شفق نيوز/ طالما انتظر سكان العاصمة العراقية بغداد التي يقطنها 9 ملايين شخص، مشروع القطار المعلق لسنوات عدة مرت دون تنفيذه، بعد ان وضعت تصاميمه احدى الشركات الفرنسية على الأوراق لتكون بعدها حبيسة الأدراج، حتى بات اشبه بالأحلام الوردية.
وظل المشروع حبيس الدوائر الحكومية بسبب بعض التداخلات والمشاكل الإدارية والفنية والقانونية منذ توقيع العقد مع شركة الستوم الفرنسية التي وضعت تصاميمه عام 2013 وحتى عام 2020 عندما أثير مجددا وشكلت لجنة برئاسة وزير النقل وعضوية ممثلين عن إدارات الدولة المعنية لدراسة الموضوع وتقديم التوصيات بعد أن تم نقل مسؤولية المشروع من محافظة بغداد الى وزارة النقل.
ووقعت محافظة بغداد عام 2013، عقدا مع شركة الستوم الفرنسية لوضع التصاميم لمشروع القطار المعلق ضمن المرحلة الأولى له، ومن المقرر أن يمر المشروع على جانبي الرصافة والكرخ بمسافة 30 كم، ويتضمن بناء 14 محطة تبدأ من منطقة الشعب مرورا بالمستنصرية ومن ثم العطيفية ومطار المثنى وتنتهي بمنطقة العلاوي التي تعتبر المحطة النهائية له.
مثير للجدل
مشروع أثار الجدل فبعض المختصين اعتبروه ظاهرة حضارية وتنموية لدولة تحتاج لمثل هكذا مشاريع من اجل معالجة ازمة الازدحامات في بغداد، فيما رآه البعض الآخر مشروعاً "فاشلاً" لدولة مليئة بالمشاكل وخاصة البنية التحتية المتهالكة فيها .
الكلفة: 1.5 مليار دولار
وعرض العراق القطار المعلق للاستثمار الأجنبي في مؤتمر الكويت الذي عقد حينذاك لإعمار العراق في عام 2018، إلا أن المشروع لم يثير شهية الشركات العالمية .
وبحسب البيانات الحكومية الرسمية، فإن الكلفة التخمينية للمشروع تبلغ 1.5 مليار دولار بمدة انجاز تبلغ 5 سنوات، والهدف منه " المساهمة في حل أزمة الاختناقات المرورية وتحسين الواقع الخدمي في بغداد".
"يستنزف اموالاً كبيرة"
يقول الخبير الاقتصادي محمد الحسني، إن "هذا المشروع بهذا الحجم سيكلف البلد مبالغ مالية طائلة يمكن ان تصل الى سبعة مليارات دولار مع توسعاته المستقبلية حسب ما تحدث به وزير النقل الذي قد يصل إلى أكثر من 50 كيلو متر".
ويضيف الحسني لوكالة شفق نيوز، أن هذا "المشروع يحتاج حاليا الى دراسات جدوى اقتصادية وفنية رصينة من جهة استشارية اختصاصية مستقلة تسبقها دراسات خطة نقل شاملة حديثة لمدينة بغداد لضمان تكامله مع مشاريع النقل الأخرى سواء العامة أو الخاصة".
ويرى الحسني، ان "المسارات المقترحة من شركة (الستوم) تقع بعيدا عن مركز العاصمة المزدحم التي من المفروض أن يخدمها القطار"، مبينا انه "تم اختيارها وتفضيلها لاعتبارات تنفيذية ومنها توفر سعة كافية في الشوارع التي يمر بها القطار لإنشاء الأعمدة الحاملة للسكة وليس لاعتبارات فك الازدحامات".
"المعلق" حل مهم لفوضى النقل
يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، إن "التصاميم الخاصة بالقطار المعلق موجودة وهي تمثل مقاطع بين منطقة ومنطقة اخرى ومترابطة"، مبينا لوكالة شفق نيوز، أن "أسلوب التنفيذ سيكون سهل وذات تكنولوجيا عالية".
ويضيف صالح، ان "وجود آلاف السيارات خلق نوع من الاضطراب في النقل"، لافتا الى ان "كل دول العالم يكون النقل العام هو من يحل المشكلة".
واشار الى ان "العراق كان يستخدم النقل العام بشكل واضح عبر باصات نقل الركاب، إلا أنها اختفت تدريجيا وتدهورت وأصبحت هناك نقل خاص ونشاطات فردية التي كونت هذا الاضطراب بحركة النقل".
وأكد مستشار رئيس الوزراء، أن "القطار المعلق هو حل مهم وحيوي ونحتاجه لمدينة بغداد للتخلص من هذه الفوضى بالنقل".
مشروع استراتيجي
يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن "مشروع القطار المعلق يعتبر من المشاريع الاستراتيجية وهدفه تحقيق التنمية في العاصمة بغداد"، مبينا ان "المشروع سيوفر أعدادا غير قليلة من فرص العمل".
واضاف ان "وزارة النقل أصبحت الجهة المسؤولة عن المشروع بعد أن كان لدى محافظة بغداد"، مبينا لوكالة شفق نيوز، ان "التصاميم الخاصة بهذا المشروع تم اكمالها والان سيتم تخصيص الأموال لعملية التنفيذ في الموازنة العامة لعام 2023".
بغداديون: نكتة الموسم
يقول المواطن محمد حمزة، وهو أحد سكان بغداد، لوكالة شفق نيوز ان "العاصمة تفتقر الى البنى التحتية، لذا فإن الوقت الحالي ليس لصالح مشروع القطار المعلق"، مبينا ان "شوارعنا أصبحت خربة وتحتاج الكثير منها للإكساء من جديد والبعض منها للإدامة، فضلا عن قدم قنوات الصرف الصحي، والتي بدأت لا تستوعب هذه الزيادة السكانية".
ويضيف ان "كل دول العالم عندما تخطو وتنفذ مثل هكذا مشاريع، فإن البنى التحتية لديها مكتملة وليس مهترئة"، واصفا المشروع بـ"نكتة الموسم".
فيما يصف المواطن محمد حماده، وهو من سكنة العاصمة أيضا، مشروع القطار المعلق بأنه "نكتة بغداد"، مشيرا خلال حديثه، لوكالة شفق نيوز، إلى الحديث عن قطار معلق في بغداد، بات كـ"نكتة" يتداولها الناس فيما بينهم، حيث يثار الحديث عن المشروع بين فترة وأخرى ومنذ سنوات طويلة دون تنفيذ".
مشروع لخلق بطالة جديدة
يرى الإعلامي احمد حسين، وهو من سكنة بغداد أيضاً، أن "قطار بغداد المعلق ما هو إلا مشروع لخلق أزمة بطالة إضافية، إذ أنه سيؤدي إلى تعطل عمل سائقي سيارات الأجرة (تكسي، كيا، كوستر) في المناطق التي يمر بها"، معتبراً في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "المشروع على خلاف ما تروج له الحكومات المتعاقبة، لن يوفر 10 آلاف فرصة عمل، بل أن أقصى ما يمكن أن يوفره من فرص عمل لا يتجاوز 50 فرصة في أحسن الأحوال".
وأشار إلى أن المشروع "لن يسهم في فك الاختناقات المرورية لكون القطار لا يمر بالمناطق المزدحمة أصلاً بل بمناطق لا تصنف ضمن هذه الاختناقات وذات شوارع واسعة ومسارات جانبية".
بالإضافة إلى ذلك، يقول حسين، إن "كلفة المشروع الأولية مرتفعة جداً وتكاد تكون الأعلى كلفة لهكذا مشروع في العالم"، لافتا في ذات الوقت الى أن "هناك مشكلة أساسية في تصميم المشروع، فبعض المناطق التي يمر بها بناها التحتية متهالكة (الماء، الصرف الصحي) وبالتالي عند وضع أساسات أعمدة السكة المعلقة ربما ستحدث تخسفات تعرقل المضي بتنفيذ المشروع وتؤدي إلى مشاكل في شبكات الماء والصرف الصحي".
تخصيصات مالية للمشروع
وأوعزت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، خلال جلسة لمجلس الوزراء المنعقدة في كانون الثاني الماضي، بتخصيص مبالغ لتنفيذ مشروع القطار المعلق ضمن موازنة عام 2023.
وقال وزير النقل رزاق محيبس السعداوي، إن مشروع القطار المعلق تم إدراجه في موازنة الوزارة للعام 2023، موضحا، إن قطار بغداد المعلق يشمل 14 محطة، وبطول 31 كيلومترا.
ودعا السعداوي الشركات العالمية للاستثمار في المشروع، مبينا بأن هناك منافسة عادلة ستكون بين جميع الشركات العالمية بعيدا عن أية شبهات بالفساد.