شفق نيوز/ تتأرجح المنطقة بأكملها على شفير هاوية، حيث الطائرة المسيرة التي ضربت تل ابيب، وهي الاولى من نوعها من جانب اليمن، والهجوم الاسرائيلي على الحديدة، وهو الأول من نوعه من جانب حكومة بنيامين نتنياهو ضد جماعة انصار الله الحوثية، ليست سوى جزءا من مشهد التوتر المتفاقم إقليميا والقابل للانفجار.
اسرائيل تكابد منذ 10 شهور في أطول الحروب في تاريخها، ولم تتمكن حتى الآن من حسم حربها "الداخلية" على غزة، والتي بحسب القانونيين الدوليين، اصبحت بمثابة جريمة حرب، فيما يزداد التضييق الدولي على اسرائيل بما في ذلك قرار محكمة العدل الدولية قبل أيام حول عدم شرعية ممارسات اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة وضرورة إنهاء وجودها فيهما بما في ذلك الاستيطان ودفع تعويضات، وهو قرار وصفته صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية بانه خطير ويتجاوز اسوأ مخاوف اسرائيل.
ويجري ذلك في وقت تعيش الساحة السياسية الامريكية ما يشبه الانقلاب المربك، بعد الاعلان المباغت عن انسحاب الرئيس الامريكي جو بايدن من السباق الرئاسي لولاية ثانية في البيت الأبيض، في وقت تواجه واشنطن تحديات داخلية وإقليمية ودولية استثنائية، ليس اقلها، ترجيحات عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض عبر دونالد ترامب الناجي للتوه من محاولة اغتيال، و"الحرب الباردة" مع الصين، والاشتباك شبه المباشر مع روسيا في الحرب الاوكرانية، وتزايد تحول "حرب غزة" الى صراع اقليمي قد يصبح مفتوحا، فيما لو دخله بشكل اكبر حزب الله اللبناني وانصار الله الحوثيون و"فصائل المقاومة" العراقية.
ولم تنجح 10 شهور من "الوساطة" الامريكية في وقف "حرب غزة"، وتجد الولايات المتحدة نفسها منغمسة في وحول المنطقة وصراعاتها. ولم تحقق مهمتها عبر ما يسمى "حارس الازدهار" في البحر الأحمر، في منع اليمنيين من التعرض للسفن الاسرائيلية والتجارية المرتبطة باسرائيل. أما بايدن الذي كان يحاول في بداية العام 2023، الضغط على نتنياهو ومحاولة التخلص منه بسبب قضية اصلاحاتها القضائية في اسرائيل والتي أثارت ضده موجة عارمة من الاحتجاجات والتظاهرات، فان هو من سيخرج الان من البيت الأبيض، بينما سيحط نتنياهو برغم حربه الدموية في غزة والتي قوضت سمعة واشنطن عالميا، "ضيفا" مكرما في الكونجرس الامريكي ليلقي خطاب انتصاره السياسي على المجتمع الدولي.
المعادلة في المنطقة الآن أكبر من "الحديدة مقابل تل أبيب". العراق ايضا في قلب هذه الشرارات المتراكمة. وبحسب مراقبين، فان مستقبل الوجود الامريكي قد يعود ليصبح ملفا ملتهبا، برغم بدء جولة رابعة من جلسات الحوار الأمني المشترك بين العراق والولايات المتحدة في واشنطن، وذلك لمناقشة "مستقبل مهمة التحالف الدولي وتعزيز التعاون الأمني".
الأمين العام لحركة النجباء العراقية اكرم الكعبي وصف الهجوم الاسرائيلي على الميناء اليمني بانه "لن يترك من دون رد وعقاب من قبل أحرار العالم ومحور المقاومة، وأن وتيرة العمليات التي تشنها المقاومة الاسلامية في اليمن ولبنان والعراق، ستتوسع".
وبالاضافة الى ذلك، فان "حركة انصار الله الاوفياء" العراقية اعلنت لتوها من عودة استهداف القوات الامريكية في العراق، بعد الكشف عن هجوم بمسيرتين على قاعدة عين الاسد في الانبار، وذلك فيما يرى مراقبون أنه نهاية للتهدئة غير الرسمية القائمة في العراق منذ بداية شباط/ فبراير الماضي.
وذكرت الحركة أنها كانت أعطت 4 شهور كمهلة "لوقف عملياتها ضد الامريكان في العراق، من أجل إعطاء الضوء الأخضر للحكومة العراقية للتفاوض مع الإدارة الامريكية لإخراج قواتها المحتلة، لكن الاحتلال يماطل ويسوف في خروجه وفق المطالبات العراقية الحكومية والبرلمانية والشعبية".
كما يخشى مراقبون من ان معادلة "الحديدة مقابل تل ابيب" قد تستدرج دولا اخرى إلى الصراع، ويذكرن بهذا الاطار بالتهديد الذي اطلقه زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي قبل أسبوع ضد السعودية محذرا اياها من التورط في الحرب الامريكية-البريطانية ضده، وتلويح الجماعة باستهداف مواقع استراتيجية وعسكرية داخل السعودية نفسها. وسرعان ما أثيرت شبهات حول استفادة سلاح الجو الاسرائيلي من التسلل عبر الأجواء السعودية، او التنسيق مع الرياض، قبل توجيه الضربة الى المنشآت النفطية والكهربائية في الحديدة، فسارعت الرياض إلى إصدار سلسلة من بيانات النفي، ما يعكس مشاعر القلق داخل المملكة من امتداد نيران الحرب إليها.
"معهد دراسات الأمن القومي" الاسرائيلي يقول ان التدهور في الجبهة اليمنية، من شأنه أن "يؤثر بشكل غير مباشر على استقرار دول الخليج والمنطقة، بل يهدد احتمالات التطبيع مستقبلاً مع السعودية، ويهدد أيضاً قدرة إسرائيل على تجنيد المنطقة ضد الحوثيين. كما يحذر من أن استمرار هذه الحالة من شأنه أن يؤدي لإشعال نزاع إقليمي واسع، وتهديد اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية، خاصة أن الحوثيين تمدّدوا وحققوا تعاوناً ضد إسرائيل مع جهات عراقية. ولا يستبعد المعهد الإسرائيلي تنفيذ الحوثيين تهديدات باستهداف السعودية لتعاونها مع إسرائيل ضد "حماس".
ولم تنجح ادارة بايدن في حسن ادارة الصراع في غزة، بعدم التوصل الى وقف للحرب، ولم تنجح ايضا في احتواء شرارته، وهو ما يطرح تساؤلات حول مخاطر المرحلة المقبلة على الصعيد الإقليمي.
المعهد الاسرائيلي نفسه يقول انه رغم الجهود العسكرية الامريكية في منطقة الخليج، في الشهور الأخيرة ضمن محاولات واشنطن المساس بقدرات الحوثيين، وينبه إلى تجربة الحوثيين المتراكمة من الحرب ضد السعودية في اليمن، وإلى قدرتهم على التصنيع الذاتي للأسلحة بدعم إيراني، ما يفسر نجاحهم بمواصلة إطلاق النار باستمرار ضد إسرائيل وأهداف غربية.
تتخذ مخاطر "النيران اليمنية" بعدا أكثر إثارة للقلق. "وول ستريت جورنال" الأمريكية لفتت الى تحذيرات من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" من أن روسيا تحاول تقديم الدعم للحوثيين بصواريخ متطورة مضادة للسفن، وذلك كرد روسي على الدعم الامريكي المفتوح لأوكرانيا ومساعدتها على امتلاك القدرة على توجيه ضربات مؤذية في الداخل الروسي، بما في ذلك اسلحة امريكية اكثر تطورا.
وهناك تعثر واضح في الجهود الامريكية للاحتواء، ليس فقط كما يؤكد المعهد الاسرائيلي، بل ايضا ما كشف مؤخرا عن أن القيادة الوسطى الأمريكية في الشرق الأوسط وجهت رسالة سرية إلى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تحذر فيها من أن العمليات العسكرية الامريكية في المنطقة "فشلت" في ردع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وأن هناك حاجة إلى نهج أوسع.
بل ان زعيم الحوثيين، يكشف عن مرحلة جديدة في الصراع، ويعلن الان ان استهداف يافا بالمسيرة، هو يشكل "بداية المرحلة الخامسة" من التصعيد ومعادلة جديدة ستستمر، مضيفا أن "التهديد لم يكن متوقعا ولا مألوفا في الواقع الإسرائيلي من خارج فلسطين" حيث انها المرة الاولى التي تستهدف فيها تل أبيب من خارج فلسطين في إطار الحرب الحالية، مؤكدا أن "التهديد سيستمر ضد تل أبيب".
من جهتها، تلتقط طهران التي تعيش مرحلة انتقالية بين عهدين، مع مجيء الرئيس الاصلاحي مسعود بزشكيان الى الحكم، معاني هذه الشرارات الاقليمية التي كما يقول مراقبون، إن اشتعلت فإنها ستقوض الفرصة المتاحة للرهان الإقليمي والخارجي على "حقبة بزشكيان"، وقد يقوي ذلك شوكة الحرس الثوري الايراني في اعادة توجيه السياسات الايرانية الخارجية وتحديدا في التعامل مع تحديات حرب غزة.
قبل يومين، خرجت الخارجية الايرانية برسالة لافتة قالت فيها تعليقا على الهجوم على الحديدة، من ان الجمهورية الاسلامية تحذر من خطر زيادة التوتر وتوسيع نطاق الحرب في المنطقة نتيجة "المغامرات الإسرائيلية الخطيرة"ن مضيفة ان الهدوء لن يعود إلى المنطقة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في فلسطين، لا سيما قطاع غزة، وأن إسرائيل وداعميها خصوصا واشنطن، يتحملون العواقب الخطيرة للهجمات في اليمن.
من جهته، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السبت، أن استهداف محافظة الحديدة غرب اليمن هو "رد مباشر" على هجوم المسيرة الحوثية على تل أبيب قبل أيام، معتبرا هذا الاستهداف "رسالة لأعداء" إسرائيل.
في حين أكد حزب الله اللبناني اعتقاده بأن "الخطوة الحمقاء التي أقدم عليها العدو الصهيوني هي إيذان بمرحلة جديدة وخطيرة من المواجهة بالغة الأهمية على مستوى المنطقة برمتها".
وأضاف حزب الله: "نقف إلى جانب الشعب اليمني في الدفاع عن نفسه وسيادته وموقفه البطولي والتاريخي إلى جانب فلسطين، وأن العدوان الصهيوني على اليمن تأكيد للأهمية القصوى لجبهات الإسناد بالمنطقة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ولدينا الثقة الكاملة بأن القيادة اليمنية بما تمتلك من معرفة وشجاعة وقوة قادرة على اتخاذ الخطوات المناسبة والضرورية لِردع هذا العدو وحلفائه الاقليميين والدوليين".
اعداد: وكالة شفق نيوز