شفق نيوز/ تتزايد المؤشرات على أن "الوساطة العراقية" بين أنقرة ودمشق، قد تحقق ثمارها الاولى، خصوصا مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرب انتهاء العمليات العسكرية التركية في شمالي العراق وسوريا، وهي بمثابة رسالة ضمنية موجهة الى نظيره السوري بشار الاسد، بان تركيا بدأت في مكان ما بـ"احترام" السيادة السورية.
لكن العديد من المراقبين يرون ما هو أكثر من التصريحات الصادرة من بغداد وانقرة ودمشق والتي تدفع باتجاه حتمية المصالحة التركية-السورية، على الصعد السياسية والامنية والاقتصادية التي تهم كلا من العراق وتركيا وسوريا.
وتأتي تصريحات أردوغان قبل يومين، بالتزامن مع تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في واشنطن، بانه التقى نظيره العراقي حقان فيدان في العاصمة الامريكية، من اجل ترتيب لقاء في بغداد بين المسؤولين الأتراك والسوريين، وأن موعده قد يتحدد قريبا.
وكان اردوغان اعلن عما وصفه بـ"نهاية وشيكة" لعملية القوات التركية ضد مقاتلي حزب العمال الكوردستاني في العراق وسوريا، مضيفا "سنكمل قريباً جداً إغلاق منطقة العمليات في شمال العراق.. كما سنستكمل النقاط المفقودة من الحزام الأمني على طول حدودنا الجنوبية مع سوريا".
وبحسب مراقبين، فإنه كان من الصعب تصور أن بغداد ستكون قادرة على المضي قدما في وساطتها وإقناع السوريين بالموافقة على اللقاء فيما الجيش التركي ينفذ عمليات عسكرية واسعة وغارات داخل الأراضي السورية، ولهذا فان تصريح اردوغان يعطي اشارة اضافية بأن الأمور تتبدل على الأرض تمهيدا لمثل هذه اللقاءات.
كما أن الرئيس التركي اعطى اشارة اخرى تمثلت في قوله قبل أيام أنه أصدر توجيهات لوزير الخارجية فيدان "للبدء باستعادة العلاقات بين البلدين"، وان فيدان "مخول بتنظيم اجتماع مع الرئيس الأسد في دولة ثالثة"، وهو ما قد يشير الى ان اردوغان تراجع عن اقتراحه الاولي ان يتم اللقاء في تركيا نفسها و برعاية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وانه ربما يوسع الخيارات امام الرئيس الأسد لاختيار المكان الملائم لعقد مثل هذا اللقاء الذي قد يقود الى استئناف العلاقات الرسمية بين البلدين بعدما قطعت في مستهل الحرب السورية في العام 2011 مع وقوف انقرة ودعمها للمعارضة السياسية والعسكرية ضد الدولة السورية.
والاشارات لا تصدر من انقرة وحدها. فؤاد حسين اشار في واشنطن إلى أن هناك تواصل مستمر من جانب القيادة العراقية مع الجانب السوري، "لتحديد موعد لعقد هذا اللقاء في بغداد". كما ان الاشارات تصدر من دمشق، حيث اكد الاسد، على انفتاحه "على كلّ المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته".
ومنذ بدء الوساطة الروسية منذ نحو عامين، ثم دخول الوساطة العراقية على الخط قبل أسابيع قليلة، ودمشق تقول ان "الشرط الأساسي لأيّ حوار سوري- تركي هو إعلان أنقرة استعدادها للانسحاب من البلد". ومع تزايد الحديث عن احتمالات حدوث انفراج، خرجت وزارة الخارجية السورية ببيان جديد امس قالت فيه أن عودة العلاقة الطبيعية مع تركيا "تقوم على عودة الوضع الذي كان سائداً قبل العام 2011، وهو الأساس لأمن وسلامة واستقرار البلدين".
وبعد ساعات على تصريحات فؤاد حسين في واشنطن، كان لافتا قول الخارجية السورية في بيانها أنها تعرب عن "شكرها وتقديرها للدول الشقيقة والصديقة التي تبذل جهودا صادقة لتصحيح العلاقة"، الا انها اكدت على ان "أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة ، وفي مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضا".
ويقول مراقبون إن اردوغان بإعلانه قرب نهاية العمليات العسكرية، يسحب ولو بالشكل اولا، احدى العقبات التي قد لا تشجع دمشق على اعطاء الضوء الاخضر النهائي لحدوث اللقاء. كما أن تكرار تصريحاته في الأيام الاخيرة حول حتمية المصالحة مع دمشق، واهمية حدوثها قريبا، تعكس رغبة تركية فعلية في طي هذه الصفحة، لأن الكثير من القضايا على المحك هنا.
ولعل قول الوزير العراقي بأن نجاح الوساطة "سينعكس إيجابيا على العراق"، يحمل الكثير من المعاني والدلالات، بما يمكن أن تقود اليه الجهود العراقية في التقريب بين أردوغان والأسد.
ويختضر المراقبون النتائج المأمولة من الوساطة العراقية، بالتالي:
-استقرار إقليمي يخدم العواصم الثلاث.
-حاجة محمد شياع السوداني الى "انجاز" دبلوماسي كبير، يعزز صورة بغداد اقليميا ودوليا كمركز للقاء والحوار والسلام، قبل الانتخابات البرلمانية في 2025.
-حاجة أردوغان لمخاطبة جمهوره الداخلي المتذمر من وجود ملايين النازحين السوريين.
-حاجة أردوغان لتخطي قوى المعارضة التي تتهمه بالتباطؤ في معالجة ملف الحرب السورية وقضية النازحين، لدرجة أن بعض شخصيات المعارضة تعهدت بالمبادرة من جانبها الى الانفتاح على الأسد قريبا.
-حاجة السوداني الى تهيئة الظروف الداخلية والإقليمية الهادئة للمضي قدما في مشروع "طريق التنمية"، خصوصا بعدما استقطب إليه الاهتمام من دولة الإمارات وقطر.
-نجاح الوساطة العراقية، سيعزز من مكانة السوداني داخل "الإطار التنسيقي" التي ترتبط العديد من قواه بعلاقات قوية مع كل من دمشق وطهران.
-حاجة كلا من الأسد وأردوغان الى معالجة قضيتي "الادارة الذاتية" في الشرق السوري، و"دويلة" الفصائل المسلحة في ادلب، وقد اظهرت الاحتجاجات الدموية الاخيرة التي جرت في مناطق سيطرة تركيا، اهمية قيام انقرة بتسوية هذا الوضع نهائيا
-معالجة خط التوتر التركي-السوري، يحظى باهتمام بغداد وطهران أيضا، لما يمكن أن تأتي من خلفه مكاسب على صعيد السياسة والاقتصاد للعواصم الأربع.
-التهدئة على المسار التركي-السوري، سيتعكس ايجابا بالتأكيد على مصالح اقليم كوردستان واستقراره السياسي والأمني ومكاسبه الاقتصادية
-حاجة الأسد لكي يظهر تماسك النظام في دمشق، وفتح آمال أمام السوريين بأن مرحلة العشرية السوداء التي شهدتها البلاد، على وشك الانطفاء، فيما لو تطورت العلاقات مع الأتراك وقادت ايضا الى احتواء الفصائل المسلحة.
-حاجة أنقرة ودمشق للاستعداد للنتائج المحتملة للمعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، حيث من المعروف أن دونالد ترامب مثلا لم يكن من محبذي بقاء القوات الأمريكية في الشرق السوري، وهناك تقديرات في واشنطن، بأنه حتى ادارة جو بايدن تبحث فكرة مغادرة هذه المنطقة، فيما بعد انجلاء غبار المعركة الانتخابية وربما خلال العام 2025.
-حاجة النظام في سوريا الى جذب الاستثمارات ومحاولة كسر حصار "قانون قيصر" الأمريكي على الشعب السوري.
تقرير: وكالة شفق نيوز