شفق نيوز/ أكثر من عقد مضى على الانتفاضات العربية عام 2011، وما تزال منطقة الشرق الأوسط تواجه مستويات غير مسبوقة من النزوح واللجوء، في ظل الأزمات الأمنية والاقتصادية الراهنة التي طالت معظم الدول ومنها العراق.
ومع بداية ما يسمى بالربيع العربي، عادت الهجرة إلى المنطقة، إذ لجأ ملايين السوريين والعرب إلى العراق ولبنان والأردن وتركيا، وقد شكّلت هذه الموجة الجديدة من الهجرة أعباءً إضافية على هذه البلدان.
وتظهر بيانات البنك الدولي أن "هناك أكثر من تسعة ملايين لاجئ من المناطق العربية، منهم أكثر من مليونين من الضفة الغربية وغزة، وأكثر من ثلاثة ملايين في الأردن، وأكثر من ستة ملايين من سوريا، وفي لبنان، واحد من كل خمسة أشخاص هو لاجئ".
وما يزال ملايين العراقيين والسوريين واليمنيين أيضاً يعانون من نزوح داخلي، حيث يواجه 2.6 من أصل 4 ملايين يمني مشكلة النزوح الداخلي وهم يعانون نقصًا في الغذاء قد يهدد حياتهم.
نزوح مركب
ما يزال العراق يستضيف أكثر من مليون نازح داخليًّا، بالإضافة إلى ما يقرب من خمسة ملايين من النازحين العائدين، ويقيم 1.5 مليون نازح عراقي ولاجئ سوري في إقليم كردستان العراق، حيث نزح 25% من السكان"، وفق دراسة مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
وفي عام 2021، اتخذت الحكومة العراقية خطوات لمعالجة مشكلة النازحين داخليًّا من خلال خطتها الوطنية لإنهاء النزوح، لكن إغلاق المخيمات في جميع أنحاء البلاد أدّى إلى ترك العديد من الأفراد والأسر البلاد، فصعوبة التعامل مع العقبات الإدارية منعتهم من الوصول بشكل صحيح إلى الخدمات الحكومية واستحقاقات الرعاية الاجتماعية، وفق المؤسسة.
قنبلة موقوتة
وفي غزة، أشار الباحث والخبير الدولي، مصطفى النعيمي، إلى أن "ملف اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة هو ملف دولي، وليس ملفًا محليًّا، ورغم مرور أكثر من 70 عامًا على تهجيرهم، لم يتخذ المجتمع الدولي أي قرار حاسم بشأن مستقبلهم".
وأضاف النعيمي، أن "عدد سكان قطاع غزة يبلغ نحو مليوني شخص، وهو رقم كبير يُشكّل تحديًا كبيرًا أمام المجتمع الدولي لتوفير الحلول لهم".
ورغم المخاوف الدولية من تهجير الفلسطينيين من غزة، يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بقاءهم على أراضيهم، لذلك، فإن المجتمع الدولي يجب أن يُجبر إسرائيل على اتخاذ إجراءات لتهدئة الوضع في غزة، بحسب الخبير.
وأكد النعيمي أن "الدول العربية ما تزال متمسكةً بمشروع حل الدولتين، حيث أعرب مسؤولون في مصر والأردن والسعودية عن رفضهم حملات التوطين خارج القطاع".
ملف معقد وشائك
ورأى الخبير اللبناني، الدكتور خالد زعرور، أن "ملف اللجوء في لبنان هو ملف معقد وشائك، لصعوبة تحديد الحجم الحقيقي للاجئين، والتداعيات التي يسببونها"، مضيفاً أن "عدد اللاجئين لا يمكن حصره لأسباب عديدة، منها تداخل الأنساب، وعدم تسجيل المواليد الجدد لدى الجهات الرسمية، والدخول إلى لبنان بطرق غير شرعية، ونتيجة لذلك، فإن الإحصاءات الرسمية المعلن عنها غير دقيقة".
ويستضيف لبنان رسميًّا نحو 850 ألف لاجئ سوري مسجل، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 650 ألف سوري غير مسجل، وهناك ما يقارب 250 ألف عامل منزلي مهاجر في البلاد ونحو 210 آلاف فلسطيني، مسجلون لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وهذه المشكلة لها تداعيات كثيرة في لبنان، خاصةً بعد الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد منذ العام 2019، فمع ازدياد عدد اللاجئين، يُشكّلون ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية والاقتصاد اللبناني، بحسب الدكتور خالد زعرور.
وأدّى انخفاض قيمة العملة اللبنانية بأكثر من 90 بالمئة وجائحة كوفيد-19 إلى معدلات فقر غير مسبوقة، ما يؤثر بشكل غير متناسب على اللاجئين والمهاجرين والمجتمعات المضيفة الفقيرة.
وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 90"% من السوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع"، وتقدر الأونروا أن "93% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون أيضًا في وضع مزرٍ".
وبحكم الموقع الجغرافي لدولة لبنان، المتاخم للعديد من الدول التي تشهد أحداثا ساخنة، فإن "ملف اللجوء يُشكّل ضغطًا على القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية، فهناك العديد من الحالات والتجاوزات الأمنية التي تتطلب جهودًا أمنية كبيرة للسيطرة عليها"، وفق الخبير.
وإضافة إلى ذلك، فإن ملف اللجوء يُشكّل ضغطًا اقتصاديًا كبيرًا على الدولة اللبنانية، فالدولة تتحمل أعباءً كبيرة لتوفير الخدمات الأساسية للاجئين، مثل التعليم والصحة والسكن.
ورأى أن "اللجوء، بوضعه المتنامي والمعقد، قد يُشكّل أثرًا على السكان الأصليين، لجهة التوازنات القائمة في الدولة، من حيث العدد، والانتماء الديني والطائفي".
أما تركيا، فأثّر الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر في فبراير/ شباط 2023 بشكل خطير على المواطنين واللاجئين والنازحين في كل من تركيا وسوريا.
وتستضيف مدينة غازي عنتاب التركية، مركز الزلزال الأول، 500 ألف لاجئ سوري، ويقيم مئات الآلاف غيرهم في جميع أنحاء جنوب شرق تركيا، وأظهر الرأي العام التركي بعض الاستياء تجاه السوريين منذ العام 2014 على الأقل، لكن الزلزال أدى إلى تفاقم التوترات، مع استياء المواطنين الأتراك من 40 مليار دولار أنفقتها الحكومة منذ العام 2011 لاستضافة السوريين، وفق "كارنيغي".
الحلول
وبناء على ذلك، قدّم الخبير اللبناني، الدكتور خالد زعرور، بعض الأمثلة على كيفية إدارة أزمة اللجوء بشكل صحيح، ما يؤدي إلى تحويلها إلى فرصة بدلًا من أزمة، فيقول: "لو كان هناك استثمار حقيقي للمساعدات الدولية التي تُقدّم للاجئين، لما تحولت إلى أزمة، ولو كانت هناك هيكلية قانونية صحيحة ومنصفة، لتحول اللاجئ إلى يد عاملة منتجة ومحركة للعجلة الاقتصادية بشكل صحيح".
ومن الممكن توظيف الجهود العسكرية والأمنية لضبط التجاوزات الداخلية، عبر ضبط المنافذ الحدودية، بالتالي يمكن الاستثمار في اللجوء وتحويله إلى قضية إيجابية تُنصف اللاجئ والبلد المستضيف، وفق تقدير الخبير اللبناني.
وأضاف زعرور، أن "اللجوء لا يصبح أزمة، إلا بوجود إدارة خاطئة لهذه الأزمة"، ويوضح أن "اللجوء ليس ذنبًا للاجئ بحد ذاته، بل هو حالة موجودة منذ القدم، لكن التعامل مع هذه الحالة بشكل خاطئ يُحوّلها إلى أزمة".
واتفق الخبراء على أن "أزمة اللاجئين في العالم العربي تتجاوز الحدود الداخلية، حيث تؤدي التأثيرات المزعزعة للاستقرار الناجمة عن النزوح الجماعي إلى زيادة الأعباء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية على الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم".
ورغم رغبة العديد من اللاجئين في العودة إلى ديارهم، لكن حقوقهم مُعرّضة للخطر، حيث إن وصولهم إلى الخدمات الاجتماعية كالتعليم والرعاية الصحية منخفض، وفق دراسة لجامعة جورج واشنطن.
وفي المستقبل، يتوقع الخبراء أن تؤدي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم الآثار المتبقية لجائحة كوفيد-19 وآثار تغير المناخ، إلى تفاقم أزمات اللاجئين والنازحين.
فدون استثمارات في القدرة على التكيف مع تغير المناخ، ودون السياسات الاجتماعية المنصفة، ودون فرص للهجرة النظامية كآلية للتكيف، كل هذه العوامل إذا لم تعالج قد يؤدي النزوح إلى تفاقم عدم المساواة والتوترات الاجتماعية القائمة، وفق تقدير الخبراء.
المصدر: إرم نيوز