شفق نيوز/ سلط موقع "ذا وورلد" الامريكي الضوء على المخاطر التي يمثلها تلاشي اشجار النخيل في العراق على الحياة البيئية، فيما يجري اقتلاعها من اجل الافساح في المجال امام التمدد العمراني، حيث تراجعت أعدادها من 30 مليون نخلة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، الى اقل من 9 ملايين في العام 2009.
واوضح التقرير الامريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان "عقودا من الصراع وسوء الادارة وتأثيرات التغيير المناخي، اثرت على اشجار النخيل المميزة في العراق".
وتناول التقرير تجربة اياد محمد علي الذي كان يقف عند اطراف مزرعته في يوم ربيعي مشرق، في مواجهة صف من عشرات مواقع البناء الجديدة القريبة، فيما كان النهر يفصل بين مزرعته وبين المباني.
ونقل التقرير عن محمد علي قوله، إنه "من المؤلم حقا مشاهدة ذلك"، مضيفا انه في العراق "لا يحبون البناء عموديا، والان ترى كل هذه الاراضي تتحول الى مبان".
وبحسب التقرير، فان محمد علي قام بزراعة نخيل التمر والخضراوات في مزرعته طوال العقود الثلاثة الماضية، وهو يعتبر ان قطعة الارض الخضراء بمثابة ملاذه الذي يأتي اليه هربا من الضوضاء والتلوث في بغداد التي يقطنها حوالي 8 ملايين نسمة.
واشار التقرير الى، انه كان لدى العراق في اوائل الثمانينيات نحو 30 مليون نخلة، ما جعله من بين اكبر منتجي التمور في العالم، الا ان الحروب ونشاطات البناء والتغيير المناخي، كان لها تأثير سلبي، فبحلول العام 2009، كان هناك اقل من 9 ملايين نخلة متبقية في العراق.
ونقل التقرير عن استاذة علم الانثروبولوجيا في جامعة بوردو كالي الربيعي، التي اجرت ابحاثا حول الاثار البيئية للحرب في العراق، قولها مشيرة الى الاشجار انها "مثل شعر الصحراء العراقية ونحن نشاهد المشهد العراقي يتحول الى الصلع في ظل ضغوط الحرب".
ولفت التقرير الى انه في اطار ابحاثها، اجرت الربيعي مقابلات مع مزارعي التمر الذين نزحوا بعد الغزو الامريكي للعراق في العام 2003، وقالت ان الافتقار الى زراعة التمر يروي قصة ما يجري من خسارة في اشجار النخيل.
واشار التقرير الى ان اشجار النخيل بحاجة الى رعاية مستمرة، من خلال الري والتقليم والتسميد، ولهذا فانه عندما اضطر المزارعون الى المغادرة، تضررت الاشجار.
ونقل عن الربيعي قولها ان "العديد من الناس يضطرون الى بيع اراضيهم مقابل تكلفة زهيدة للغاية، وفي احيان كثيرة، وجد المزارعون انفسهم يعملون في ارض كانوا يمتلكونها".
وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير بان العراق اصبح يعاني بشكل اكبر من ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، وانه وفقا للامم المتحدة، فانه خامس اكثر بلد في العالم معرض لتاثيرات التغيير المناخي.
ونقل عن الربيعي قولها انه "عندما تقود سيارتك في الجزء الجنوبي من بغداد، سيكون بمقدورك مشاهدة الكثير من الاشجار التي تبدو وكانها مقطوعة الراس ، لانه في بعض الاحيان عندما تموت الاشجار تنطوي على جانبها، واحيانا يتم قطعهم من القمة".
ومما زاد من الطين بلة، بحسب التقرير الامريكي، وجود طفرة في البناء في العراق، خصوصا في المدن الكبرى مثل بغداد، وهو ما يعني ان المزيد من المزارعين يختارون قطع اشجار النخيل بالكامل لافساح المجال امام اقامة مشاريع البناء.
ونقل التقرير عن لبيب فاتح كاشف الغطاء، وهو المدير التنفيذي لشركة "نخلة"، قوله ان "المزارع تواجه مشكلة، حيث انه لا تتوفر المياه ولا يتوفر المدخول المادي من هذه المزرعة، لهذا يتم قطع اشجار النخيل واقامة مباني بدلا منها، ويتم تحقيق ارباح افضل".
وفي هذا السياق، اشار التقرير الى ان لبيب فاتح كاشف الغطاء، قام مع عدد قليل من اصدقائه، بطرح فكرة للمساهمة في محاولة معالجة هذه المشكلة من خلال شركة "نخلة"، حيث تستند الفكرة على انه بمقدور اصحاب المنازل الذين لديهم اشجار نخيل على اراضيهم توقيع عقد مع "نخلة" التي تقوم بالاعتناء باشجارهم بالاشجار.
ولفت لبيب فاتح كاشف الغطاء الى ان الناس في كثير من الاحيان يعمدون الى قطع الاشجار لان العناية بها تتطلب الكثير من الجهد. واوضح قائلا ان "اشجار النخيل بالنسبة اليهم، هي مشروع منهك للغاية. فهم بحاجة الى الاعتناء بها اربع مرات في السنة".
كما اشار التقرير الى ان "نخلة" تعمل على توسيع قاعدة عملائها ووقعت مؤخرا عقدا مع بلدية بغداد للعناية باشجار النخيل في العاصمة. وبحسب المدير التنفيذي فانه كان للشركة في العام الماضي 300 نخلة للعناية بها في المنازل، و1000 نخلة في المزارع، وفي الشوارع 6 الاف نخلة.
الا ان عالم الاحياء اياد وجيه الشهواني اعتبر انه من اجل اعادة اشجار النخيل في العراق، فان هناك الكثير مما يتحتم القيام به، موضحا ان المشاريع الخاصة مثل "نخلة" وغيرها تعتبر جيدة، الا انها بحاجة الى مزيد من الدعم من الحكومة والمنظمات الدولية.
لكن بحسب الربيعي، فانها تعتبر ان العديد من العراقيين يقدرون قيمة المساعدة في انقاذ اشجار النخيل الشهيرة في بلادهم، مضيفة ان الناس عنيدون ولن يتوقفوا، وهم يجدون أساليب شعبية مختلفة للحفاظ على اشجارهم وايضا للحفاظ على اقتصاد التمور، مشيرة الى ان النخيل العراقي نبات مقاوم بشكل لا يصدق، وبامكانها تحمل جميع انواع الاجهاد البيئي، مثل العواصف والرياح والجفاف، الا انها بحاجة الى القليل من المساعدة لكي تزدهر.