شفق نيوز/ امتدت تأثيرات الاستيراد، لتؤثر
سلباً على إحدى المهن الأقدم تاريخياً في أغلب المجتمعات، وليس العراق فحسب،
وهي بيع الأقمشة، التي باتت تعاني من الانحسار بشكل كبير، في وقت كانت هذه المهنة
تحرك مهن أخرى معها، وهي البزاز "الخياطة" وبيع الإكسسوارات المرافقة
لها.
وتخلو أسواق بغداد الرئيسية اليوم من محال
الأقمشة، وخاصة الشورجة والكاظمية، فضلا عن غيابها بشكل ملحوظ في المناطق
الشعبية، بعد أن كانت كثيرة ومزدحمة، وتجاوزها محال الخياطة، لكن كل هذا لم يعد
يلقى رواجاً من المستهلك العراقي، بعد انتشار الملابس المستوردة من الصين وتركيا.
وتجول مراسل وكالة شفق نيوز، في سوق البزازين
في الشورجة وسط بغداد، لاستطلاع آراء الباعة والزبائن حول مجمل عمليات البيع
والشراء وتداول الأقمشة، وواقع المهنة الراهن.
ويقول البزاز محمد جاسم (37 عاماً)، وهو بائع
أقمشة بالجملة، إن "عملنا يعتمد في الغالب على الخياطين والخياطات الذين
يقصدوننا من مناطق مختلفة لشراء أكياس من الاقمشة، وبمعدل 10 اكياس ويحتوي كل كيس
على 20 قطعة قماش (قطعة قماش لا تتجاوز المترين والنصف، وهي قياس ثابت للدشداشة
النسائية)".
ويضيف لوكالة شفق نيوز، أن "الاقمشة من
نوع الكشمير الصينية والتركية والايطالية هي الأكثر مبيعاً من بين الاقمشة
الاخرى".
ويؤكد، أن "تزايد الطلب على قماش
الكشمير من قبل النساء كونه بارداً، لذا يفضل ارتدائه في فصل الصيف وتعتبر
الألوان الغامقة من قماش الكشمير مرغوبة أكثر من غيرها من قبل كبار السن، أما
الفتيات يفضلن قماش الكشمير ذو الألوان الفاتحة".
ويتابع، أن "معظم باعة الأقمشة في سوق
الشورجة يبيعون بالجملة فقط، وأغلب الزبائن هم من أصحاب محال الأقمشة الصغيرة
المتفرقة في أنحاء بغداد، بالإضافة إلى الخياطين والخياطات".
وبسبب تراجع هذه المهنة كثيرا عما كانت عليه،
ينتهز اصحاب محال بيع الأقمشة مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان عن بضاعتهم
وترويجها عبر بث مباشر في الفيسبوك والانستجرام وغيرها.
ويعرض جاسم خلال البث المباشر على موقع
"التوك توك" انواعاً من الأقمشة ويضع كل 20 قطعة قماش في كيس واحد،
وينوه إلى أن التوصيل مجاني، ليبيع بذلك أعداد من أكياس اقمشته خلال البث
المباشر.
بدوره، يوضح لطفي المصري، الذي يعمل في مجال
بيع الأقمشة بسوق الشورجة منذ 40 عاما، أنه "يعمل بمجال بيع الأقمشة
الرجال، ولديه زبائن محددين".
ويقول لطفي لوكالة شفق نيوز، إن "الشخص
المعتاد على الخياطة والفصال لا يستطيع شراء الملابس المستوردة، خاصة وأن هناك
قياسات للرجال لا تتوفر في الثياب المستوردة".
ومثل زميله جاسم، يقوم لطفي بعرض بضاعته في
مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الزبائن.
وبالقياس على الملابس المستوردة، لا يشكل
إنتاج المصانع العراقية سوى نسبة صغيرة فقط، ووفق احصائيات غرفة تجارة بغداد،
يستورد العراق ملابس بقيمة 500 مليون دولار سنوياً.
ويقول المتحدث باسم غرفة تجارة بغداد رشيد
السعدي، لوكالة شفق نيوز، إن "العراق يعد من بين الدول التي تستورد كميات
كبيرة من السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الأقمشة".
ويوضح، أنه "لا توجد حاليا إحصائيات
محددة حول كمية الأقمشة المستوردة من الخارج".
وليست كميات الملابس المستوردة وحدها من أسهمت
بتراجع هذه المهنة، فهناك ملابس "البالة"، أي المستعملة من الدول
الأوروبية أو بضاعة انتهى موديلها، وهذه غزت الاسواق وكانت سببا في انتكاسة مهنة
بيع الاقمشة.
ووفق بائع الأقمشة عبد الحسين قاسم (60
عاماً)، فقد "أنهى المستورد والبالة عمل البزازين في العراق، وأحيانا أجلس
في المحل عدة أيام بدون بيع".
ويبين قاسم، سبب إقبال المواطنين على شراء
الثياب المستوردة: "لأن أسعارها منخفضة، وثمة بسطات في سوق الشورجة لبيع
اقمشة صينية بسعر 5 الاف دينار فقط للقطعة الواحدة، فيما يبلغ سعر قطعة القماش من
النوع المتوسط في المحل 25 ألف دينار، يضاف لها سعر الخياطة التي تتراوح بين 25
ألف إلى 40 ألف دينار، لذا يلجأ الكثير إلى شراء الملابس المستوردة".
ويعرض هذا البائع انواعاً شتى من الاقمشة،
واغلبها الكشمير الهندي والصوف الإنجليزي والخام الياباني والصيني، إضافة الى
أنواع أخرى مختلفة.
وعلى الرغم من غزو الثياب "البالة"
والمستورد، تسجل سوق الأقمشة في الشورجة مبيعات جيدة في بعض المحال.
إذ يشير البائع مازن العلي (47 عاما)، إلى
أن "المبيعات داخل المحل جيدة جدا، وهي افضل كثيرا من البيع على مواقع
التواصل الاجتماعي".
ويضيف لوكالة شفق نيوز، أن "الهدف من
البث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي هو الإعلان والترويج عن انواع الاقمشة
الجديدة التي تصل، أما البيع عبر المواقع فهو زايد خير".
ويبدو أن النساء أكثر تبضعاً للأقمشة، فيما
لم نجد غير إقبال محدود على شراء الاقمشة الرجالية، وهو ما يجعل الخياطات أكثر
حضوراً في سوق الشورجة.
وتقول الخياطة، أفراح راجي (39 عاما)، إن
"النساء والفتيات يرغبن بخياطة الدشاديش (ثوب منزلي)، وأن نوع القماش
المناسب هو الكشمير لسهولته وبرودته".
وتؤكد أفراح لوكالة شفق نيوز، أن
"أسعار الاقمشة بمحال الشورجة مناسبة، إذ يتم بيع 20 قطعة من عدة ألوان من
قماش الكشمير، ويبلغ طول القطعة الواحدة 2.5 متر وعرضها 1.5 متر بسعر 75 ألف دينار، ويعني أن القطعة
الواحدة تباع بسعر 3750 دينارا، فيما أبيعها انا بعد الخياطة بـ7 آلاف دينار
إلى عشرة آلاف، وحسب ما يضاف لها من الدانتيلات والأشياء الجمالية".