شفق نيوز/ "مَنْ أمِن العقوبة.. أساء الأدب"، بهذه الكلمات علقت أخصائية الصحة النفسية، الدكتورة هبة الشموسي، على انتشار ظاهرة "المحتوى الهابط" في البلاد، معتبرة ما يحدث "حرباً فكرية" لاستهداف المجتمع ودفعه نحو الهاوية.
وكانت وزارة الداخلية العراقية أعلنت في كانون الثاني/يناير الماضي، عن تشكيل لجنة متخصصة لمحاربة "المحتوى الهابط" الذي "يخالف الأخلاق والتقاليد" في مجتمع لا يزال محافظاً إلى حد كبير.
وعدت الوزارة في شريط فيديو ترويجي للحملة أن "هذا المحتوى لا يقلّ خطورة عن الجريمة المنظمة لأنه سبب من أسباب تخريب الأسرة العراقية والمجتمع".
وفي آخر ملاحقات "المحتوى الهابط" في العراق، أصدرت محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النشر والاعلام، الثلاثاء الماضي، أمر قبض وتفتيش بحق الفنانة (جوانا الاصيل) بتهمة المحتوى الهابط.
ووجهت المحكمة وفقا لقرار الحكم الصادر عنها، أعضاء الضبط القضائي، وأفراد الشرطة، بأنهم "مأذونون" بالقبض على المتهمة "ياسمين محمد حسين ساجت العامري" الملقبة بـ"جوانا الأصيل" وفقا لشكوى الإدعاء العام لقيام المتهمة بنشر محتوى فاضح مخل بالحياء.
ومنذ شهر شباط/ فبراير من العام 2023، تشن وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى حملة لملاحقة من اتهمتهم بنشر "محتوى هابط" في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى إثر ذلك صدرت مذكرات قبض وأحكاماً بالحبس بحق عدة أشخاص.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية، في الشهر ذاته، تلقيها 96 ألف إخبار عن "المحتويات الهابطة" عبر منصة "بلّغ" التي أطلقتها على موقعها الرسمي، فيما توعدت أي ضابط يثبت علاقته بناشري "المحتوى الهابط والبلوغرات" بإجراءات قانونية.
جدل ومخاوف
وتنتشر في الآونة الأخيرة بث مقاطع فيديو لمشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي يُقدّمون فيها محتوى هابطاً لا ينسجم مع الثقافة العامة والعادات والتقاليد المجتمعية، وفقا لما رصده ناشطون ومتابعون للشأن الاجتماعي.
لكن في المقابل، يحذّر الناشطون من أن تتحول الحملة إلى مشروع لتكميم الأفواه يهدد حرية التعبير، بحجّة المحتوى "الهابط" الذي لم توضع له معايير محددة، متسائلين عن آليات ومعايير تحديد المحتوى الهابط من الإيجابي، والتي هي وفقهم "فضفاضة" ولا تخضع لنصوص قانونية صريحة وملزمة.
ولطالما أثارت العبارات "المطاطة" التي تستخدم في القوانين المعنية بحرية التعبير حفيظة الناشطين والصحافيين في البلاد، إذ يرون أن عبارة "النظام العام" غير الخاضعة لتعريف محدد من قبل السلطات مثلت مساحة كبرى لتقويض حرية التعبير والتظاهر السلمي في البلاد.
دور التكنولوجيا
تحظى منصتا "يوتيوب" و"تيك توك" برواج في أوساط صانعي المحتوى في العراق، فيما يبلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي خلال عام 2022، 28 مليون مستخدم نشط في عموم البلاد.
وفي هذا السياق، تشير أخصائية الصحة النفسية، الدكتورة هبة الشموسي، إلى أن "المجتمع العراقي كان موجهاً فكرياً وعقائدياً وسياسياً لجهة واحدة قبل عام 2003، لذلك لم يكن هناك شيء يطلق عليه بـ(المحتوى الهابط)".
وتضيف الشموسي لوكالة شفق نيوز، "لكن بعد الحرب، دخلت التكنولوجيا بصورة مفاجئة وسريعة إلى المجتمع العراقي على خلاف ما حصل في المجتمعات الأخرى العربية والغربية التي كانت تدخل إليهم بشكل تدريجي، ما أثر سلباً على شخصية الفرد العراقي".
وتوضح أخصائية الصحة النفسية، أن "أكثر فئة تأثرت بسوء استخدام التكنولوجيا هم الشباب الذين وعوا على حروب متنوعة، (فكرية، وتكنولوجية، وسياسية)، لذلك أصبح لديهم تذبذب في الشخصية بين العادات والقيم السابقة والأخرى التي يكتسبها من مواقع التواصل الاجتماعي".
ما يتطلب، وفق الشموسي، "توحيد الجهود وإطلاق حملة للحد من انتشار ظاهرة المحتويات الهابطة في المجتمع التي تنذر بتشكيل جيل يتجه نحو الهاوية".
وتتفق الناشطة، سكينة حيدر، مع ما ذهبت إليه، هبة الشموسي، حول ضرورة الحد من انتشار المحتويات الهابطة، مُحمّلة "وزارة الاتصالات مسؤولية مراقبة وسائل التواصل وحجب المواقع التي تقدم هذه المحتويات".
وتشير حيدر خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الأطفال معرّضون لخطر التقليد السيء لما يشاهدون من هذه المحتويات، في ظل صعوبة سيطرة الأهالي ومراقبة أجهزة أطفالهم على مدار اليوم".
انقسام مجتمعي
بدوره، يرى رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية، هادي جلو مرعي، أن "المزاج العام في العالم تغير، فما يراه البعض محتوى هابطاً عند آخرين خلاف ذلك، كما هو الحال مع العديد من القضايا الإنسانية الأخرى المختلف عليها".
ويضيف مرعي لوكالة شفق نيوز، أن "نظرة المجتمع تتغير وتختلف من جيل لآخر، فضلاً عن تأثير الثقافة الوافدة وما يُشاهد في مواقع التواصل من مشاهد ينقسم المجتمع في تصنيفها لكنها بالنتيجة تلقى رواجاً واهتماماً من ملايين".
ويتابع: "بل أن بعض الأشخاص ينشرون محتويات مُنحطّة وغير أخلاقية تتعدى الألفاظ النابية، لكن لديهم متابعين بالملايين ويتفاعلون معهم، ما يدل على أن المزاج تغير، وبدأ المجتمع يتقبل ثقافة التفاهة، ما يهدد بنية المجتمعات الإنسانية".
تشديد العقوبة
من جهته، يقول الخبير القانوني، حيدر الصوفي، إن "عقوبة المحتوى الهابط في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 غالباً ما تكون عدة أشهر، وهذه عقوبة قليلة لا تتناسب مع جسامة الفعل الهابط ودخوله إلى كل بيت ومشاهدته من أفراد العائلة كافة وخصوصاً الأطفال والبنات".
ويرى الصوفي في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "هذه العقوبة الخفيفة قد تساعد في نشر المحتوى الهابط وعدم ايقاف ارتكاب هذه الجريمة، لا سيما وأن هذه العقوبة عندما تقترن بالظروف المخففة لها في حال كان المتهم/ة في مقتبل العمر، أو ارتكب الجريمة لأول مرة، أو بدا نادماً، فهذه الظروف تُخفف العقوبة إلى عدة أيام بدل الأشهر".
ويتابع، "لذلك يرى خبراء القانون، ضرورة تعديل العقوبة من الحبس عدة أشهر إلى الحبس عدة سنوات، وفي الظروف المشددة قد تصل إلى السجن 15 سنة، أي رفع مستوى هذه الجريمة من جنح إلى جنايات"، مؤكداً أن "أفضل رادع لإيقاف جرائم المحتوى الهابط هو بتشديد هذه العقوبة".