شفق نيوز/ يمكن لأي مراقب مستقل ان يحسد قيادات ائتلاف "دولة القانون" على ثقتهم المفرطة في التعبير عن كون نوري المالكي الأكثر اهلية وجدارة للعودة الى رئاسة الحكومة العراقية، وثانيا قدرتهم في التعبير عن اليقين بأن الائتلاف قادر على تحقيق انتصار مريح في انتخابات 10 أكتوبر المقبل.
ولا يبدو ان نتائج انتخابات العام 2018 تشجع على مثل هذا الافراط في التفاؤل، فقد حلت "دولة القانون"رابعة بحصولها على 26 مقعدا، وسبقها بفارق مريح تحالف سائرون بقيادة الصدريين (54 مقعدا)، وتحالف الفتح بقيادة هادي العامري (47 مقعدا)، وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي (42 مقعدا).
كما ان كثيرين يعتقدون ان الاوضاع الصعبة التي ادت الى استبعاد المالكي من رئاسة حكومة ثالثة العام 2014، ما زالت تلاحق ارثه في العمل السياسي، وقد تحول دون الاستعانة به لتسنم منصب اعلى سلطة تنفيذية في العراق. وهناك قضيتان اساسيتان يحتسبها خصومه ضده، هما سقوط ثلث اراضي العراق تحت سيطرة الاحتلال الداعشي بين ليلة وضحاها، وثانيا تفشي ظاهرة الفساد التي وضعت العراق في المرتبة الثالثة عالميا.
لكن بعض قيادات "دولة القانون" يعتبرون ان المالكي قدم من الانجازات للعراق اكثر مما قدمه غيره من بعده، وهو بالتالي الاكثر أحقية في العودة الى المنصب، وهي أمنية امامها على ما يبدو شروط عدة، من بينها موقف المرجعية الشيعية العليا، واكتسابه تأييد كتل برلمانية كبرى، ومعرفة وجهة المساندة الايرانية خاصة بعد الزيارة الاخيرة لرئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الى طهران ولقائه مع الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي.
ومع ذلك، فإن أنصار المالكي باشروا مبكرا في الحملات الدعائية المؤيدة له وفق أفكار ترويجية من بينها انه القوي والقادر على احتواء التوترات مع الفصائل المسلحة، وبين بعض القوى السياسية، وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين والتي شهدت تدهورا في السنوات التي خرج فيها من الحكم.
لكن من الواضح ان المالكي وأنصاره يراهنون ايضا على قدرتهم على اجتذاب أصوات جديدة اذا كان سيتاح لهم قيادة حكومة ما بعد انتخابات أكتوبر، من خلال استمالة اصوات الشريحة الكبرى المترددة في الادلاء باصواتها وهي كانت كبيرة في انتخابات 2018 حيث بلغت نسبة المشاركة في التصويت نحو 44% فقط كما معلن رسمياً، كما انهم يراهنون على سحب اصوات من حصص الكتل الاخرى كـ"الفتح" التي تمثل اساسا فصائل الحشد الشعبي، وهو رهان قد يتعارض مع ما تتطلع اليه القوى المقربة من ايران.
لكن مراقبين يرون ان احداث العراق منذ تظاهرات 2019، والاتهامات التي وجهت للفصائل بمواجهتها عنفيا، بالإضافة الى توترات داخل قوى الفتح، قد تساعد المالكي على اجتذاب اصوات اضافية من الناخبين.
وكان المالكي حصل على اعلى الاصوات في انتخابات 2014، لكن اعتراضات المرجع الشيعي الاعلى السيد على السيستاني، وبعض القوى السياسية، اجبرت المالكي على الاعتذار في اطار تسوية سياسية أتت به في منصب نائب الرئيس.
وبحسب النائب محمد الصيهود، المقرب من المالكي، فان "الاخير قدم الكثير للبلاد طيلة رئاسته للحكومة لولايتين متتاليتين وفي مختلف المجالات الصحية والاقتصادية والتعليمية والاعمار وبالتالي كاعضاء ضمن قائمة دولة القانون سابقا ( ثقة الزعيم حاليا) نرى بأنه الاحق برئاسة الوزراء اذا ما نجحت قائمته في كسب الاصوات التي تؤهله لذلك".
الانتخابات وحجم الاحزاب
وقال الصيهود لوكالة شفق نيوز، إن "نتائج انتخابات العام 2018 لا تعد معيارا لقياس حجم تلك الكتلة او ثقل ذلك الحزب في الشارع العراقي على اعتبار ان غالبية الناخبين الناقمين كانوا ابدوا عزوفا كبيرا عن المشاركة الامر الذي انعكس سلبا على مجمل نتائج الانتخابات ونأمل وفق معطيات المرحلة الحالية وبعدما ايقنت جماهيرنا بضرورة توسيع حجم مشاركتها بالعملية الانتخابية الحصول على مقاعد اكثر".
واعتبر ان "الانتخابات القادمة ستكشف للاحزاب والكتل حجمها او ثقلها الحقيقي في الشارع العراقي فيما لو توفر الحضور الانتخابي، باعتبار ان العراقيين الذين خرجوا بتظاهرات حاشدة في 2019 ، مطالبين بانتخابات مبكرة فإن هذه هي فرصتهم الوحيدة باجراء التغيير المنشود ونتائج كل قائمة او تحالف انتخابي يترجم ثقله لدى جمهوره".
وتتخذ قائمة "ثقة الزعيم" من 72 مرشحا ممثلا لها في الانتخابات القادمة موزعين على عموم محافظات البلاد باستثناء اقليم كوردستان.
وبحسب الصيهود، فإن غالبية المرشحين هم من الكفاءات والتكنوقراط وينحدرون من 9 كيانات سياسية بينها حزب الدعوة وحركة ارادة والبشائر وتجمع تركمان العراق فضلا عن بعض نواب السابقين.
بيضة القبان
واشار الصيهود الى ان "نتائج الانتخابات ستلعب دورا في رسم خريطة التحالفات المستقبلية لتحديد هوية زعيم المرحلة القادمة ويبقى نوري المالكي المرشح الوحيد ل"ثقة الزعيم" فيما لو دخل بتحالفات اخرى"، مشددا "ليس لدينا خط احمر على اي كتلة او تيار للتحالف معه من اجل تشكيل الحكومة فيما لو حصدنا نتائج متقدمة".
واعتبر ان "دولة القانون سيكون بيضة القبان للتحالفات القادمة".
وطالب الصيهود حكومة الكاظمي بتوفير اجواء امنية تؤمن انسيابية الانتخابات دونما تأثير على حرية الناخب او سلب ارادته، مذكرا بان هذه الحكومة "تشكلت من اجل تنظيم انتخابات مبكرة وبالتالي عملها يجب ان ينصب على ذلك".
وكان ائتلاف دولة القانون، وهو تحالف سياسي برئاسة نوري المالكي، انشق عن الائتلاف الوطني العراقي الذي كان يجمع كل القوى الشيعية بسبب خلافات مع التيارات الأخرى من بينها تيار الصدر.
العودة "المستحيلة"
لكن شخصيات انشقت عن "دولة القانون"، قالت لوكالة شفق نيوز انه "بات من الصعب عودة المالكي الى سدة الحكم مجددا وكل المعطيات ترجح تراجع شعبية الأخير لدى الشارع العراقي فضلا عن تقاطعه مع أطراف سياسية لها ثقلها .
وقالت مصادر مطلعة ان "هناك اعتراضاً مازال قائماً من المرجعية الدينية العليا على شخص المالكي اذ ان البلاد دخلت بدوامة صراعات داخلية وخارجية اشدها وطأة سيطرة داعش على ثلث الاراضي العراقية وسقطت الموصل ومحافظات الانبار وصلاح الدين بيد داعش آنذاك ما استدعى تدخل المرجعية لاعلان فتوى الجهاد الكفائي".
واضافت "اذا ما استبعدنا سيناريو فيتو المرجعية على المالكي فهناك اطراف اخرى ترفض عودته أبرزها التيار الصدري والذي وافق على مضض على تمديد ولايته خلال انتخابات 2014".
يذكر ان المالكي كان شن حملة عسكرية تحت مسمى "صولة الفرسان" على "جيش المهدي" التابع للتيار الصدري في العام 2008، وهي الوحيدة التي قادتها الأجهزة الأمنية العراقية ضد المسلحين الشيعة. ومنذ وقتها دخل المالكي في خصومة مع الصدريين.