شفق نيوز/ "نريد أبناءنا لا نريد الأموال"، يردد ذوو المغيبين هذه الجملة مراراً وتكراراً منذ إقرار البرلمان العراقية موازنة البلاد المالية للعام الجاري.
فقد رصد بند في الموازنة المالية التي صوت عليها البرلمان العراقي الأسبوع الماضي "مخصصات الشهداء" لذوي المغيبين في العراق.
وأثار هذا البند الهلع لدى ذوي المغيبين، وبدأوا يتساءلون عن مصير أبنائهم فيما إذا لقوا حتفهم بالفعل بعد سنوات من فقدان أثرهم، إذ اختفى أثره معظمهم خلال الحرب الطاحنة بين القوات العراقية ومسلحي "داعش" بين عامي 2014 و2017.
وتقول الناشطة المدنية كوثر المحمدي من سكنة محافظة الانبار، لوكالة شفق نيوز، إن "قرار شمول عوائل المغيبين بمخصصات الشهداء، ورغم حاجتهم الملحة إليها منذ سنوات، إلا أنه أثار هلع هذه العوائل من أن يكون هذا القرار لتهدئتهم عن المطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم".
وتضيف، أن "عددا من هذه العوائل، بدأت تتساءل ما إذ يعني هذا القرار بأن المغيبين أصبحوا شهداء حرب أيضا أم لا؟، كون إدراجهم ضمن مخصصات الشهداء يترك العديد من التساؤلات، وهي لماذا تم إدراجهم ضمن هذه الفئة دون غيرها؟ وكان على مجلس النواب مراعاة مشاعر هذه العوائل، وإدراجهم ضمن اي مؤسسة أخرى".
ولدى العراق تاريخ قاتم بشأن المختفين قسراً وخاصة خلال سنوات الحرب ضد داعش في المناطق ذات الأكثرية السنية شمال وغرب البلاد.
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن العراق إحدى الدول التي تضم أكبر عدد من المفقودين في العالم جراء عقود من النزاعات المسلحة المتعاقبة وفترات اتسمت بشيوع العنف، وتقدر المنظمة عددهم بمئات الآلاف فقد أثر معظمهم في سنوات الحرب ضد داعش.
أما منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية فقد أصدرت عدة تقارير عن عمليات الإخفاء القسري المستمرة في العراق، بعضها على يد قوات أمن عراقية من ضمنها فصائل شيعية مسلحة ضمن الحشد الشعبي، وفق المنظمة.
ويقول "م .م" وهو أحد ذوي مختطفي منطقة البو عكاش شرقي الانبار، إن "داعش بريء من اختطاف اخي، فانا رأيت مجموعة مسلحة قد قامت بضربه وأخذه بالقوة، عندما حاول الهروب من الضربات الجوية التي كان ينفذها الطيران ضد داعش".
ويضيف أن "العديد من أهالي المنطقة كانوا قد شاهدوا عناصر الجيش والفصائل المسلحة التي كانت تدعي تحرير الانبار، وهم يقتادون ذويهم بالقوة لمكان مجهول".
ويتابع في حديثه لوكالة شفق نيوز، "لا نريد مالا من حكومة غضت النظر عنا لسنوات، ولا تزال تحاول ان تتلاعب بمشاعرنا من خلال مبالغ مالية كان يجب أن تخصص لنا منذ سنوات، لذا نكرر بأن على الحكومة الكشف عن مصير أبنائنا، ان كانوا أحياء فليردوهم إلينا، وأن كانوا قد قتلوا فعليهم محاكمة الجناة".
ويقول آخر، إنه "شاهد مقاتلي كتائب حزب الله، وهم يقتادون ابنه دون رجعة".
ويزيد قائلاً، في حديثه لوكالة شفق نيوز، "لا أريد مالاً من أحد، فعندما كنت أقف إمام باب أحد المسؤولين لساعات، أملا بأن يساعدني بإخلاء سبيل ابني من الميليشيات، والآن يخصصون لنا المال لان الانتخابات اقتربت!".
ويستطرد، "لا نريد هذه الأموال، لذا لتأخذها الحكومة وتخصصها للبحث عن المغيبين أو الكشف عن هويات ضحايا المقابر الجماعية في الانبار، فقد اتعبنا الانتظار، نرد ان نعرف مصيرهم لا اكثر، حتى وإن كانوا أمواتا، وإن كانوا حقا كذلك، فعلى من صوت لتخصيص مبلغ مالي لنا، ان يصوت لمحاكمة المجرمين".
ويرى الباحث في الشأن الاجتماعي، اكرم العيساوي، أن "هناك مخاوف من أن يتسبب قرار تخصيص مبالغ مالية لعوائل المغيبين، بغياب أنظار المجتمع الدولي لهذه القضية، على أساس بأنها لم تعد ذات أهمية كالسابق، فغياب المعيل وعدم التفات الحكومة إلى ذويه كان قضية كبيرة على قائمة اهتمامات العديد من الدول والمنظمات الإنسانية الدولية".
ويقول العيساوي، لوكالة شفق نيوز، إن "عدم الحديث بشأن المقابر الجماعية داخل قبة البرلمان أثناء قراءة بنود الموازنة، يزيد امر المغيبين وذويهم تعقيدا، ويترك علامات استفهام كثيرة".
ويشير إلى أن "ممثلي المحافظات المحررة من تنظيم داعش، سبق وأن وعدوا بتخصيص مبالغ مالية من شأنها تشكيل فرق الكشف عن المقابر الجماعية التي وجدت بمدن متفرقة، منها اكثر من 15 مقبرة في الانبار وغالبيتها قرب الفلوجة، و30 مقبرة بمحافظة نينوى، وعدد من المقابر الجماعية الأخرى في محافظة صلاح الدين".