شفق نيوز- كركوك
يُعدّ طائر القبج، المعروف علميًا باسم Chukar Partridge، واحدًا من أبرز الطيور التي ترتبط بالهوية الكوردية، حتى أصبح الطائر القومي لدى الكورد لما يمثله من رمزية تجسّد الحرية والصمود والارتباط العميق بالجبال، لكنه اليوم يواجه خطر الانقراض لأسباب عديدة، لعل أبرزها "الصيد الجائر".
وينتشر طائر القبج في المناطق الجبلية الممتدة من الشرق الأوسط حتى جنوب آسيا، وتُعد جبال كوردستان من أهم المواطن الطبيعية له، حيث تتوفر التضاريس الوعرة والمناخ الجاف ومصادر المياه الموسمية التي تناسب طبيعة هذا الطائر، ويُشاهد عادة في سفوح جبال زاغروس وطوروس وفي مناطق دهوك والسليمانية وكركوك وأربيل وغيرها من المناطق الكوردية.
ورغم قدرته على الطيران، إلا أنّ القبج يعتمد أكثر على الجري والتسلق بسرعة مذهلة، وهو ما يجعله قادرًا على الهرب بسهولة بين الصخور والأعشاب الكثيفة.
شكله وحياته
ويمتاز القبج بحجم متوسط وطول يتراوح بين 32 و38 سنتيمترًا، ويمتلك ريشًا ذا ألوان متناسقة تجمع بين الرمادي والبني، مع خطوط سوداء وبيضاء على الجانبين، إلى جانب خط أسود مميز يمر من حول العينين إلى أسفل الرقبة. كما يمتلك منقارًا وساقين حمراوين، وهو ما يمنحه حضورًا بصريًا قويًا.
ويعتمد القبج على البذور والحبوب والأعشاب وبعض الحشرات الصغيرة. كما يتمتع بقدرة عالية على التكيف مع البيئات الجافة، ويمكنه العيش لفترات دون وجود مصادر مياه مباشرة، مستفيدًا من الرطوبة الموجودة في النباتات التي يتغذى عليها.
ويبني القبج عشه على الأرض، وغالبًا ما تضع الأنثى ما بين 8 إلى 20 بيضة في موسم الربيع. وتُعد الفراخ قوية وقادرة على الحركة فور الفقس، وهو ما يساعدها في مواجهة التحديات الطبيعية في موطنها الجبلي.
مخاوف الانقراض
وفي هذا الصدد يقول الناشط البيئي آكو عبدالله، لوكالة شفق نيوز، حول أهمية حماية هذا الطائر، إن "طائر القبج ليس مجرد كائن بري، بل هو رمز من رموز كوردستان، وإذا فقدناه فإننا نفقد جزءًا من هويتنا وبيئتنا الطبيعية. ما نحتاجه اليوم هو وعي أكبر وتنظيم حملات لحماية موائله ومنع الصيد في مواسم التكاثر".
ويمتاز القبج بحضور بارز في الفولكلور الكوردي، فهو رمز للشجاعة والكرامة، كما يُعتبر صوته الحزين جزءًا من الوجدان الشعبي. وتظهر رمزيته في الأغاني والشعر والحكايات الشعبية، حيث يُشبّه المقاتلون والأبطال بالقبج لما يمتاز به من جرأة وقوة.
كما ارتبط القبج بالأزياء والأمثال الشعبية الكوردية، وأصبح جزءًا من الهوية الفنية، إذ يُصوَّر في اللوحات التقليدية وعلى القطع الفنية التي تعكس طبيعة كوردستان.
ورغم رمزيته الثقافية، فإن القبج يُباع ويُشترى في بعض الأسواق الكوردية، لاسيما في سوق كركوك لبيع الطيور.
ومن واقع الحياة اليومية، يقول بائع الطيور سمير شواني، عن الطلب المتزايد على القبج، إن "الناس يحبون القبج لأنه طائر جميل ورمزي، وهناك من يشتريه للزينة أو للهواية. لكننا نحاول دائمًا عدم بيع الطيور التي تُصاد في موسم التكاثر حرصًا على عدم تناقص أعدادها".
في حين يوضح البائع أزاد شكور، الذي يعمل منذ سنوات في تجارة الطيور الجبلية: "كنا نرى القبج بكثرة في الجبال قبل سنوات، أما اليوم فأعداده قلت بسبب الصيد العشوائي، لذلك أصبح من واجب الجميع - خصوصًا الصيادين - أن يراعوا مواسم الحماية وأن يساعدوا في الحفاظ على هذا الطائر المهم".
ويلعب القبج دورًا مهمًا في الحفاظ على التوازن البيئي في المناطق الجبلية، فهو يساهم في نشر البذور وتقليل بعض أنواع الحشرات، كما تُعتبر وفرة القبج مؤشرًا على صحة النظام البيئي في المنطقة، إن تراجع أعداد الطائر في بعض المناطق الجبلية يعكس تدهور الموائل الطبيعية وزيادة الضغوط البشرية.
ويقول الناشط البيئي سعدون خورشيد لوكالة شفق نيوز، إن "من أهم التحديات التي يواجهها هذا الطائر الصيد الجائر باستخدام شباك أو أساليب غير قانونية وتدمير الموائل الطبيعية بفعل العمران والتوسع البشري، وكذلك التغير المناخي وما يسببه من انخفاض في مصادر المياه والغذاء، والرعي الجائر الذي يقلل الأعشاب التي يعتمد عليها القبج".
ويؤكد الناشطون على ضرورة تطبيق قوانين حماية الحياة البرية وتشجيع حملات التوعية للحفاظ على هذا الرمز الوطني.
ومع تزايد التهديدات التي تحيط به، تتجدد الحاجة إلى تعاون الجميع - من ناشطين وصيادين وباعة ومسؤولين - لحماية هذا الطائر وضمان بقائه رمزًا حيًا لجمال كوردستان وهويتها.
ويقول المختص بالحيوانات البرية رزكار غريب، لوكالة شفق نيوز، إنّ طائر القبج وهو الطائر القومي للشعب الكوردي - "يشهد تراجعًا حادًا في أعداده خلال السنوات الأخيرة، وبات يُصنَّف ضمن الأنواع المهددة بالانقراض في العديد من مناطق كوردستان".
وأوضح أن "الأسباب وراء ذلك تعود بالدرجة الأولى إلى الصيد الجائر الذي يتم أحيانًا بطرق غير قانونية، إضافة إلى تدمير الموائل الطبيعية نتيجة التوسع العمراني والزراعي، فضلًا عن تأثيرات التغير المناخي التي باتت تقلل من مصادر المياه والغذاء المتاحة لهذا الطائر الجبلي".
وأضاف غريب أن "القبج ليس مجرد طائر يعيش في الجبال، بل هو جزء من الذاكرة البيئية والتراث الطبيعي في كوردستان، ويمثل رمزًا للحرية والصمود. إن اختفاءه لن يكون مجرد فقدانٍ لنوعٍ من الطيور، بل سيكون خسارة جزء من هوية المنطقة وثقافتها".
وأشار إلى أن "الدراسات الميدانية التي أجرتها فرق مراقبة الحياة البرية تظهر انخفاضًا واضحًا في أعداد القبج في العديد من المناطق التي كانت وفيرة به سابقًا، مثل سفوح جبال زاغروس ومناطق كركوك ودهوك وبعض مناطق السليمانية، حيث انخفضت التعدادات السنوية بنسبة ملحوظة".
وتابع: "نحن بحاجة إلى تدخل فعلي وسريع، يبدأ بتطبيق قوانين الصيد بحزم، ومنع الصيد في مواسم التكاثر، إضافة إلى تنظيم حملات توعية للسكان المحليين والصيادين لشرح خطورة الوضع. كما يجب دعم برامج إعادة تأهيل الموائل الطبيعية وزراعة النباتات التي يعتمد عليها القبج في غذائه".
وأشار غريب أيضًا إلى أنّ "الصيد غير المنظم بات مشكلة خطيرة، حيث تُستخدم في بعض الأحيان شباك وطرق غير قانونية تؤدي إلى اصطياد أعداد كبيرة خلال فترة قصيرة، وهو أمر يهدد باندثار هذا النوع في غضون سنوات قليلة إذا لم تُتخذ الإجراءات المناسبة".