شفق نيوز/ يعد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، لكنه يستورد الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40% من احتياجاته من الطاقة، بسبب نقص المرافق اللازمة لمعالجته، وعند حدوث أي توقف في التصدير يؤثر مباشرة على تجهيز الطاقة الكهربائية للعديد من المحافظات العراقية، ما يعكس "بدائية" السياسة الغازية وفق متخصصين، الذين أكدوا أن الحل باستثمار الغاز الوطني لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتخلص من مشاكل الغاز المستورد.
وآخر أزمات الغاز الإيراني، ما أعلنته وزارة الكهرباء العراقية، في 28 شباط الماضي، عن توقف الغاز الإيراني المورد "بشكل كامل"، ما أدى إلى تحديد أحمال الوحدات التوليدية للمنظومة وفقدان ما يقارب (4) آلاف ميكاواط.
وقالت وزارة الكهرباء في بيان ورد إلى وكالة شفق نيوز، إن "شح الغاز المورد عاود توقفه (بشكل كامل) عن محافظات الفرات الأوسط وبغداد، ما أدى إلى تحديد أحمال المنظومة الكهربائية وتراجع إنتاجها، الأمر الذي أفقد المنظومة ما يقارب 4 آلاف ميكاواط".
وأشار بيان الوزارة، إلى "توقف كامل لخطوط الربط الناقلة للكهرباء بين العراق والجمهورية الإسلامية في إيران، بسبب موجة البرد بحسب وزارة الكهرباء الإيرانية".
وبينت أن ذلك جاء "بالوقت الذي استعدت فيه وزارة الكهرباء بشكل مبكر، وتوشك أن تنهي صياناتها الشاملة لمحطات الإنتاج ووحداتها التوليدية لتكون جاهزة لذروة أحمال الصيف المقبل".
وأكدت الكهرباء العراقية، أنها "تنسق حالياً بشكل عالي مع وزارة النفط من خلال غرفة عمليات مستمرة لتعويضها بالوقود والغاز المنتج وطنياً، ريثما يعاود ضخ الغاز المورد بالكميات المطلوبة".
وأشارت إلى أن "جزءاً من محطات الإنتاج يعمل على الغاز الوطني، وجزءاً آخر على الوقود الوطني، بينما يعمل جزءاً أخر من محطاتنا الإنتاجية على الغاز المورد لعدم كفاية الغاز الوطني، والذي تعمل الحكومة جاهدة وبخطوات مكثفة لاستغلاله والاعتماد عليه ذاتياً".
وكانت مصادر مسؤولة أفادت لوكالة شفق نيوز، بتراجع تجهيز الطاقة الكهربائية في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات بسبب توقف "الغاز الايراني".
والثلاثاء الماضي، خرجت الخطوط المستوردة من إيران عن الخدمة وتراجع ساعات التجهيز في محافظة ديالى.
وبحسب مصادر، وكالة شفق نيوز، فإن خطوط الكهرباء الإيرانية ميرساد وسربيل زهاب المجهزة لمعظم مناطق محافظة ديالى بالتيار الكهربائي توقفت عن العمل وخرجت عن الخدمة من المصدر.
جدير بالذكر أن نفقات وزارة الكهرباء منذ العام 2003 ولغاية العام 2021 تجاوزت 80 مليار دولار بحسب ما صرّح بذلك خبراء في حينها، بالإضافة إلى تخصيصات الوزارة في موازنتيّ عاميّ 2022 و2023، ما يرفع الرقم إلى نحو 100 مليار دولار خلال 20 عاماً.
متى تنتهي مشاكل الغاز المستورد؟
يقول عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية، النائب باسم الغريباوي، إن "مشاكل الغاز المستورد المتنوعة بين عدم تسديد الأموال أو بسبب الجو البارد وأنهم بحاجة إليه، يمكن التخلص منها باستثمار الغاز الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه".
ويحمّل الغريباوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "الحكومات السابقة مسؤولية ما وصل إليه هذا القطاع، كما تتحمّل الحكومة الحالية مسؤولية الإسراع في استثمار الغاز الموجود حالياً".
ويضيف، أن "هناك عقود الجولات السادسة، ومن المؤمل أن تتقدم شركات في الشهر الرابع لتُحال إليها، كما هناك حلولاً مطروحة لكن ليس هناك استعجال بتنفيذها، إذ إن الحقول لا يجرى استثمارها، والغاز يحترق ولا يستثمر بطريقة صحيحة".
ويؤكد، أن الحكومة الحالية لديها خطوات في هذا الجانب، ولكن ينبغي ان يكون لتلك الخطوات أثر وفاعلية على أرض الواقع، صحيح أن استثمار الحقول النفطية يحتاج إلى وقت، لكن إجراءات الإحالة والاستثمار يجب أن تكون سريعة".
ويتابع الغريباوي، "فلا يزال الحديث عن الجولة الخامسة والملحق الخامس والجولة السادسة، ولم تُحال إلى شركات لحد الآن، بل في طور الإجراءات والإعلانات، لذلك ينبغي اختيار شركات رصينة ويتم الإحالة إليها ومن ثم تأخذها وقتها الكافي".
ويلفت عضو لجنة النفط والغاز، إلى أن "اللجنة شكّلت لجاناً فرعية بضمنها لجنة لمتابعة ملف الغاز لوحده، وعملها مستمر، وخلال الفترة المقبلة ستقوم بتقديم تقرير يتضمن مقترحات وتوصيات، وسيتم العمل على تفعيل مخرجات هذا التقرير".
يشار إلى أن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أكد أمس السبت، أن حكومة بلاده تعتزم توسعة إنتاجها من الغاز الطبيعي للوصول إلى مرحلة التصدير، وذلك خلال استضافته في جلسة حوارية بعنوان "التجارة الدولية: التواصل والاعتماد المتبادل" ضمن أعمال منتدى أنطاليا الدبلوماسي الثالث.
جولة التراخيص السادسة
وكان نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، وزير النفط، حيان عبدالغني، أعلن في 18 حزيران 2023، إطلاق جولة التراخيص السادسة في 11 رقعة استكشافية غازية واعدة، وفق بيان لوزارة النفط العراقية ورد لوكالة شفق نيوز.
وقال عبدالغني، إن وزارته حريصة على الاستثمار الأمثل للثروة الهيدروكربونية في العراق، انسجاماً مع البرنامج الحكومي، وتوجيهات رئيس الوزراء بزيادة الاحتياطيات من خلال التنقيب عن النفط والغاز، وإدامة وزيادة إنتاج النفط الخام والغاز الحر.
كما تأتي الخطوة ضمن حرص الوزارة على معالجة الغاز المصاحب للعمليات النفطية، وتحويله إلى ثروة وطاقة منتجة ومفيدة، لتغطية الاحتياجات المحلية، خاصة لمحطات توليد الكهرباء، وصناعة البتروكيمياويات والأسمدة وغيرها.
ويستعد العراق لزيادة إنتاجه من الهيدروكربونات، من خلال طرح جولة التراخيص السادسة للتنقيب عن النفط والغاز، إذ يستهدف تصدير إنتاجه إلى الأسواق العالمية، للنهوض باقتصاد الدولة، وتوفير فرص عمل لأبنائها.
وأضاف عبدالغني، أن وزارته أكملت استعداداتها للتهيؤ والإعداد لإطلاق جولة التراخيص السادسة، الخاصة بالرقع الاستكشافية الواعدة بالغاز، والتي يبلغ عددها 11 رقعة.
ودعا وزير النفط الشركات العالمية المتخصصة الراغبة في المشاركة بأنشطة التنقيب عن النفط والغاز والتطوير والإنتاج إلى التقديم في هذه الجولة، للتنافس والحصول على فرصة أو أكثر من فرص استكشاف وتطوير المشروعات المذكورة، من خلال التقدم بصورة رسمية للوزارة.
السياسة الغازية "بدائية"
من جهته، يرى الخبير العراقي العالمي في الصناعات النفطية، د.صلاح الموسوي، أن "السياسة الغازية العراقية بدائية وغير موفقة، فمنذ سنة افتتح العراق ميناءً في الخليج لتصدير الغاز إلى الخارج، في وقت هو مستورد له، فهذه واحدة من الدلائل على أن السياسة الغازية خاطئة، فليس من المعقول تصدير غاز بسعر رخيص واستيراده بسعر غالي".
ويضيف الموسوي لوكالة شفق نيوز، أن "رئيس الوزراء العراقي دائماً ما يرحّب بالاستثمارات الألمانية في مجال الغاز، لكن المادة 111 من الدستور لا تسمح بدخول أي شركة محلية أو أجنبية بعقد استثماري للحقول النفطية والغازية، ما يظهر عدم وجود علم بطريقة التعامل مع الغاز".
وعن الحلول الممكنة، يشير الخبير إلى أن "الحلول كثيرة، منها على الدولة العراقية جلب شركات أجنبية لتطوير عمل استخلاص الغاز وتوقيته، ويعود للحكومة العراقية فقط بلا شريك لا داخلي ولا خارجي، وليس كما حدث مع شركة (شل) عام 2009 بالبصرة التي كانت شريكة مع الحكومة".
ويتابع، "كما أن التوربينات الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية لا تعمل على الغاز فقط، وإنما على الغاز وعلى مشتقات نفطية سائلة أخرى، بالإضافة إلى أن الغاز الذي يحترق يمكن إيقافه بسرعة وبصورة تامة باستخدام طرق ومعالجات وتكنولوجيا حديثة، إذ إن الكثير من استخدامات الغاز يمكن التعويض عنها بالنفثا".
ويوضح، أن "البتروكيماويات ليس بالضرورة صناعتها بالغاز، بل هناك بدائل للغاز كثيرة منها بالنفثا التي تنتجها المصانع، كما أن العراق يحتوي على أعداد هائلة من حقول الغاز، ما يستوجب القيام بعمل استكشافي للغاز واستثماره حكومياً، وليس كما حصل مع شركة (شل) في الجنوب، وفي هذه الحالة سوف تصبح هناك كمية هائلة من الغاز".
ويواصل العراق حرق بعض الغاز المستخرج مع النفط الخام في الحقول بسبب نقص المرافق اللازمة لمعالجته وتحويله إلى وقود للاستهلاك المحلي أو التصدير، بحسب تقرير سابق لوكالة رويترز.
والعراق بلد غني بالموارد النفطية لكن بنيته التحتية متهالكة نتيجة عقود من الحروب وفساد مزمن. ويشهد العراق انقطاعات متكررة للكهرباء بفعل هذه البنية التحتية المتردية، وفقا لوكالة فرانس برس.
توريد الغاز من تركمانستان
وكان نائب رئيس لجنة الكهرباء والطاقة النيابية، حسن الأسدي، كشف في 17 شباط الماضي، عن "استثناء" باتفاق توريد الغاز إلى العراق من تركمانستان.
وقال الأسدي في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، إن "اتفاق الغاز بين العراق وتركمانستان الذي وقِّع في نهاية العام الماضي يحتوي على استثناء يسمح للحكومة العراقية بتوقيع عقد مع الجانب الإيراني"، موضحاً أنه "حسب الاتفاق سيشتري العراق الغاز من تركمانستان، والأخيرة بدورها ترسل الغاز إلى إيران للاستفادة منه في مناطق شمال إيران، ويستورد العراق الغاز من الجنوب الإيراني".
وأضاف أن "الاتفاق سيخدم العراق وسيحل مشكلة إرسال الأموال عن الغاز المستورد من إيران نتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة على الجمهورية الإسلامية".
وتابع أن "مشكلة الغاز المستورد ماتزال قائمة، وستتم معالجتها من خلال استكمال الاتفاقية مع تركمانستان واستيراد الغاز لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربائية".
وكان وزير الكهرباء العراقي، زياد علي فاضل، وقع في 6/10/2023، مذكرة تفاهم مع وزير الدولة التركمانستاني لشؤون الغاز، لتوريد الغاز التركمانستاني إلى العراق.
ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40% من احتياجاته من الطاقة، وهو أمر بالغ الأهمية، خاصة في أشهر الصيف عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته.
ويواجه العراق صعوبة في سداد ثمن تلك الواردات؛ بسبب العقوبات الأمريكية التي تسمح لإيران فقط بالحصول على الأموال، لشراء السلع غير الخاضعة للعقوبات؛ مثل: الغذاء، والدواء.
إنتاج إقليم كوردستان
بدوره، يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، د.خالد حيدر، إن "قطع إمدادات الغاز الإيراني عن العراق هو موضوع ليس بجديد، وتعزوه الحكومة الإيرانية لعدم دفع العراق استحقاقاتها المالية، وهي مسألة ترتبط بالحصار المالي المفروض على الاقتصاد الإيراني".
ولحلحلة هذه المشكلة يضيف حيدر لوكالة شفق نيوز، أنه "في العام الماضي كان هناك اتفاق باستثناء العراق لمدة 120 يوماً، وأيضا كان هناك تسديد لما يترتب على الحكومة العراقية من كلف استيراد الغاز من النفط الأسود، وهي إجراءات لضمان وصول إمدادات الغاز إلى العراق بشكل مستمر وطبيعي".
أما فيما يخص الاعتماد على الغاز المنتج في إقليم كوردستان، يوضح، أن "مسؤولي الإقليم يؤكدون أن هناك حركة دؤوبة باتجاه تنويع مصادر الدخل ضمن اقتصاد الإقليم منها دعم الغاز الطبيعي وتوسيع الإنتاج، لذلك من المتوقع أن الاقتصاد العراقي سوف يعتمد نوعاً ما على الإقليم إضافة إلى الاستيراد من تركمانستان".
وكان وكيل وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان، أحمد المفتي، أعلن في 10 تشرين الأول 2023، عن زيادة إنتاج الغاز خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 40%، لافتاً إلى أن 50% من الغاز الطبيعي في العراق يتم إنتاجه في الإقليم.
وقال وكيل الوزارة خلال مشاركته في منتدى "ميري"، إن في الإقليم إمكانية كبيرة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، إذ باستطاعته خلال مدة قصيرة أن ينتج ما مجموعه 60% من إنتاج الغاز الطبيعي في عموم العراق، مشيرا إلى أن الوزارة تنتج في الوقت الحالي ما نسبته 50% من مجموع إنتاج الغاز الطبيعي في العراق.
ولفت المفتي إلى أن الإقليم تمكن خلال السنوات الثلاث الماضية من زيادة إنتاجه من الغاز الطبيعي بما نسبته 40%، مبيناً أن الطلب على الكهرباء ازداد لهذا السبب وأنه مقارنة بالمناطق الأخرى في العراق فإن إنتاج الكهرباء في وضع أفضل.
وتطرق المفتي إلى إمكانية تنمية حقول الغاز وزيادة الاستثمار، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إنتاج 5 ملايين قدم مكعب من الغاز.
يذكر أنه في شباط الماضي، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في تصريحات أن العراق "سيصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال ثلاث سنوات"، مشدداً على أن الاستثمار في الغاز المصاحب للنفط والغاز الطبيعي "نابع من قناعته" لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية.
ويعتبر العراق من بين تسع دول مسؤولة عن غالبية عمليات حرق الغاز، والتي تستحوذ على نحو نصف الإنتاج العالمي من النفط، وتفيد بيانات البنك الدولي أن العراق هو ثاني أكثر دولة في العالم تستخدم هذه الممارسة بعد روسيا وقبل إيران والولايات المتحدة. في عام 2020، بلغ حجم الغاز المحترق في العراق 17.374 مليون متر مكعب.