شفق نيوز/ لم تعد لعبة المحيبس الرمضانية حكراً على الرجال فقط، وإنما من حق النساء المشاركة بهذه اللعبة التراثية الأكثر شعبية في العراق.
حيث نظمت مجموعة من النساء والفتيات في تجربة فريدة من نوعها لعبة محيبس نسوية في المتحف البغدادي من اللواتي أحببن خوض هذه التجربة.
وتُبدي النساء في العراق خلال السنوات الأخيرة اهتماماً بالغاً بمختلف النشاطات والرياضات والأعمال بغض النظر عن صعوباتها أو مخاطرها غير آبهات بتعليقات الرجال، وآخرها انخراطهن بلعبة المحيبس.
والمحيبس (إخفاء الخاتم) هي لعبة شعبية عراقية تراثية تلعب في شهر رمضان خصوصاً، وتثير اللعبة الحماسة والتشويق لدى الحاضرين بسبب ما تشهده من طقوس خاصة، كما أنها تجمع شرائح المجتمع المختلفة، وتقوي أواصر النسيج الاجتماعي بين المحافظات على اختلاف مذاهبها وأديانها.
وعادة ما تبدأ طقوس تلك اللعبة بعد وقت الإفطار، أو صلاة التراويح، حيث يتوجه الرجال قاصدين المقاهي الشعبية، للسمر، أو ما يسمونه محلياً "تعلولة"، حيث تبدأ هناك المباراة التي يترقبها الجميع.
وأصل كلمة محيبس هي تصغير لكلمة "محبس"، التي تعني الخاتم الذي يتم البحث عنه من خلال اللعبة، ولهذه اللعبة اسم آخر وهو "بات" ويعني "مبيت المحبس في أيدي اللاعبين"، ويقال: "يلعبون بات".
وتتلخص فكرة اللعبة في تنافس فريقين على الاحتفاظ بالمحبس أو "الخاتم" وغالباً يكون من فضة أو ذهب، والفائز هو الفريق الذي يسجل أعلى عدد من النقاط.
ويحصل الفريق الفائز دائماً على أطباق كبيرة من الحلويات الشعبية مثل "الزلابية" و"البقلاوة" وسط هتافات وتشجيع الحاضرين.
ولكسر احتكار الرجال لهذه اللعبة، شاركن مجموعة من النساء في أمسية رمضانية ووسط أجواء من الموسيقى الشعبية والأغاني التراثية، بمسابقة للعبة "المحيبس" على قاعة قصة خون بالمتحف البغدادي يوم الجمعة الماضي.
حيث أقام فريق "نخلة وطن" النسوي للدراجات الهوائية مع تجمع تمكين المرأة، لعبة محيبس نسوية تحت شعار (نساء تحيي التراث)، شاركت فيه مجموعة من النساء والفتيات اللواتي أحببن خوض التجربة.
وتقول منظمة لعبة المحيبس، رئيسة فريق نخلة وطن للدراجات الهوائية النسوية، سعاد حسن الجوهري، إن "الفكرة جاءت بما أن الفريق لا يستطيع ممارسة ركوب الدراجة الهوائية في شهر رمضان كونها تزيد من العطش والجوع، تقرر إحياء لعبة المحيبس التي يحتكرها الرجال، لذا جاءت فكرة لعبة المحيبس بدل ركوب الدراجة الهوائية في رمضان".
وتضيف الجوهري لوكالة شفق نيوز، "بعدها تم الاتصال بتجمع تمكين المرأة ووافقوا على هذه الفكرة، كما تم الاتفاق على ارتداء الجلابيات والزي البغدادي كونها مريحة وتعد من الأزياء التقليدية للشهر المبارك، ولتجنب الانتقادات الرجالية في حال التجمع بمكان عام أو مقهى، تم الاتفاق على قاعة قصة خون في المتحف البغدادي".
وتوضح، أن "أعمار المشاركات تراوحت ما بين 13 عاماً إلى أكثر من 60 عاماً، وتم تحضير جوائز رمزية لتشجيع الفتيات على المشاركة في هذه اللعبة".
وتنوّه، "لكن المشكلة هي في أجور المتحف التابع لأمانة بغداد، لذا ندعوها لتوفير المكان مجاناً لأحياء هذه اللعبة التراثية، وبالوقت نفسه يكون نشاط ترفيهي للمرأة في شهر رمضان، وكذلك ندعو أمانة بغداد لتوفير الچالغي البغدادي، إذ ان تأجيره يكلف 400 ألف دينار، وهذا مبلغ يفوق قدرة المشاركات".
من جهتها، تقول رئيسة تجمع تمكين المرأة، الذي شارك بلعبة المحيبس مع فريق نخلة وطن، سلامة المعموري، إن "هذه اللعبة من التراث البغدادي وكان يلعبها الرجال فقط، وأرادت النساء إحياء هذا التراث البغدادي الأصيل".
وأكدت المعموري خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "هناك طموح مع فريق نخلة وطن لتطوير لعبة المحيبس النسائية لتكون بين المناطق وحتى بين المحافظات كما عند الرجال".
بدورها، تقول مشاركة في التجمع تدعى محدثة الجهاري (15 عاماً) وهي طالبة في مدرسة الموسيقى والباليه وعازفة كمان وعضوة في فريق نخلة، إن "أجواء لعبة المحيبس في المتحف البغدادي كانت جميلة خاصة وأنها كانت في مكان تراثي".
وتشير الجهاري في حديث لوكالة شفق نيوز، إلى أنها عزفت الموسيقى الشعبية على آلة الكمان لتحلية الأمسية كما تفاعلت المشاركات مع الموسيقى التي زادت من جمالية أجواء اللعبة.
وخلال العقود الماضية، أصبح لهذه اللعبة رجالها المشهورين بها، ممن عُرفوا بالفراسة، والنظرة الحادة، والقدرة على التقاط الخاتم، من بين مئات الأيدي، حيث يحاول أصحابها التمويه، والتلاعب، واستخدام الحيل النفسية، وإظهار التوتر، لإيهام الخصم بامتلاكهم الخاتم.
وفي السنوات الأخيرة برز لاعبون جدد، لكنهم لم يتمكنوا من مزاحمة جاسم الأسود الذي بقي النجم الأول في لعبة المحيبس في العراق بسبب فراسته الكبيرة في تشخيص مكان المحبس.
ويُرجع بعضهم تاريخ تلك اللعبة إلى مجلس أحد الخلفاء العباسيين، إذ يُحكى أنها ظهرت بعد إخفاء أحد جلسائه لخاتم الخلافة، وبدأ بتخمين مكان وجوده، فانتشر الخبر وراق الأمر للكثيرين، فلعبوها ومن ثم انتشرت خارج القصر ببغداد.