليهم ان يسمحوا لهم بالاندماج في المجتمع".
وسبق لأمين ان عمل في البرلمان قبل العام 2003 ، لكنه عندما حاول الانخراط في العملية السياسية لاحقا وتقدم بطلب للترشح في انتخابات 2021، عبر رسالة الى هيئة العدالة والمساءلة طالبا تبرئته من اي مخالفة، الا ان مفوضية الانتخابات ابلغته انه غير مؤهل لانه "بعثي".
وذكر التقرير بان وضع تكريت يتجلى خلال حكم صدام الذي استمر 24 عاما من خلال عشرات القصور التي شيدها، والتي لا تضاهيها سوى العاصمة بغداد، كما منح صدام سكان مدينته امتيازات تتيح لهم الوصول الى المناصب الحكومية، في حين ان المناصب العليا في اجهزته الامنية غالبا ما كانت تضم الاقارب المقربين وغيرهم من افراد عشيرته.
وبعدما اشار التقرير الى عملية "اجتثاث البعث" التي جرت بعد العام 2003، لفت الى كثيرين يتساءلون عما اذا كان انتقاما اكثر منه عدالة، ونقل عن مسؤول حكومي رفيع المستوى قوله "فلنكن صادقين، اذ ان معظم العراقيين كانوا اعضاء في حزب البعث في ذلك الوقت"، مضيفا ان الحصول على التعليم والعمل كان مشروطا بالولاء للحزب، معتبرا انه كان يتحتم على الحكومة ان تشكل لجنة لمحاكمة الذين ارتكبوا جرائم فعليا، مضيفا انه "لم يتم اعتقال العديد منهم."
وتابع التقرير ان "بعض اعضاء حزب البعث السابقين تمكنوا من اعادة ترتيب امورهم مع السلطات، بينما وجد اخرون ممن ارتكبوا جرائم ملاذا امنا في اقليم كوردستان، هربا من الملاحقات القضائية.
الا ان التقرير اعتبر ان "اجتثاث البعث" يستخدم من جانب السياسيين لاستبعاد وابتزاز خصومهم، في حين ان هؤلاء الذين لديهم القدرات المالية اللازمة، بمقدورهم شراء براءتهم.
ونقل التقرير عن المسؤول الحكومي قوله ان "العدالة وعملية المساءلة اصبحت بابا للفساد"، مشيرا بذلك الى ان موظفين يتم اجتثاثهم يضطرون الى توكيل محامين ليدفعوا للاشخاص المناسبين رشاوى، مقابل اعادتهم الى وظائفهم.
واعتبر التقرير ان الحرب مع داعش جعلت طي الصفحة اكثر صعوبة، حيث انضم العديد من البعثيين الى الارهابيين في محاولة لاستعادة السلطة لكنهم قتلوا.
ولفت الى ان من القضايا المعلقة كنقطة خلاف حادة هو دور عشيرة البو ناصر في مذبحة "كامب سبايكر" حيث قام مسلحون بعد السيطرة على تكريت، باعدام ما لا يقل عن 1500 شاب في الاكاديمية العسكرية بعدما نقلوا الى النهر بالقرب من قصر صدام وجرى اعدامهم بدم بارد، والقيت جثث البعض في المياه، بينما دفن اخرون في مقبرة جماعية في اراضي القصر.
واضاف التقرير ان موقع المذبحة تحول الى نصب تذكاري تسيطر عليه الان قوات الحشد الشعبي التي تقول ان البو ناصر ساعدت داعش في محاولة للانتقام من سقوط نظام صدام، ولهذا فان وجود الحشد المستمر ضروري من اجل منع تكرار الامر ذاته.
ونقل التقرير عن احمد حسن، وهو قيادي في كتائب جند الامام التابعة للحشد، قوله ان "البو ناصر كانوا يظنون ان العراق ملكا لهم، وبعدما خسروا السلطة، اعتبروا ان كل من شارك في الحكم الجديد خائنا".
واضاف "لقد كانوا المشاركين الرئيسيين في المجزرة".
واوضح التقرير ان السكان المحليين يقولون ان مثل هذه التصريحات تطيل من امد الصراع دون داع، عندما يلام اهل تكريت ظلما على جريمة ارتكبت على اراضيهم. كما نقل التقرير عن نائب المحافظ عمار البلداوي قوله ان "ما حدث في سبايكر نفذته منظمة ارهابية. نسب هذه الحادثة الى عشيرة واحدة هو تشويه للواقع".
وفيما يتواصل الشد والجذب حول الحقيقة، قال التقرير ان التجاذب متواصل حول قرار اخر مثير للجدل بالسماح لعودة البو ناصر الى مسقط رأس صدام في العوجة، التي كانت في يوم من الايام موطنا لثلاثة الاف شخص، بمن فيهم صدام واقاربه، لكنها الان بمثابة مدينة اشباح يسيطر عليها الحشد الشعبي، حيث يتهم سكانها السابقون الحشد بالاستيلاء على اراضيهم. ولم يسمح ل"الجارديان" بالحصول على اذن للدخول الى العوجة.
وذكر التقرير ان السلطات المحلية والعشائر طلبت مرارا من الحكومة السماح لمن ليس لديهم بحقهم تهم جنائية، بان يستعيدوا اراضيهم، وكان المرة الاخيرة جرت عندما قام رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بزيارة لتكريت في كانون الاول/ديسمبر الماضي.
ونقل عن نائب المحافظ قوله "نريد اغلاق هذا الملف بشكل نهائي".
ولفت التقرير الى ان الشيخ امين، طلب من السوداني اطلاق تصريح علني لتبرئة اسم العشيرة، وان رئيس الوزراء استمع باهتمام ودون الملاحظات، وما يزال اهالي تكريت ينتظرون الجواب.