شفق نيوز/ على مدار السنوات من بعد العام 2003، شهد العراق ظهور مراكز وعيادات كانت في بادئ الأمر تقتصر على التجميل والتقويم، إلا أن الأمر تطور بشكل لافت منذ قرابة العشر سنوات ليصل إلى ما يسمى بمرحلة الهوس التجميلي أو التجارة التجميلية.
هذا الانتشار أغرى غير ذوي الاختصاص للدخول في هذا المضمار ذي العائدات المالية الكبيرة، وكان لأطباء الأسنان حصة الأسد ما دفع وزارة الصحة إلى إصدار تعليمات صارمة بهذه الصدد قيدت من خلالها ممارسة هذه المهنة بذوي الاختصاص حصراً.
هذا الانتشار أغرى غير ذوي الاختصاص للدخول في هذا المضمار ذي العائدات المالية الكبيرة، وكان لأطباء الأسنان حصة الأسد ما دفع وزارة الصحة إلى إصدار تعليمات صارمة بهذه الصدد قيدت من خلالها ممارسة هذه المهنة بذوي الاختصاص حصراً.
وكانت وزارة الصحة العراقية قررت في 6 آيار/ مايو الجاري منع أطباء الأسنان، من حقن الميزو، والفيلر، والبوتكس وغيرها في مراكز التجميل كافة.
وبحسب وثيقة صادرة عن الوزارة اطلعت عليها وكالة شفق نيوز، فقد "حصلت موافقة الوزير على إلغاء كتاب هيئة المراكز التخصصية/ قسم التطوير والبحث العلمي المرقم 54500 في 16/9/2021 الموجه إلى نقابة أطباء الأسنان بكافة مضامينه والالتزام بالعمل وفق الضوابط الوزارية المتضمن بعدم جواز حقن مادة الفيلر والبوتكس والميزوثيرابي أو المواد الأخرى المستخدمة في مجال التجميل مثل الخلايا الجذعية الاكزوسوم) وغيرها من المواد التي تستخدم في مجالات التجميل ومحاربة التجاعيد من قبل أطباء الأسنان كافة وحسب الضوابط".
جزء من عمل طبيب الأسنان
وتقول طبيبة الأسنان تكبير الجبوري "ليس من حق طبيب الأسنان فتح مركز تجميل، لكن من حقه فتح عيادة ويمارس عمل التجميل اللا جراحي ضمن ضوابط العمل بثلثي الوجه النصفي والسفلي الصادرة من وزارة الصحة العراقية، أما الفوضى الحالية فهي تعود إلى فتح مراكز تجميل تحت إشراف أطباء الجراحة التجميلية واخصائيي الجلدية، لكن من يعملن فيها أو يتم استئجارها من قبل عاملات تجميل غير مجازات وغير مصرّح لهن بالعمل، بل وحتى صاحبات الصالونات، لذلك عمل أطباء الأسنان قانوني ولا علاقة لهم بالفوضى الحالية".
وتوضح أن "مركز التجميل يختلف تماماً عن العيادة، حيث إن العيادة تفتح من بموافقة نقابة الأطباء، أما مركز التجميل فبموافقة وزارة الصحة، وتفتح المراكز بإجازات أطباء الجراحة التجميلية واخصائيي الجلدية حصراً، لذلك لا يحق لطبيب الأسنان فتح مركز تجميل كبير إلا في حال كان الطبيب مستثمراً وجاء بإجازة طبيب جلدية أو طبيب جراحة تجميلية".
وتضيف "أي أن المراكز التجميلية المفتوحة في العراق بصورة رسمية هي بإجازة طبيب جلدية اختصاص أو جراحة تجميلية اختصاص، لكن بعض أطباء الجلدية والتجميلية قاموا بتأجير المراكز لخبيرات وأصحاب صالونات وبدأن العمل بالحقن، ما تسبب بالفوضى الحالية".
وتشير الجبوري إلى أن "هناك تحريضاً منذ أيام ضد طبيب الأسنان وهو صادر من داخل المجال نفسه، رغم أن العمل قانوني وفق أوامر وزارية منذ عام 2018، كما تم صرف منذ ذلك الحين مبالغ تقدر بمئات الآلاف من الدولارات على كورسات وإعلانات وديكورات وغيرها، لكن توقف العمل حالياً بسبب القرار الأخير رغم أنه جزء من عمل طبيب الأسنان".
حملة على مراكز التجميل
وكانت وزارة الصحة أعلنت في 7 آيار/ مايو الجاري إطلاق حملة تفتيشية كبرى على مراكز التجميل في بغداد، وذكر بيان للوزارة، أنه "استناداً إلى توجيهات وزير الصحة صالح مهدي الحسناوي، نفذت فرق وزارية من دائرة التفتيش/ قسم المؤسسات الصحية الخاصة وأقسام دائرة الصحة العامة في الوزارة حملة تفتيشية موسعة لمتابعة مراكز التجميل في بغداد".
وقال مدير عام دائرة التفتيش، صباح نوري الخزعلي وفقاً للبيان: إن "الحملة استهدفت مراكز التجميل المنتشرة في مناطق المنصور وزيونة ضمن جانبي بغداد الكرخ والرصافة".
وأشار إلى أنه "جرت متابعة دقيقة لمتطلبات فتح المراكز من إجازات ممارسة المهنة وتوافر الشروط الصحية ومتطلبات مكافحة العدوى والالتزام بشروط تشغيل العاملين من الملاكات الطبية والصحية والشهادات الصحية لهم وصلاحية المواد والمستلزمات الطبية المستخدمة وجودة الأجهزة الطبية ومتطلبات السلامة وإجراءات الدفاع المدني".
ولفت إلى أن "مجموع المراكز التي تم زياراتها خلال اليوم الأول من الحملة بلغ 19 مركزاً للتجميل"، مؤكداً "سعي الوزارة الجاد في الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين".
شكاوى من مراكز تجميل
بدوره، زود رئيس لجنة الصحة النيابية، ماجد شنكالي، في 20 آيار/ مايو الجاري وزارة الصحة العراقية بقائمة تضم 17 مركز تجميل، للتحقق من امتلاكها إجازات فتح مراكز.
وأظهرت وثيقة اطلعت عليها شفق نيوز، موجهة من شنكالي إلى وزارة الصحة، تُطالب ببيان امتلاك هذه المراكز الـ17 لإجازات افتتاح مركز تجميل من عدمه، وتزويد اللجنة بنسخة منها.
وتعليقاً على هذا الطلب، يشرح شنكالي لوكالة شفق نيوز، أنه "تمت المطالبة بأوليات ومعلومات عن تلك المراكز هل هي مرخصة أم غير مرخصة ومن ثم متابعتها، لأنه وردت شكاوى عن البعض منها بعمل فيها أشخاص غير مختصين ويقومون بحقن الفيلر والبوتكس وغيرها".
ويؤكد، أن "وزارة الصحة من خلال دائرة التفتيش وأقسامها في المحافظات أغلقت أكثر من 100 مركز تجميل خلال 3 أشهر الماضية والعملية مستمرة، لكن هناك حاجة إلى تعاون المواطنين وتثقيف الوعي الصحي لديهم عن خطورة هذه المراكز، كما هناك صالونات للحلاقة تقوم بعمليات قريبة من التداخل اللا جراحي مثل الفيلر والبوتكس وغيرها من الأمور، وسيتم إغلاق جميع المخالفين، أما من يرغب بفتح مركز تجميل بشكل رسمي فإن أبواب وزارة الصحة مفتوحة وفق الضوابط والتعليمات السارية".
وحاولت وكالة شفق نيوز التواصل مع وزارة الصحة العراقية لغرض الاستيضاح أكثر حول آخر إجراءاتها بحق مراكز التجميل وأعداد المخالفين وقضية أطباء الأسنان في هذه المسألة، لكن دون جدوى.
ويشهد العراق خلال السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في أعداد مراكز التجميل، التي انتشرت بشكل واسع وسط إقبال كثيف من النساء والرجال، رغم رصد نقابة الأطباء العراقيين مئات مراكز التجميل "الوهمية وغير المرخصة" في مناطق متفرقة من العاصمة بغداد وحدها، بحسب بيان رسمي.
الإجازات الرسمية
ويقول نقيب أطباء العراق، الدكتور حسنين صفاء شبر، إن "هناك أعداداً كبيرة من مراكز التجميل في العراق وأغلبها غير مجازة، وحسب المعلومات المتوفرة لدي فإن المراكز المجازة رسمياً من وزارة الصحة لا تتعدى 105 مراكز، أما بقية المراكز فهي غير مجازة وتدار من كوادر أحياناً طبية وأحياناً بكوادر طبية ليس لها علاقة بالتجميل، وأحياناً من كوادر غير طبية أصلاً، ما يسبب مشكلة صحية للمواطنين وللانضباط في العمل الطبي".
وعن التخصص الذي له الحق بفتح عيادة مختصة بالتجميل، يوضح شبر لوكالة شفق نيوز، أن "الجراحة التجميلية هو الاختصاص المعني بهذا الموضوع، لكن هناك بعض التداخلات التي توصف بأنها تجميلية لكنها في الأصل ليست مخصصة للتجميل أو ليست من صميم الجراحة التجميلية لأنها أصلاً ليست جراحة بل هي تداخلات مخترقة للجلد لكنها لا توصف كجراحة تجميلية، بل المعنيون بها هم جراحو التجميل وأطباء الأمراض الجلدية".
وفيما يتعلق بأطباء الأسنان يبيّن، أن "بعض أطباء الأسنان بدأ مؤخراً الدخول في هذه المسألة، لكن هذا يحتاج إلى قرار احترافي، ونقابة الأطباء تميل مع القرارات العلمية وقرارات اللجان الاستشارية".
ويشير إلى أن "كلمة التجميل أصبحت تستخدم تسويقية لجذب المواطنين وهذا نقف ضده لأنه قد يتعرض المراجعون لتلك المراكز لمضاعفات ومخاطر صحية".
يذكر أن شابة عشرينية توفيت في 6 أيلول/ سبتمبر 2023 أثناء إجراء عملية تجميل في "منزل" غير مرخص يستخدم للعمليات التجميلية ضمن منطقة الكرادة وسط بغداد، وفق مصدر أمني أخبر وكالة شفق نيوز.
فيما كشف جهاز الأمن الوطني، في 26 كانون الثاني/ يناير 2024 عن اعتقال طبيب تجميل (أُمي) اوهم المواطنين بأنه يحمل شهادة الدكتوراه، فيما بيّن أنه قام أيضاً بورش تعليمية بهذا المجال بشكل دوري في محافظة كربلاء.
وقال الجهاز في بيان ورد لوكالة شفق نيوز إن مفارزه "في محافظة كربلاء تلقت معلومات دقيقة أكدت وجود شخص يدعّي بأنه خبير في التجميل ويحمل صفة دكتور".
وأضاف "على إثر ذلك جرى استحصال الموافقات القضائية وإلقاء القبض على المتهم، حيث اعترف بأنه أُمي ولم يتحصل على الشهادة الابتدائية، وانتحل صفة طبية بعد حصوله على شهادة وهمية عبر الإنترنت".
وتابع البيان، "بعد التعمق في التحقيق معه اعترف قيامه بتنظيم ورش تعليمية حول عمليات التجميل داخل إحدى المجمعات الطبية بشكل دوري، وقد جرى إحالته إلى الجهات القانونية المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه وفق القانون".