شفق نيوز/ عندما يدخل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ليكون الرئيس الاميركي دونالد ترامب في استقباله في العشرين من أغسطس/آب 2020، ستكون العلاقات الاميركية – العراقية قد دخلت مرحلة جديدة من الجدية والترقب.
ولن يقلل من أهمية زيارة الكاظمي أنها تأتي قبل بضعة أسابيع من الانتخابات الاميركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي سيتحدد فيها رحيل ترامب أو بقائه في الحكم لأربعة أعوام جديدة.
فملفات عديدة جرى بحثها بين الطرفين الأميركي والعراقي في حزيران/يونيو الماضي، والتفاهم على خطوطها العريضة، ويفترض ان تستكمل نقاشات حولها في لقاءات واشنطن، ولعل أهمها مستقبل الوجود العسكري الاميركي على الأراضي العراقي الذي تصدر من الادارة الاميركية تصريحات متناقضة حوله.
ومعلوم ان مصير القوات الاميركية في العراق دخل منعطفا جديدا بعد اغتيال الاميركيين ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني قرب مطار بغداد مع بداية العام 2020، وهو ما تبعه قرار من البرلمان العراقي، بدفع من كتل سياسية مقربة من طهران، طالبت حكومة بغداد بالعمل على إنهاء الوجود العسكري الاميركي.
لكن البيان الرسمي الاميركي لا يركز على هذه النقطة، إذ ذكر اعلان البيت الابيض حول زيارة الكاظمي، "تأتي في وقت حاسم لكل من الولايات المتحدة والعراق فيما نواصل تعاوننا لضمان الهزيمة الدائمة لداعش ومواجهة تحديات وباء كوفيد-19. إن الولايات المتحدة والعراق شريكان مقربان وسنبحث في توسيع علاقاتنا عبر مجموعة من المجالات، بما فيها الأمن والطاقة والرعاية الصحية والتعاون الاقتصادي".
اما المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية، فقد أشار في بيانه الى ان الكاظمي سيبحث في واشنطن، العلاقات بين البلدين وقضايا ذات اهتمام مشترك، والتعاون بمجالات الأمن والطاقة والصحة والاقتصاد والاستثمار، إضافة لملف جائحة كورونا.
وسيختبر العراقيون ما إذا كان الكاظمي ما زال على وعده الذي أعلنه مع انطلاق الحوار الاستراتيجي في حزيران/يونيو الماضي عندما قال انه "سيعتمد على رأي المرجعية والبرلمان وحاجة العراق"، قبل ان يضيف وقتها "سنركز على السيادة العراقية في الحوار...نريد ان يكون العراق ساحة سلام وليست ساحة للصراع بين القوى الخارجية".
ومعلوم ان العلاقة بين بغداد وواشنطن، على الاصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، أعيدت صياغتها ضمن اتفاقية "الاطار الاستراتيجي" التي مهدت منذ العام 2008، الى خروج القوات الاميركية من العراق بشكل شبه كامل مع حلول أواخر العام 2011 في عهد الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما. لكن ظهور عصابات داعش في العام 2014، دفع بغداد الى طلب التدخل الاميركي مجددا، وقد وصل عديد القوات الاميركية في مراحل معينة الى نحو 15 الف جندي، ووضعتها تقديرات اخرى بحدود ال30 الف جندي.
لكن مع إعلان هزيمة داعش، رغم استمرار خطرها، تراجع عدد القوات الاميركية حاليا الى حوالي خمسة آلاف جندي ينتشرون بعدد من القواعد العسكرية قرب بغداد وفي الانبار. ولهذا، يجد الكاظمي نفسه بين مطرقة معارضي الوجود الاميركي، وسندان العلاقات المتداخلة والقديمة مع الاميركيين التي لا يمكنه التملص منها.
ومما يزيد من إرباك الموقف العراقي أن التصريحات الاميركية التي صدرت بعد انتهاء جولة الحوار الاستراتيجي قبل شهرين، أوحت بوضوح ان اتفاقية عسكرية جديدة لن توقع مع بغداد في هذه المرحلة، وان الامر سيكون متروكا لسيد البيت الأبيض في الولاية الرئاسية المقبلة، سواء ظل ترامب رئيسا او جاء الديمقراطي جو بايدن في خلافته.
اذا لقاء الكاظمي مع ترامب لن يكون مجرد اجتماع شكلي، حتى لو ان البت النهائي بمصير الوجود العسكري ليس مطروحا الآن للتوقيع، ذلك ان عودته من واشنطن الى بغداد من دون ورقة سياسية رابحة بين يديه، سيجعله عرضة لانتقادات من أحزاب وكتل برلمانية مقربة من طهران تعتبر منذ الآن انها بانتظار التزام الحكومة بمقررات البرلمان، وقد مضى نحو 8 شهور على طلب البرلمان العمل على جدولة وإنهاء الوجود العسكري الاميركي.
ويدرك الكاظمي هذه الحقيقة ولهذا فانه كلف مؤخرا لجنة متخصصة يقع على عاتقها دراسة الاتفاق الاستراتيجي مع واشنطن، بحسب ما قال لوكالة شفق نيوز عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية بدر الزيادي والتي ستكون من مهامها دراسة "نقاط القوة والضعف في الاتفاقية".
وأضاف أن "اللجنة ستقدم تقريرها للحكومة بعد دراستها نقاط الاتفاقية والحوار الاستراتيجي"، مؤكدا أن "اللجنة الأمن والدفاع النيابية والبرلمان يراقبان عن كثب كواليس الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن".
وبعد ذلك الحوار الذي انعقد عبر الفيديو، صدر بيان مشترك وزعته وزارة الخارجية العراقية قال حرفيا في النص المتعلق بالشراكة الأمنية "أقر البلدان أنه في ضوء التقدم المتميز بشأن التخلص من تهديد تنظيم داعش الإرهابي، ستواصل الولايات المتحدة الاميركية خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد القوات المتواجدة في العراق والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية وحيث يتجه تركيز البلدين صوب تطوير علاقة أمنية طبيعية تقوم على المصالح المشتركة. كما أكدت الولايات المتحدة الاميركية أنها لا تسعى الى اقامة قواعد دائمة أو تواجد عسكري دائم في العراق، كما اتفق عليها مسبقاً في اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 والتي تنص على أن التعاون الأمني يتم على أساس الاتفاقات المتبادلة. والتزمت حكومة العراق بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفهم بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص تواجد تلك القوات وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين".
اذا من الطبيعي ان يسأل الكاظمي في واشنطن عما آلت اليه خطط اعادة الانتشار وتقليص القوات، مثلما سيسأل الاميركيون من جهتهم الكاظمي عن أسباب استمرار الهجمات التي تتعرض لها مواقع وقوافل تابعة للقوات الاميركية وكيف يعتزم التعامل معها، بخاصة أنها في تزايد قبيل زيارة الكاظمي.
وقد أظهر رئيس الحكومة العراقية، الكثير من الالتزام بتعهداته السياسية بعدما آلت إليه رئاسة الحكومة في أيار/مايو الماضي، ومن بينها قضايا حثه الاميركيون على الالتزام بها – والمحتجون في الشارع - ومن بينها الدعوة إلى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة والتي بالفعل ضرب موعدا لها في حزيران/يونيو 2021
كما ان الكاظمي أمر بمواجهة مطلقي الصواريخ على القواعد والمباني التي يستخدمها اميركيون بما في ذلك المنطقة الخضراء، وهو ما تمثل في اعتقال خلية تابعة لكتائب حزب الله العراقي. كما تحرك في ملف آخر يعول عليه الأميركيون – والمحتجون في الشارع أيضا – وهو ملف الفساد الذي أنهك موارد العراقيين ووضع البلاد في مستنقع العجز المالي.
ولعل الحركة السياسية الأبرز التي قام بها الكاظمي، قبل موعده التاريخي مع ترامب، قراره القيام بجولة اقليمية تشمل السعودية ثم ايران. صحيح ان زيارته الى الرياض تأجلت بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بالملك سلمان بن عبدالعزيز فجأة، ما اضطره الى الذهاب الى طهران أولا، لكن الرسالة السياسية كانت واضحة سواء بقراره الذهاب الى العاصمة السعودية أولا، أو بالتصريحات التي أعلنها أكثر من مرة حول ضرورة الا يكون العراق ساحة للصراع الإقليمي او الدولي وهي اشارة صريحة الى إيران والولايات المتحدة.. وربما أيضا الى تركيا التي تواصل عملياتها العسكرية في اراضي اقليم كوردستان.
ومع ذلك، فان الجوانب الامنية والعسكرية لن تكون وحدها على جدول أعمال قمة الكاظمي – ترامب، ذلك أن الملف الاقتصادي سيكون حاضرا بقوة خاصة مع تفاقم الازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق بسبب جائحة كورونا وتعثر الإنتاج النفطي الذي يعتمد عليه العراقيون بنسبة اكثر من 90 في المئة من مواردهم.
وبهذا الخصوص كشف غبريال صوما عضو المجلس الاستشاري للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن أهم الملفات التي سيناقشها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض وقال إن أبرزها مسألة تدخل الإيراني واستهداف مبنى السفارة وحركة الاحتجاجات في العراق.
وأضاف صوما في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "المهمة الأساسية لزيارة الكاظمي إلى واشنطن هي لتعزيز العلاقات الثنائية بمختلف المجالات بما فيها الأمن والاقتصاد والطاقة والرعاية الصحية والتصدي لجائحة كورونا"، منوها إلى أن "اللقاء سيشهد مناقشة حركة الاحتجاجات في العراق".
وأوضح أن "اللقاء الكاظمي بترامب سيشهد مناقشة مسألة تدخل الإيراني بالشأن العراقي، فإيران تعمل على إخراج الولايات المتحدة من العراق"، مشيرا إلى أن "اللقاء سيناقش حالات الاختطاف والاغتيالات بالعراق وأبرزها حادثة اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي".
وتابع صوما، أن "اللقاء سيبحث أيضا انخفاض أسعار النفط وتأثيرها على الاقتصاد العراقي، خصوصا أن الحكومة العراقية في مرحلة حرجة وليس بإمكانها دفع رواتب الموظفين بشكل مستمر".
وبين مستشار الرئيس الأمريكي، أن "ترامب سيناقش مع الكاظمي مسؤولية حماية أمن السفارة بعد تعرض المبنى في أواخر العام الماضي والآونة الأخيرة لعشرات الصواريخ"، مضيفا، أن "الجيش العراقي غير قادر على حماية مبنى السفارة وموظفيها والقواعد العسكرية بالبلاد".
وأوضح صوما، أن "الولايات المتحدة الأمريكية أضطرت إلى استخدام منظومة "باتريوت" لحماية مبنى السفارة والموظفين من الهجمات الإرهابية، مع التأكيد أن واشنطن تحترم سيادة والدستور العراقي وإنها ليس بحاجة إلى النفط العراقي".
ولفت مستشار ترامب، إلى أن "سحب القوات الأمريكية من الأراضي العراقية غير وارد، إلا أن تخفيض الأعداد سيكون حسب الاتفاقيات والعمل المشترك بين الحكومتين العراقية والأمريكية".
ايام قليلة باتت تفصلنا عن موعد اللقاء العتيد بين الرجلين، وهموم الكاظمي وملفاته واضحة رغم صعوبتها، لكن الترقب يجب ان يكون سيد الموقف هنا، فترامب رجل من الصعب التكهن بمفاجآته وقراراته. اما رئيس الوزراء العراقي فسيعود مظفرا من واشنطن ان نجح في ترسيخ معادلة الا تكون بلاده ساحة للصراعات مرة اخرى.