شفق نيوز- بغداد

في قلب العاصمة بغداد، استخدم رئيس البطريركية الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم، الكاردينال لويس روفائيل ساكو مصطلح "التطبيع" في كلمته خلال قداس عيد الميلاد في كنيسة مار يوسف للكلدان، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية العراقية، ودفع العديد من الأطراف السياسية والدينية إلى التوضيح والرد.

وفي كلمته، أكد ساكو مساء أمس الأربعاء، أن البلد بحاجة إلى أن "يكون التطبيع في العراق ومع العراق بلد الأنبياء، كما أن التلمود قد كتب في بابل، فالعالم يجب أن يأتي إلى العراق وليس إلى مكان آخر".

ويرى مراقبون أن ما قصده (ساكو) هو إصلاح العلاقات الوطنية وتعزيز التعايش بين العراقيين، في إشارة واضحة إلى "التطبيع الداخلي" بين مكونات المجتمع العراقي وليس الخارجي أو الارتباط بالكيان الصهيوني.

"التطبيع إنسانية"

وفي هذا السياق، يقول السياسي العراقي مثال الآلوسي، إن "التطبيع لغوياً هو العودة إلى طبيعة الأمور سواء أكانت خلاف بين أفراد أو عشائر أو شخصيات أو طوائف وأديان".

ويضيف الآلوسي، لوكالة شفق نيوز أن "التشنج والتمسك بالمواقف يؤدي إلى تفاقم الوضع، كما رأينا في تجربة سنجار، حيث كان الاتفاق يهدف إلى تطبيع الوضع داخلها، وتمكين مكونات المجتمع من العيش بأمان وعطاء، بعيداً عن الفوضى والاعتداء".

ويتابع الآلوسي حديثه أن "ما ذكره البطريرك ساكو هو حقيقة، فإبراهيم أبو الأنبياء عراقي، والتلمود كتب في العراق، والعراق يتألق بحضارة وادي الرافدين، ومن الطبيعي أن يحتاج إلى تطبيع داخلي بين مكوناته".

"التطبيع الداخلي"

من جهته، يقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الياسري، إن "الفهم الاجتماعي لكلمة التطبيع في العراق تراجع وتحرف نحو التفسيرات السياسية الخاطئة، حيث إن ساكو قصد التطبيع الداخلي، أي إعادة العلاقات الوطنية بين المكونات وعدم جعل الهويات الفرعية هي الأصل في التعامل بين العراقيين".

ويشير الياسري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن موقف الكنيسة الكاثوليكية كان تاريخياً بعيداً عن دعم قيام إسرائيل، مؤكداً أن "اللغط الحالي محاولة لتشويه الاحتفال بأعياد الميلاد، كما يحدث سنوياً مع اعتراضات رمزية على أشجار الزينة وغيرها من مظاهر الاحتفال".

التوضيح القانوني

من جانبه، يؤكد الخبير القانوني، محمد جمعة، أن "مفردة التطبيع لا تعني مطلقاً التطبيع مع الكيان الصهيوني فقط، بل وردت في المادة 140 من الدستور العراقي، التي استخدمت المصطلح بمعناه القانوني واللغوي".

ويضيف جمعة، لوكالة شفق نيوز، أن "حديث ساكو عن التطبيع مع العراق لا يحمل أي بعد إجرامي أو مخالفة للقانون، إذ لم يُذكر الكيان الصهيوني في كلمته، وأي محاولة لتحريف المعنى هي إساءة للفهم القانوني واللغوي".

ويلفت الانتباه إلى أن "التطبيع مع الكيان الصهيوني يجب أن يكون واضحاً وصريحاً ليكون مجرماً قانونياً، بينما استخدام المصطلح بمعناه الداخلي ليس مخالفاً للقانون".

موقف الحكومة والتحالف المسيحي

وفي أول رد فعل رسمي، شدد رئيس مجلس الوزراء العراقي المنتهية ولايته محمد شياع السوداني الذي حضر القداس مع ساكو وألقى كلمة بعده على أن "كلمة التطبيع غير موجودة في قاموس العراق، لأننا لا نحتاج إلى تطبيع مع كيان محتل، بل نحتاج إلى الأخوة والمحبة والتعايش والالتزام بالقوانين والدستور".

في المقابل، أصدر التحالف المسيحي بياناً أكد فيه أن خطاب البطريرك ساكو جاء في إطار ديني – ثقافي بحت، وركز على مكانة العراق الحضارية وقيمة الإنسان فيه، مؤكداً أن الحديث لم يكن سياسياً ولم يستهدف تجاوز الثوابت الوطنية أو القوانين العراقية، وأن المسيحيين يرفضون الزج بالكنيسة في الصراعات السياسية أو تصفية الحسابات الفئوية.

وأشار البيان إلى أن ما جرى من تضخيم للمصطلح مرتبط بمحاولة ربطه بالقضية الإسرائيلية، وهو أمر غير صحيح قانونياً وواقعياً، حيث إن الكنيسة الكلدانية كانت وما تزال داعمة لحقوق الإنسان وقضايا العدل، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بعيداً عن أي أجندة سياسية.

يذكر أن مجلس النواب العراقي، أقر في منتصف العام 2022، مقترح قانون لـ"تجريم التطبيع" مع إسرائيل، وهو مقترح قانون طرحته كتلة الصدر وحلفاؤها آنذاك.

وينص القانون على عقوبات، بينها السجن المؤبد أو المؤقت، ويهدف وفق مادته الأولى إلى "منع إقامة العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو أية علاقات من شكل آخر مع الكيان الصهيوني المحتل".

وتنص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي، على أنه يُعاقب بالإعدام كل من روج لـ"مبادئ الصهيونية، بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها، أو ساعدها مادياً أو أدبياً، أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها".

ولا يقيم العراق أي علاقات مع إسرائيل، وترفض الحكومة وأغلبية القوى السياسية التطبيع معها.

ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 6 دول هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات معلنة مع إسرائيل.

ويقول الرافضون لتطبيع العلاقات مع إسرائيل إنها ما تزال تحتل أراضٍ عربية في فلسطين وسوريا ولبنان منذ 1967 وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.