شفق نيوز/ في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للبيئة، مت تزال البيئة العراقية تواجه تحديات جسيمة تتعلق بالتلوث البيئي وسوء الإدارة البيئية، وبينما يعد مركز مختص بحماية البيئة أن ندرة المياه وتلوث الهواء أبرز تحديين يواجهان العراق بيئياً، يؤكد مراقبون بيئيون أن التلوث البيئي (السمعي والبصري والصحي) والسكاني تشكل جميعها "مربع خطر" يواجهه العراق لغاية عام 2030.
ويحتفل العالم اليوم، 5 حزيران/ يونيو، باليوم العالمي للبيئة، وهو احتفال ينظمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ويُعقد سنوياً، ويعد أكبر منصة عالمية للتوعية العامة بالبيئة ويحتفل به ملايين الأشخاص حول العالم منذ عام 1973، وتستضيفه المملكة العربية السعودية في العام الحالي 2024.
وأعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن يوم البيئة العالمي هذا العام 2024 اتخذ شعاراً للاحتفال تحت عنوان "استعادة الأراضي ومكافحة التصحر وتعزيز القدرة على التكيف مع الجفاف".
وتسلط فعاليات الاحتفال هذا العام الضوء على ثلاثة أهداف رئيسية ضمن أهداف التنمية المستدامة، منها ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة، والهدف الثاني اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، وأخيراً حماية النظم الإيكولوجية البرّية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام.
تهديدات بيئية
يقول عضو مرصد "العراق الأخضر"، عمر عبد اللطيف، وهو منظمة مدنية معنية بحماية البيئة، إن "أهم التهديدات التي تواجه العراق بيئياً هي التلوث وندرة المياه والتي بسببها هلكت الكثير من الأشجار التي كانت تحمي البيئة، وأدت إلى تصحر الكثير من الأراضي وهبوب العواصف الغبارية والترابية التي كانت لها آثار سلبية على صحة الإنسان".
ويوفر العراق نسبة 70% من إيراداته المائية من خارج الحدود، حيث تسعى الحكومة إلى التنسيق مع دول أعالي الأنهار بشأن الإيرادات.
وحذر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، فى 1 نيسان/ أبريل الماضي، بأن يكون العراق مقبل على حرب مياه بحلول العام 2050.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حالياً 30%، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65% بحلول عام 2050.
ويضيف عبد اللطيف لوكالة شفق نيوز "كما أن هناك تلوث الهواء الذي تسببه المولدات وعوادم السيارات وما فاقم ذلك الزخم السكاني، ففي بغداد هناك 9 ملايين نسمة يحتاجون إلى خدمات ومولدات، كما هناك 7 ملايين سيارة في العراق 4 ملايين منها في العاصمة".
ويتابع، أن "كل هذه أدت إلى تردي الواقع البيئي إضافة إلى تقسيم المنازل والتخلي عن الحدائق التي كانت تلطف الأجواء نتيجة الزخم السكاني".
وعن تلوث المياه، يشير عبد اللطيف إلى وجود "دوائر حكومية تلوث المياه وتسبب بالكثير من الأمراض منها السرطان وخاصة في المحافظات الجنوبية، ما يتطلب نصب محطات للمعالجة للحافظ على المياه في نهري دجلة والفرات".
ويشدد عضو مرصد "العراق الأخضر" على أهمية "ترشيد المياه واستخدام الآلات الحديثة في ري المزروعات كما يحصل في دول الجوار، حيث إن العراق قد يعاني في العام المقبل أو الذي يليه من الشحة المائية".
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.
وأعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في 17 كانون الثاني/ يناير الماضي، موافقة العراق على الانضمام إلى تحالف سيشكل لضمان حماية مصادر المياه.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
وينوّه عضو مرصد "العراق الأخضر" عمر عبد اللطيف في ختام حديثه إلى أن من الملوثات أيضاً هي "تراكم النفايات التي تؤثر على الأرض، حيث إن المياه التي تصدر منها قد تتسرب إلى المياه الجوفية وتلوثها، خاصة وأن أغلبها هي أحماض وغير ذلك، لذلك يجب العناية بهذا الجانب وأن تكون هناك معامل لتدوير النفايات أو معامل لتوليد الطاقة الكهربائية منها كما في دول العالم".
ويتسبب تواجد مواقع "الطمر الصحي" قرب المناطق السكنية بمخاطر صحية كبيرة على قاطنيها، خاصة مع التوسع العمراني وزحفه نحو تلك المواقع، وسط دعوات بضرورة نقلها إلى أماكن بعيدة عن السكان لتجنب آثارها الخطيرة الأشبه بـ"القنابل النووية"، بحسب متخصصين.
وكان رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، قد صرّح في نهاية شهر أيار/ مايو الماضي، أن المواطن يساهم في أكثر من 2 كيلو غرام يومياً من النفايات لتصل نسبة النفايات اليومية إلى 23 مليون طن يومياً مسببة تلوثاً كبيراً في الهواء.
الألغام ومخلفات الحروب
وتسببت الصراعات المتعاقبة بما في ذلك الهجمات على الثروات النفطية والصناعية في خلق بؤر تلوث بيئي من النفايات العسكرية والمواد الكيميائية السامة التي تهدد صحة الإنسان والبيئة في العراق.
"وتعاني المحافظات النفطية وخاصة الجنوبية من تردي الوضع البيئي فيها، ما تسبب بالعديد من الأمراض، كما هو الحال مع محطة واسط الحرارية التي سببت أيضاً بمشاكل صحية كثيرة للأهالي"، وفق عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، محاسن خيري الدليمي.
وتضيف النائب من محافظة واسط لوكالة شفق نيوز، أن "الألغام لا تزال منتشرة في قضاء بدرة بمحافظة واسط وتسبب بين فترة وأخرى بالعديد من الوفيات والإصابات والعاهات المستديمة".
يذكر أن وزارتيّ التخطيط، والبيئة العراقيتين، أعلنتا في 15 نيسان/ أبريل 2024، اتفاقهما على آلية لتنفيذ استراتيجية إزالة الألغام، وإعلان خلو العراق منها بحلول عام 2028.
وأكد وكيل وزارة التخطيط، ماهر حماد جوهان، في الاجتماع أن "هناك إجراءات يجري العمل على تنفيذها لمواجهة التغيرات المناخية، وتقليل آثارها على الواقع العراقي، وتنظيف الأراضي العراقية من مخلفات الألغام، لما تشكله من خطر كبير على حياة الناس، وإعاقة للمشاريع التنموية".
من جانبه، أوضح وزير البيئة نزار آميدي، أن "هناك 6 آلاف كم ملوثة بالألغام"، مؤكداً أهمية "الالتزام بالجدول الزمني الذي تضمنته الإستراتيجية التي أعدتها وزارة البيئة، التي حددت عام 2028 سقفاً زمنياً نهائياً لإعلان العراق خالياً تماماً من الألغام".
وكان البنك الدولي قدر في عام 2018، أن 47% من الغابات الطبيعية في البلاد دُمرت و2.4 مليون هكتار من الأراضي أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الألغام.
كما تشير الدراسات إلى وجود 76 بؤرة تلوث، منها 51 ملوثة بالنفط و23 بمواد كيميائية خطرة، مما يؤثر على 1.7 مليون مواطن ويسبب خسائر سنوية تقدر بنحو 1.5 مليار دولار.
مربع خطر
بدورها، تقول رئيس جمعية "مراقبون بيئيون" المراقبة الصحية العراقية بتول قاسم علي، إن "أهم المشاكل التي تواجه العراق هي تلوث الهواء والجفاف والزخم السكاني الذي يشكل نفايات أكثر وسوء إدارة النفايات وسوء الإدارة النفطية وسوء إدارة تكرير المياه".
وتؤكد علي في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "بغداد تعاني من التلوث البيئي (السمعي والبصري والصحي) والسكاني، وهذه جميعها تشكل مربع خطر يواجهه العراق لغاية عام 2030".
وتدعو علي إلى "إنشاء لجان تدريبية من خلال التخصص بالرقابة والإدارة البيئية وتخريج بيئيين يكونوا على الوسط البيئي لتصحيح البيئة الجوية العامة".
يشار إلى أن تلوث الهواء يؤدي إلى ملايين الوفيات سنوياً، ويساهم في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، حيث يتنفس 99% من سكان العالم هواءً غير صحي، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ووفقاً لآخر مسح عالمي أطلقته شركة IQAir السويسرية المختصة بتصنيع أجهزة تنقية الهواء العام 2023، فقد حل العراق بالمرتبة الثانية كأكثر دول العالم تلوثاً حيث تدهورت جودة الهواء إلى 80.1 ميكروغراماً من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراماً في العام 2021.
وبحسب المسح، حلت العاصمة بغداد بالمرتبة 13 بين أكثر المدن تلوثاً في العالم حيث تدهورت جودة الهواء إلى 86.7 ميكروغراماً من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب من 49.7 ميكروغراماً، كما سجلت مدينة أربيل نسبة تلوث بـ34 ميكروغراماً من جزيئات PM2.5 لكل متر مكعب وهي بذلك تعد بتقييم المتوسط لجودة الهواء فيها.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 37% من حالات الوفاة المبكرة الناتجة عن تلوث الهواء الخارجي في عام 2019، تمت نسبتها إلى الإصابة بمرض القلب الإقفاري والسكتة الدماغية، في حين نُسبت 18% و23% من هذه الوفيات إلى مرض الرئة الانسدادي المزمن وعدوى الجهاز التنفسي السفلي الحادة على التوالي. كما تسبب سرطان الجهاز التنفسي في 11% من الحالات.
وتشير إلى أن التعرض لجزيئات PM2.5 يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة.
بالإضافة إلى ذلك "يواجه ما يقرب من 50 مليون شخص في العالم العربي نقصاً حاداً في مياه الشرب الأساسية، في حين يعيش 390 مليون شخص، أي ما يقرب من 90٪ من إجمالي عدد السكان، في بلدان تعاني من ندرة المياه".