شفق نيوز/ يعتبر قضاء الحويجة جنوب غربي كركوك، مركز إنتاج القطن العراقي، ويقف على رأس قائمة الإنتاج الأعلى للسنوات السابقة، ولكن أرض الحويجة ما عادت تنتج القطن، ولا الفلاح بات قادراً على زراعة وحصاد القطن الأبيض الذي عُرف عنه الجودة والنقاوة في القضاء.

واحتل العراق المرتبة الرابعة عربياً كأكبر دولة منتجة للقطن للعام الماضي 2023، وفق ما ذكرته منصة هيئة "خدمة الزراعة الأجنبية" التابعة لوزارة الزراعة الأميركية. وبحسب المنصة، ظلت الصين لأكثر من 4 عقود في مقدمة الدول المنتجة للقطن في العالم، وفي موسم 2023/2024 بلغ إنتاج الصين من القطن 27.5 مليون بالة (تزن بالة القطن الواحدة حوالي 480 رطلاً) مشكِّلة ما نسبته 24% من الإنتاج العالمي.

وتتصدر الصين أيضاً المجموعة بصادرات مذهلة تبلغ 13.3 مليار دولار، مما يؤكد دورها المحوري في صناعة النسيج العالمية. وتأتي الولايات المتحدة في المركز الثاني بقوة، إذ صدرت ما قيمته 10.7 مليارات دولار من السلع القطنية.

واشترت الدول الآسيوية أكثر من ثلثي إجمالي واردات القطن (67.9%)، وذلك لدعم صناعاتها النسيجية التي يدخل القطن في مكوِّناتها الأساسية. عربياً، تعتبر السودان ومصر وسوريا من أكثر الدول العربية إنتاجاً للقطن بمعدل 600 ألف بالة و350 ألف بالة، و160 ألف بالة على التوالي، ومع ذلك فإن زراعة القطن في الدولتين كما في باقي الدول العربية تعاني من المشكلات أو الاضطرابات الداخلية.

وجاء العراق رابعا كأكبر منتج للقطن للعام الماضي بمعدل 15 ألف بالة وتلته اليمن بمعدل 8 آلاف بالة البالة تزن 480 رطلاً. ويحتل القطن أهمية اقتصادية تجعله في المرتبة الثانية بعد المحاصيل الغذائية في العالم، وتأتي هذه الأهمية نظراً لإمكانية استخدام أليافه في صناعة أجود أنواع المنسوجات لمتانتها ونعومتها ومرونتها، فضلاً عن استخدامه في صناعة القطن الطبي والمفروشات وصناعة الزيوت النباتية.

ويعتقد أن الموطن الأصلي لزراعته الهند والصين في المناطق المدارية والمعتدلة، ثم انتشرت زراعة هذا المحصول إلى أنحاء العالم القديم التي لها نفس الظروف الطبيعية المتشابهة لظروف البيئات الأصلية التي جاء منها. لم يلبث هذا المحصول حتى انتقلت زراعته إلى العالم الجديد، وقد ازدادت أهميته وأقبل المزارعون على إنتاجه بعد أن تم اختراع آلة غزل القطن عام 1793، وأخذ يدخل في صناعة الأنسجة المختلفة.

وقد حظيت محافظة كركوك بزراعة مساحات واسعة من محصول القطن كونه يعد من المحاصيل الصناعية المهمة ليس على مستوى المحافظة فحسب بل على مستوى القطر، وقد ساعد المحافظة على زراعة تلك المساحات مجموعة من العوامل الطبيعية التي ربما تعد مثالية لإمكانية التوسع في زراعة هذا المحصول وهذا ما يمثل أساس مشكلة البحث.

الحويجة الموطن الأول

ويقول المزارع حسين الجبوري (54 عاماً) لوكالة شفق نيوز، إن "قضاء الحويجة يعد الموطن الأول لزراعة القطن منذ عشرات السنوات وكانت تتسيد الإنتاج الأول على مستوى العراق وكان الإنتاج يفوق أغلب المحافظات العراقية وكانت الحكومة العراقية تولي اهتماماً بزراعة القطن وكان الإنتاج في أي مشروع للقطن ينجح بنسبة 100 بالمئة، ولكن خلال السنوات الأخيرة تراجع إنتاج القطن ليس في الحويجة وكركوك".

ويضيف الجبوري أن "من أقدم أصناف القطن التي زرعت في العراق والحويجة في كركوك، الصنف الأمريكي الذي أدخلت بذوره عام 1921 ومنذ ذلك التاريخ كانت التجارب مستمرة حتى استقرت على نجاح نوعيات هي (أكالا وجرز وكوكرولت) وذلك لملائمتها للعوامل الطبيعية وفي مقدمتها (المناخ والتربة والموارد المائية)".

وتابع: "لكن زراعة القطن شهدت العامين الماضيين ارتفاعاً نسبياً قياساً بالعقدين الأخيرين، إذ تراجعت زراعته بسبب عوامل عديدة منها الجفاف وعدم الاهتمام وغياب دور الدولة في دعم قطاع زراعة القطن في العراق، وكانت تنحصر زراعته في العراق في المنطقتين الوسطى والشمالية ويزرع بشكل قليل في المناطق الجنوبية".

تراجع الزراعة

ويقول مدير زراعة كركوك زهير علي، في تصريح لوكالة شفق نيوز إن "محافظة كركوك تعتبر واحدة من أهم المحافظات العراقية في إنتاج القطن، ولكن منذ سنوات تراجع مستويات الإنتاج والزراعة بعد توقف وزارة الصناعة عن شراء القطن المنتج من قبل المزارعين، المساحات التي كانت تزرع في كركوك تتجاوز 100 ألف دونم وحسب الخطة الزراعية التي توضع من قبل المديرية وأن المستورد هو الآخر تسبب بعزوف المزارعين حيث يصل السعر المستورد إلى مليون دينار للطن الواحد".

وبيّن أن "قلة المياه وحاجة القطن إلى فترة من الرعاية في فصل الصيف وكثرة أمراضه جعل المزارعين يتركون زراعتها، يضاف لها عدم استلام وزارة الصناعة للمنتوج أثناء التسويق، وهذا الأمر جعل الفلاح يفكر في مشروع ثانٍ بدل زراعة القطن".

ويؤكد أن "السماح باستيراد المنتجات الزراعية من دول الجوار أدى إلى عزوف المزارعين عن زراعة القطن في الحويجة، ورغم شح المياه وغلاء الأسمدة، ما زال المزارعون ينتجون القطن، ولكن الدولة لا تشتري منتجهم رغم أن القطن العراقي ذو جودة عالية".

ويقول أحد تجار القطن في كركوك ويُدعى أحمد جاسم، لوكالة شفق نيوز، إن "الأوضاع العامة للبلاد من جفاف وقلة الموارد المائية انعكست على تراجع مستويات الإنتاج العام، حيث سحبت الحكومة الدعم عن المنتج وتركت الفلاح حراً في بيعه، حيث قبل سنوات كانت الحكومة عبر وزارة الصناعة تشتري الطن بأكثر من مليون دينار عراقي وتسلمه في المحالج المنتشرة عموم المحافظات".

ويشير إلى أن "المستورد من القطن، وخاصة الصناعي منه، جعل السوق العراقية تعتمد على القطن الصناعي المستورد، الذي يسيطر على الأسواق في الاستخدام المحلي ويصل سعر الكيلو غرام الواحد منه إلى دولارين أمريكي ويدخل في صناعة المفروشات، وأن القطن الصناعي الإيراني بدأ يسيطر على السوق ونحن نستورد من إيران القطن الصناعي".

الندافة والقطن

ويقول أحد العاملين في مهنة الندافة ويدعى علي عباس القطان، لوكالة شفق نيوز، إن "القطن العراقي يتميز بالجودة والنقاوة العالية، ويرتبط إنتاجه بمهنة الندافة التي احتفظت بمقومات وجودها كمهنة بحد ذاتها، إلا إن ذلك لم يمنع من اختفاء بعض الأدوات التي كان يستعملها الندافون في السابق مثل (المحلج) وهو عبارة عن دولاب يدوي يستعمل لعزل بذور القطن عن زهرته، وكذلك انقراض آلة (الجك والقوس) المستعملة في ندافة القطن قديماً".

ويوضح أن "آلة ندف القطن تسهم في جعل القطن ناعم الملمس، وفي مقابل ذلك ظهور آلات حديثة بدأ الندافون يستعملونها في عملهم لكونها تقوم بالعمل بشكل أفضل مع إمكانية التقليل في عامل الزمن، وكذلك دخل في عملنا القطن الصناعي الذي لا يحتاج حتى إلى آلة لغرض تنعيمه وصقله".

يذكر أن هناك العديد من أصناف القطن التي تزرع في العراق، من بينها آشور، الذي يعد أفضل الأصناف وتبلغ إنتاجية الدونم الواحد منه نحو 900 كغم، وصنف كوكر الذي تصل إنتاجيته إلى أكثر من 500 كغم في الدونم الواحد، وناتا، ولاشتا، ويعد قضاء الحويجة في كركوك من أكثر المناطق المنتجة للقطن في عموم العراق.