شفق نيوز/ تكشف فواتير إنفاق العراق سنوياً على الوزارات الأمنية ارتفاعاً ملحوظاً بالموازنات المخصصة لها لتحقيق "متطلبات ضرورية" مقارنة بغيرها من الوزارات، وذلك بحسب دراسات ومواقع متخصصة، ويشير خبراء أمنيون إلى "تحديات" تواجه هذا الارتفاع في ظل وجود "الحشد الشعبي" والذي عدوه "جيشا موازيا"، كما حذروا من خسارة طاقات أمنية (منتسبين ومراتب) بمواجهات "جنائية" مسلحة تدور بين حين وآخر بمناطق متفرقة البلاد.
ويعتمد بناء القوات الأمنية العراقية على كثافة أعداد المنتسبين التي تأخذ حيزا كبيرا من موازناتها، وسط خسارة الطاقات الأمنية بعيداً عن الجانب "الإرهابي" بما أطلقت عليه وزارة الداخلية مؤخراً بـ"شهداء السلم الأهلي" لمواجهة السلاح المنفلت عشائرياً.
أعداد منتسبي الجهات الأمنية
وبحسب تقرير لموقع "ميدل ايست" البريطاني عام 2023، فقد "ارتفع عدد جنود وموظفي وزارة الدفاع العراقية خلال المدة من عام 2021-2023 بمقدار 25.000 ألف شخص، ليصل إلى 450.000 إجمالاً".
ووفق الموقع "فقد ازدادت أعداد قوات وزارة الداخلية بمقدار 22.250، لتبلغ 700 ألف شرطي إجمالاً، في حين زاد عدد مقاتلي الحشد الشعبي بمقدار 116.000 مقاتل خلال المدة نفسها، ليصل إجمالي القوات إلى 238.000 مقاتل، ليكون القوة العسكرية الثالثة في البلاد بموازنة تصل الى 2.7 مليار دولار".
كما كشف تقرير أعده كل من أمير الكعبي (خبير أمني عراقي) ومايكل نايتس (متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج)، لمصلحة معهد واشنطن في 6 حزيران 2023، نقلاً عن تقرير سابق أعدته اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي في 17 نيسان/أبريل 2023 بأن "القوى البشرية المعتمدة في قوات الحشد الشعبي ازدادت بنسبة 95% في موازنة عام 2023، وتضاعف تقريباً عدد عناصرها من 122 ألفًا إلى 238 ألف مقاتل".
ووفقا للتقرير، فقد "اعترض رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، على هذه الأرقام في مقابلة تلفزيونية في 18 نيسان/أبريل 2023، مبينا أن عدد العناصر المخصصة من القوى البشرية ارتفع من 170 ألفًا في عام 2021 إلى 204 آلاف فقط، أي بنسبة 20% من سنة إلى أخرى، (على سبيل المقارنة، ازداد في مشروع الموازنة عدد العاملين في وزارة الدفاع بنسبة 6%، وفي وزارة الداخلية بنسبة 3%)".
وبحسب وثائق خاصة بمشروع الموازنة التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان لعام 2023، فإن "الحشد الشعبي يمثل نصف حجم الجيش النظامي، بينما يبلغ حجم القوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية حوالي ثلاثة أضعاف حجم قوات الحشد الشعبي".
ومن المقرر أن تنمو أيضا ميزانية "قوات الحشد الشعبي"، ليتكرر ذلك في عامَي 2024 و2025. وتبلغ نسبة هذه الزيادة 23%، بحسب التقرير.
فاتورة إنفاق الوزارات الأمنية 2019-2023
وبحسب تقرير أعدته مؤسسة عراق المستقبل المتخصصة بالشأن الاقتصادي عام 2023، فقد "ارتفعت فاتورة رواتب الدولة العراقية خلال السنوات (2019-2023) بمقدار 7 ترليونات دينار اضافية لتصل الى 47 تريليون دينار عراقي بعد ان كانت في 2019 بقيمة 40 تريليون دينار عراقي فقط".
وأضاف التقرير أن "وزارتي الداخلية والدفاع ومجلس الوزراء والهيئات المرتبطة معها احتلت ما نسبته 50% من مجمل الرواتب ليبلغ مجمل رواتب الجهات الثلاث 25 ترليون دينار، مرتفعة عن 2019 بمقدار 6 ترليونات دينار حيث كانت قيمتها في حينه 19 ترليون دينار عراقي فقط".
البنى التحتية الأمنية في الموازنة الثلاثية
وبحسب تقرير للجامعة الامريكية في السليمانية نشر عام 2023 فإن "القراءة السريعة للميزانيات الحالية والسابقة قد تقود إلى استنتاج أن العراق أعطى الأولوية بشكل كبير لقطاع الأمن على حساب الرعاية الصحية والتعليم".
ويضيف التقرير ان "ميزانية 2023-2025 التي جمعت بين الإنفاق المباشر وغير المباشر على الرعاية الصحية والتعليم للوزارات ذات الصلة، فإن مخصصات الاستثمار في البنية التحتية الأمنية أكبر بنسبة 156% من تلك المخصصة للبنية التحتية للرعاية الصحية والتعليم، في حين أن مخصصات الإنفاق على الرواتب، ومعاشات التقاعد، والضمان الاجتماعي، وغير ذلك من النفقات التشغيلية ـ أي النفقات الجارية ـ أصبحت أكبر بنسبة 9%".
وتابع التقرير أنه "في إطار النفقات الجارية على وجه الخصوص، يزيد الإنفاق على الرواتب بنسبة 28% في قطاع الأمن، وتعني مخصصات الإنفاق الجارية والاستثمارية مجتمعة أن قطاع الأمن لديه مخصصات أكبر في الميزانية الإجمالية بنسبة 17%، في حين أن هناك زيادة بنسبة %11 في عدد موظفي الخدمة المدنية العاملين في قطاعي الصحة والتعليم"، مبينا أن "متوسط الراتب في قطاع الأمن أعلى بنسبة 44% من متوسط الراتب في الرعاية الصحية والتعليم، وكل ذلك يعزز التصور بأن ما يتم إنفاقه على الأمن أكثر بكثير مما ينفق على الرعاية الصحية والتعليم".
ترتيب العراق عسكرياً عربياً وعالمياً
وبحسب تصنيف القوة العسكرية "غلوبال فاير باور" لعام 2023 لأقوى جيوش العالم، فقد احتل الجيش العراقي المركز الـ45 عالمياً، وعلى المستوى العربي جاء الجيش العراقي رابعاً بعد كل من الجيوش المصرية والسعودية والجزائرية.
موارد الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي
يقول الخبير الأمني أحمد الشريفي، لوكالة شفق نيوز إن "الموارد وهي التخصيصات المالية تكون ببعدين وهي الفرد وهو المقاتل والمراتب، والمعدات الضامنة لتنفيذ المهام الدستورية لوزارتي الداخلية والدفاع، ولكن هذه الموارد لم يكن لها التوظيف الأمثل، فهناك من يرى بإضعاف المؤسسات على المستوى الأمني والعسكري ليصبح العراق ضعيفاً ويصبح تحت رحمة دول الجوار على مستويات متعددة منها البعد الاقتصادي وفتح جبهات هشة تحتوي ثغرات وهو ما يحصل حالياً".
ويضيف الشريفي أننا "ننفق أموالاً كبيرة جداً لسعة أفق الموارد البشرية"، موضحا أنه "بمفاهيم الجيوش الحديثة الذكية فإن الاعتماد يكون على النوع وليس الكم مثل المهارات القتالية واللياقة البدنية معززة بتقنيات عالية جدا".
ويرى الخبير الشريفي، إن "العراق يفتقد لنظرية الجيش الذكي، ولذلك يوم دخلت (داعش) الى نينوى خسرنا، لأن المحاصصة اخترقت الولاء داخل المؤسسة، كما أن البعد السياسي كان حاضراً في تعطيل المهام والدور الوظيفي، وبالتالي حصل (داعش) على 28 مليار دولار كقدرات تسليحية، والمفارقة أن هذه القدرات التي جهز بها الجيش والشرطة تحولت الى صدور العراقيين".
ويبين الشريفي أن "فقهاء الشؤون العسكرية يجمعون على أن شروط بناء الفرد الأمني لم تتحقق في كثير من الأحيان، حيث كانت التعيينات تأتي عبر الولاء الحزبي أو لأغراض انتخابية، وبالتالي فقدنا النوع والولاء والمعايير"، لافتا الى أن "الكثافة على مستوى العدد لا جدوى فيها داخل الميدان، والدليل ما زلنا بحاجة للتحالف الدولي والامريكان".
ويؤكد الشريفي على عدم امكانية "تحديد نسب الإنفاق بسبب وجود جيش، وجيش آخر موازي"، موضحا أنه "قبل دخول (داعش) كانت هناك اجنحة مسلحة لأحزاب تحسب على الجهد الأمني والعسكري، وهي غير منظورة وغير مقيدة في سجلات المؤسسات، ولا نعرف كيف تتدرب وتتسلح ومفروضة على المؤسسات وتكون فيها أسماء وهمية".
وفي مرحلة بعد (داعش) وظهور الحشد الشعبي، يقول الشريفي، "أصبح هناك جيشا موازياً، وفي ظل وجود الجيشين، فقد بات من الصعوبة أن نتحقق من بيانات الجيش الموازي، وأعداد منتسبيه، والرتب والقدرات التسليحية، ونسب الانفاق، لان لدينا مؤسسة عسكرية وأخرى شبه عسكرية".
ويشير الشريفي إلى أن "الحشد الشعبي لديه موازنة خاصة، فيما لم تحدد أدواره الوظيفية، وهذا ما يجعل تقديم نسب انفاق في المؤسسة العسكرية صعب جداً، لان الانفاق يحدد لوزارة الدفاع بمبلغ معين، وللحشد بمبلغ آخر".
ويبين، أن "الاستحقاقات المالية في وزارة الدفاع تكون أعلى لأن قدراتها التسليحية تقتضي بأن تكون فيها نسب الصيانة مرتفعة، فمثلا طائرة اف 16 تحتاج الى نحو 350 مليون دولار سنوياً للصيانة وإعادة التأهيل وادامتها وهي طائرة باهظة الكلفة، وموازنة الوزارة لا تكفي لذلك".
خسارة طاقات أمنية وشهداء "السلم الأهلي"
واضافة لمواجهة "الإرهاب"، فان العراق يخسر سنوياً أيضاً عدداً من منتسبيه ومراتبه الأمنيين في نزاعات وهجمات "جنائية" وبعضها عشائرية، وبمواجهات مماثلة مع تجار ومتعاطي المخدرات، كان أبرزها المواجهة بين عشيرتين بمحافظة ذي قار، جنوبي العراق.
ومطلع آذار/ مارس الجاري، قتل مدير استخبارات ذي قار، (جنوبي العراق)، العميد عزيز شلال خلال نزاع عشائري كبير اندلع باحدى مناطق المحافظة، ليعلن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، ترقيته إلى رتبة لواء وتسميته بـ"شهيد السلم الأهلي".
ومن ضمن "التحديات" التي وضعتها وزارة الداخلية لمواجهة هذا "الانفلات"، فقد أعلن الشمري أيضا، عزم وزارته استخدام القوة في الحفاظ على النظام العام ومكافحة النزاعات العشائرية.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الأمني والاستراتيجي سرمد البياتي لوكالة شفق نيوز إن "المشكلة تكمن في تنفيذ القرارات المتعلقة بمواجهة المواطنين الذين يحملون السلاح"، لافتا إلى أن "ضعف تطبيق القانون يعد مشكلة كبيرة، ولذلك يجب التثقيف بهذا الشأن وتطبيق العقوبات حرفياً دون أن تكون هناك وساطات في تنفيذ العقوبات سواء على مستوى تجار المخدرات أو المتهمين بالنزاعات العشائرية وغيرها".
وشدد على أن "سلطة الدولة يجب أن تطبق، وأن يحسب المواطن لها ألف حساب، وأن يتخوف من وجود سلطة حقيقية تعاقب المسيء".
وعن استهداف المنتسبين والمراتب الأمنية، يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري، لوكالة شفق نيوز، "نحن عسكريون وفي الواجبات نكون معرضين لمثل هذه الأمور وهذا يدخل ضمن واجباتنا للحفاظ على الأمن".
ويضيف أن "من ضمن الإجراءات المتخذة بهذا الصدد، حملة السيطرة على السلاح المنفلت التي أطلقتها الحكومة كجزء من المعالجات المطلوبة لحماية المجتمع والحد من العنف"، مبيناً أن "هناك حملات أمنية تقوم بها الوزارة والدليل ما قمنا به في محافظة ذي قار من عملية عسكرية وسحبنا سلاح كثير وعملنا على الحد من سيطرة السلاح العشائري".
السلاح "منفلت"
ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات على الأمن المجتمعي، وسبق أن تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي بإنهاء هذه الظاهرة خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة.
ولا يوجد إحصاء رسمي يحصي عدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق "كلاشنكوف"، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وتملك غالبية هذه الأسلحة الجماعات المسلّحة في البلاد، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد عام 2003، واضطرار العراقيين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.