من مدينة إلى أخرى بين هضبات وجبال إقليم كوردستان العراق، يبحث فريق تطوعي يطلق على نفسه "المانحون في سبيل الله" عن المتسولين والمشردين والمصابين بأمراض عقلية وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن؛ لإسعافهم وتقديم الخدمات النفسية والصحية لهم.
ورغم وجود دور للمسنين والأيتام في الإقليم، فإن العشرات من المشردين والمرضى العقليين وذوي الاحتياجات الخاصة يفترشون شوارع المدن، ويتنقلون بين أزقتها وأحيائها بشعر كث وأجساد متسخة وملابس ممزقة، من دون أن يكون لهم مكان مخصص لاحتوائهم وإنقاذهم من الضياع والتشرّد.
بدأ فريق "المانحون في سبيل الله" أنشطته منذ سنوات، إلا أنه توسع وازداد وتحوّل من الفضاء الضيق إلى الأوسع بالانتقال والبحث بين جميع مدن الإقليم عن المشردين والمحتاجين لتقديم الخدمات لهم، بعد أن كان البحث مقتصرا على مدينة السليمانية فقط. بحسب تقرير للجزيرة
العناية بالمحرومين
يقوم الفريق -الذي يرأسه عثمان عبد الله، وهو شاب كوردي من أطراف مدينة السليمانية- بجمع المشردين والفئات المحرومة الأخرى وحلق رؤوسهم ولحاهم وتقليم أظافرهم ومنحهم ملابس جديدة.
مناظر مروعة وتفاصيل وجه قاسية ومخيفة تفطر القلب يظهر بها المشردون في شوارع وأزقة الإقليم، مع احتمالية نقلهم لأمراض خطيرة كونهم يحملون في ملابسهم وأجسادهم الجراثيم، فضلا عن الجروح الظاهرة في أجسادهم من دون معالجتها.
عدم إيلاء الرعاية الكافية من الجهات المسؤولة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان في الإقليم لهذه الفئات دفع أعضاء الفريق لإطلاق هذه المبادرة لمساعدتهم، لا سيما المشردين منهم مع ازدياد أعدادهم يوما بعد آخر، تزامنا مع استقبال كوردستان العراق آلاف النازحين من داخل البلاد وخارجها.
ويطمح فريق "المانحون في سبيل الله" إلى توسيع الفكرة ونقلها إلى المحافظات العراقية الأخرى لزيادة الوعي لدى المجتمع بضرورة الاهتمام بالشرائح المهشمة، وإعطائهم حقوقهم المشروعة، ومنها الحصول على الخدمات الصحية والنفسية.
ويجمع الفريق التطوعي احتياجاته ولوازمه من الملابس وأدوات الحلاقة من تبرعات المواطنين، إلا أنه لا يملك حتى الآن أي مكان أو مقرٍ خاص به، ويكون مأواهم المساجد عند سفرهم إلى مدينة أو منطقة بعيدة.
وتنقسم مهنة أفراد الفريق بين أعمال بدنية شاقة وبين الدراسة، وتزداد أعدادهم يوما بعد آخر ليصل إلى العشرات، وهم يتنقلون من محافظة إلى أخرى على مدار الأسبوع.
وترى كولستان سعيد -نائب رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والدفاع عن حقوق الإنسان في برلمان الإقليم- أن ما يقوم به "المانحون في سبيل الله" مرتبط إلى حد ما بالمعتقدات الدينية والفكرية أكثر من العمل المؤسساتي أو المنظماتي، داعيةً الفريق إلى تقديم طلب لبرلمان كردستان العراق للحصول على دعم، والاستفادة من أنشطتهم وتوسعتها أكثر.
رفض الظهور
ونادرا ما يظهر "المانحون في سبيل الله" للتحدث لوسائل الإعلام عن أنشطتهم، ويصفون ما يقومون به "بالعمل التطوعي الخيري في سبيل الله".
ويقول الصحفي والناشط المدني هوكر كمال إن مبادرة هذا الفريق التطوعي تؤكد علو القيمة الإنسانية في المجتمع الكوردي، لا سيما في ظل ازدياد أعداد المشردين والمختلين عقليا يوما بعد آخر.
ودعا كمال الجهات المعنية في الإقليم إلى تخصيص مركز لجمع هؤلاء المشردين، وتقديم الخدمات الصحية والنفسية والإنسانية لهم ولذوي الاحتياجات الخاصة لإنقاذ هذه الفئة من الأضرار النفسية والجسدية التي يتعرضون لها.