شفق نيوز/ باعلان مقتضب وحزين، تبلغ البريطانيون والعالم بوفاة أطول ملوك بريطانيا جلوسا على العرش، الملكة اليزابيث الثانية عن عمر ناهز 96 عاما، والتي سعت الى المحافظة على سطوة وهيبة بلادها التي كانت يوما ما لا تغيب عنها الشمس.
وعلى حساب العائلة المالكة على "تويتر"، نشرت صورة بالابيض والاسود للملكة اليزابيث وهي تبتسم، مع إعلان خبر وفاتها رسميا.
وإليزابيث الثانية هي أطول ملوك بريطانيا عمرا، وايضا أطول ملوك بريطانيا جلوسا على العرش بعد تخطيها فترة الستة عقود التي حكمت فيها جدة جدها الملكة فيكتوريا البلاد.
ووصفت الملكة الراحلة بأنها كانت بمثابة "صخرة الاستقرار" عبر معظم سنوات القرن المضطرب الذي عاشته، منذ تولت العرش في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، أي بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي بدأت تشهد أفول نجم الإمبراطورية البريطانية العظمى، وصعود الولايات المتحدة التي كانت فيما مضى إحدى مستعمرات العرش البريطاني الى ان استقلت عنها، ثم تفوقت عليها قوة وسطوة في العالم.
وبينما جرى نشر نبأ وفاة اليزابيث على سلالم قصر باكنغهام بينما كانت الحشود متجمعة لمتابعة أنباء اعتلالها المفاجئ خلال النهار، اتجهت الأنظار سريعا الى خليفتها، اي نجلها الأمير تشارلز الذي سيتوج تلقائيا ملكا على بريطانيا، في فترة قد تطول لبضعة شهور.
وبسبب طول فترة حكمها، فإن من المفارقات ان البريطانيين عموما لم يعرفوا ملكة غيرها على الإطلاق، لدرجة ان فترة حكمها تسمى "العصر الإليزابيثي الحديث"، في حين يعتبر العديد من البريطانيين انها ساهمت في الحفاظ على ثقل بريطانيا واستقرار نظام الحكم فيها، بسبب رمزيتها، لا بسبب نفوذها السياسي المحدود في هذه الديمقراطية العريقة.
ولطالما استخدمت اليزابيث حضورها وهيبتها وثقلها الرمزي حتى على الساحة الخارجية من اجل تعزيز مصالح بلادها، وهي بالنسبة الى العديد من البريطانيين بمثابة امهم الأكبر، والتي عاصروها منذ بدايات الحرب الباردة والصراعات الكثيرة في اوروبا وحول العالم.
وذكرت تقارير دولية انه من المتوقع أن يكون تأثير وفاة اليزابيث هائلا ولا يمكن التنبؤ به، سواء بالنسبة للأمة أو للملكية، وهي مؤسسة ساعدت اليزابيث في استقرارها وتحديثها عبر عقود من التغيير الاجتماعي الهائل وكذلك من فضائح العائلة المالكة.
وما زال ملايين البريطانيين، وغيرهم حول العالم، يستذكرون بحسرة وألم وفاة الأمير ديانا في العام 1997 بحادث السير المريب إلى جانب من كان يفترض انه "عشيقها" البريطاني المصري الأصل دودي الفايد، بينما كانت الملكة تراقب انهيار زواج ابنها، "الملك الجديد" تشارلز منها.
وواجهت اليزابيث ضغوطا هائلة من الرأي العام البريطاني، والعالمي، والذي كان يطالب بمعرفة حقيقة موت الاميرة ديانا التي على العكس من "طليقها" الامير تشارلز، كانت تحظى بشعبية وتعاطف شعبي واسع معها ومع شخصيتها، وصورتها وهي تحاول كسر "قيود" الحياة الملكية المتزمتة والمحافظة، لدرجة ان العديد من وسائل الاعلام اثارت الشكوك في طبيعة موت ديانا وما اذا كان حادثا مدبرا من العائلة الملكية وربما الملكة نفسها أو ابنها الامير تشارلز.
ولعل تلك الحادثة وما تلاها من ضجة على مستوى العالم والتي استمرت لسنوات، ضربت عائلة الملكة اليزابيث في الصميم، وشاهدت وهي في اوج سطوتها وقوتها، عائلتها تتفكك وتدور الخلافات داخلها، مع زواج تشارلز من كاميليا باركر في العام 2005، ثم المعاناة التي واجهها ابنا الامير ديانا، ويليامز وهاري المفجوعان بخسارة امهما.
وما ان اعلن عن اعتلال صحة اليزابيث وخضوها للإشراف الطبي في قلعة بالمورال في اسكتلندا، حتى سرت التكهنات باحتمال وفاتها، وهي التي شيعت زوجها في العام 2021.
وكانت الملكة المريضة الغت اجتماعا افتراضيا لمجلس مستشاريها الخاص الأربعاء، اتباعا لنصيحة الأطباء لها بالراحة، ثم توافد الأمير تشارلز وزوجته كاميلا والامير ويليامز إلى بالمورال، ليكونوا الى جانبها.
وكان اخر ظهور علني للملكة يوم الثلاثاء وهي واقفة وتبتسم الى جانب رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس التي قالت بعد انباء مرض الملكة ان "البلاد بأكملها" ستكون "قلقة للغاية، بينما قال زعيم المعارضة وحزب العمال سير كير ستارمر انه يعبر عن "عميق قلقه" على الملكة.
والان، من المقرر ان تعلن العائلة المالكة عن خطط لجنازة الملكة والتي من المتوقع أن تقام بعد عشرة أيام من وفاتها.
وولدت إليزابيث ألكسندرا ماري وندسور يوم 21 أبريل/ نيسان 1926، في منزل غير بعيد عن ميدان بيركلي في لندن. وكانت المولود البكر لألبرت، دوق يورك، الأبن الثاني لجورج الخامس وزوجته الدوقة إليزابيث بوز-ليون.
وتلقت إليزابيث وشقيقتها، مارغريت روز، المولودة سنة 1930، تعليمهما في المنزل، وترعرعتا في جو عائلي مفعم بالحب. وكانت إليزابيث مقربة جداً من والدها وجدها، جورج الخامس. ونقل عن ونستون تشرتشل، قبل توليه رئاسة الوزراء، قوله: “إن ملامح السلطة ظاهرة عليها بشكل مدهش”.
وأثبتت إليزابيث مهارتها في اللغات وقامت بدراسة معمقة في التاريخ الدستوري رغم تعليمها المنزلي.
في يناير/ كانون الثاني 1952، انطلقت إليزابيث، وكان عمرها آنذاك 25 عاماً، مع فيليب في جولة خارجية نيابة عن الملك. ورغم نصيحة الأطباء له، أصر الملك على توديعهما في المطار، فكانت تلك آخر مرة ترى فيه إليزابيث والدها.
تلقت إليزابيث نبأ وفاة والدها بينما كانت في كينيا، فعادت فوراً إلى لندن وهي ملكة جديدة. وقالت لاحقاً: “لم أمر بفترة تدريب إن صح التعبير. توفي أبي مبكراً فكان استلاماً سريعاً للمهام، وكان علي أن أقدم أحسن ما أستطيع”.
ثم جرى بث حلفة تتويجها في مايو/ أيار 1953 عبر التلفزيون رغم معارضة رئيس الوزراء ونستون تشرتشل. تجمهر الملايين أمام الشاشات، ومعظمهم لأول مرة، لمشاهدة الملكة إليزابيث الثانية وهي تؤدي القسم.
وخلال خمسينيات القرن الماضي، نالت المزيد من المستعمرات البريطانية استقلالها قبل أن تتكتل كلهاً طوعاً في عائلة أممية واحدة. ورأى كثير من السياسيين أن الكومنولث الجديد قادر على تشكيل قوة موازية للسوق الأوروبية المشتركة، ما جعل السياسة البريطانية تدير ظهرها نوعا ما للقارة العجوز.