شفق نيوز/ تتفاقم أوضاع عوائل شريحة المغيبين والمختطفين في الانبار، والذين يبلغ عددهم نحو 9 آلاف شخص في عموم مدن المحافظة، إذ ترك أغلب المغيبين زوجات وأطفال بلا معيل.
وفيما يبقى ملف المغيبين معلقا للعام الرابع على التوالي، ازدادت آثاره الاجتماعية السلبية على المجتمع الأنباري عموما، وسط تذمر كبير من تأخر فتح المقابر الجماعية التي عُثر عليها مؤخرا في مناطق عدة قسم منه لم يدخلها تنظيم "داعش"، ضمن مساعي التعرف على هويات الضحايا فيها.
ولا يوجد توظيف قانوني لغاية الآن لأسر هؤلاء المختطفين، فعلى الرغم من تقديم ذويهم ما يثبت أنهم تم اقتيادهم من قبل فصائل مسلحة وقوات أمنية وبعضها وثق بالصور ومقاطع الفيديو، إذ لا يتم معاملة ذوي المغيبين على أنهم من أسر الشهداء من ضحايا الإرهاب أو ضحايا العمليات العسكرية، أو حتى من الأسر الفاقدة للمعيل التي تستحق مرتب الإعانة الاجتماعية، وهو ما خلف أوضاعا اقتصادية سيئة للغاية في تلك الأسر، خاصة التي فقدت أكثر من شخص، وهو ما دفع بالكثير من نساء وأطفال المغيبين للنزول إلى سوق العمل بمهن مختلفة لتدبير لقمة العيش، في وقت تتراجع القدرة الشرائية بالمحافظة عموما وتزايد نسب الفقر والبطالة فيها.
نساء ويتامى
إذ تقول خالدة حمادي (41 سنة) وهي زوجة احد المغيبين وامٌ لآخر، "كنا قد تمكنا من الهروب من داعش عندما كان يسيطر على المنطقة، وعند وصولنا إلى مكان تواجد القوات الأمنية العراقية، أخذوا زوجي للتحقيق، وقالوا بأنهم سيعيدونه لنا بعد ساعات قليلة، وانتم اذهبوا حيث أردتم، ثم اصطحبت أطفالي الخمسة وذهبنا متجهين إلى بغداد، وكانت هذه آخر مرة أرى زوجي بها، وطوال سنوات التهجير كانوا اهلي يساعدوني على توفير لقمة العيش لأطفالي، لكن لم يعد بإمكانهم مساعدتي فقررت العمل وإكمال مسيرة أطفالي الذين لم أعد أعلم إن كانوا يتامى أم لا".
واستطردت السيدة خالدة في قولها لوكالة شفق نيوز، "بدأت العمل بمهنة بناء تنانير الطين، وخلال الشهر اصنع قرابة العشرة تنانير، وكل واحد لا يتجاوز سعره العشرون الف دينار، وهذا ما أطعم به عائلتي، حتى أنني اضطررت إلى دفع ابنتي الكبرى لترك المدرسة، بسبب عدم تمكني من توفير احتياجاتها المدرسية".
وأما ندى صالح (38 سنة) وهي أيضا زوجة أحد المغيبين، فتقول لوكالة شفق نيوز؛ إن "آخر مرة رأيت بها زوجي كانت وقت عمليات التحرير، حيث كنا مختبئين في المنزل من الخوف بسبب القذائف وإطلاق النار الكثيف، وفجأة داهموا منزلنا أشخاص يرتدون زي يشبه العسكري، اخذوني وأطفالي عند إحدى مخيمات النزوح، وأما زوجي فقالوا سيتبعكم لاحقا، وإلى يومنا هذا لا نعلم مصيره، وكان لدي طفلين وانا حامل بالثالث، وبعد ولادتي في المخيم، بدأت العمل بصناعة اللبن (الخاثر) كي أعيل عائلتي، لحين عودة والدهم، هذا إن كان على قيد الحياة".
رب البيت طفل!
وبين ازقة سوق الفلوجة القديم، يعمل يوسف شاكر (13 سنة) على عربة لإيصال اغراض المتبضعين إلى عجلاتهم، لإعالة إخوته الثلاثة وأمه التي أصيبت بشلل رباعي إثر شظايا انفجار مخلفات داعش، الذي وقع بالقرب منها أولى أيام ما بعد انتهاء الحرب.
ويتحدث الصبي يوسف لوكالة شفق نيوز؛ قائلاً "الحمد لله أنني تمكنت من إتقان القراءة والكتابة قبل أن أترك المدرسة، لا يمكنني الدراسة والعمل في آن واحد، وغياب والدي وإصابة أمي جعلتا مني رجل البيت الأول، الذي عليه توفير الطعام والشراب والعلاج وكافة احتياجات المنزل".
وعند سؤال مراسل شفق نيوز ليوسف عن حلمه، أجاب "لدي حلمين، الأول؛ هو معرفة مصير والدي، ان كان قد قتل ليخبروني كي لا أبقى متأملا عودته، وأن كان على قيد الحياة فأنا بحاجته واتمنى عودته، أما الثاني؛ فهو أن يتم علاج والدتي لتعود إلى ما كانت عليه، وهذه هي جل احلامي التي كنت أتصور بأنها حقوق وعلى الحكومة توفيرها، مثلما كانوا يخبروننا في الكتب المدرسية".
مدينة بلا رجال
من جهته؛ يقول مدير ناحية الصقلاوية سعد غازي، إن "أعداد المغيبين من أبناء الناحية بلغ أكثر من 745 شخص، وجميعهم فقدوا أثناء العمليات العسكرية التي شهدتها الانبار عام 2016 لتحريرها من تنظيم داعش، وغالبيتهم قد تركوا ورائهم نساءً وأطفالا من دون معيل سوى الله وبعض الخيرين".
ويضيف غازي وهو مسؤول عن مدينة تكاد أن تخلو من الرجال؛ أن "دعم الحكومة المركزية وحتى المحلية لعوائل المغيبين خجول جدا ولولا المنظمات الإنسانية والاغاثية لهلكت هذه العوائل جوعاً، لكن أيضا دعم المنظمات لا يسد رمق هذه العوائل، مما دفع نساء المغيبين إلى العمل بالفلاحة وتربية الأغنام والدواجن، وغالبية هذه النساء بدأت العمل بالخبز والطبخ للجيران مقابل مبلغ زهيد، أما الأطفال فقد أصبحوا يجولون الشوارع والتقاطعات لبيع الشاي والمناديل الورقية والسكائر، وغالبيتهم تركوا الدراسة لهذا السبب".
ويشير غازي إلى أن "الحكومة المحلية بالتعاون مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قاموا بتسجيل غالبية هذه العوائل ضمن الرعاية الاجتماعية، وتوفير عقود وأجور الكهرباء لشبابها، لكن لم يتم صرف سوى شهرين او ثلاثة من رواتبهم ثم توقفت بسبب الأزمة المالية التي مر بها البلد، ومن ضمها عدم إقرار الموازنة".