شفق نيوز/ لم تكن نسرين تعي أن تعرضها للاغتصاب في عمر العاشرة على يد احد أقاربها سيكون ألماً لن تستطيع تخطيه على طول حياتها.

هذا الألم الذي عاشته يُعتبر جريمة بحقها، حيث استمر قريبها الذي كان مدمنًا على تعاطي المخدرات باغتصابها طيلة فترة 8 سنوات. وبقي يهددها بإيذائها وافتعال المشاكل أمام صديقاتها، إذا ما رفضت طلبه أو حاولت مقاومته.

عندما بلغت نسرين الـ18 عامًا، قررت الذهاب إلى مخفر الشرطة وتقديم شكوى تكشف حقيقة ما فعله بها طيلة هذه الفترة، خاصة بعدما تعدى عليها بالضرب ما تسبب لها بحالة ارتجاج في الدماغ، ودخولها العناية الفائقة.

لكنها في هذه اللحظة، شعرت بخوف شديد ولم تستطع الإفصاح عن معاناتها كضحية اغتصاب، كما رفض والدها تقديم شكوى، ما أسفر عن سجن الضحية لمدة شهر واحد فقط مع وقف التنفيذ.

والآن .. وفي عمر الـ30 عامًا، لا تزال نسرين تعاني من مشاكل نفسية كبيرة، بعد أن فقدت الثقة في كل من يحيط بها، قائلة: "أعيش يومياتي على أمل أن أستفيق ذات صباح وأتحرّر من الوحش الذي انقض على جسدي طوال هذه السنوات ودمرني".

يُعرف القانون المصري جريمة الاغتصاب بمواقعة أنثى دون رضاها من خلال إيلاج العضو الذكري في عضوها الأنثوي تحت التهديد، ويعاقب مرتكب الواقعة بالسجن المشدد لمدة تتراوح بين 3 و15 عاما أو السجن المؤبد لـ25 عاما، إذا كان الجاني من أصولها كـ "الجد أو الأب " أو المتولي تربيتها كالمدرس، أو استغلال المتهم لسلطته ونفوذه لإجبار الضحية على الانصياع و فقدانها لبكارتها .

تهديد بالقتل والاغتصاب

"أنا محبوسة بين أربعة جدران" هذا ما قالته هدى، التي تعرضت قبل عام للاغتصاب من قبل شقيق زوجها، ومن ثم أُلقاها زوجها وعائلته من شرفة المنزل.

وروت هدى كيفية تجمع الناس من حولها في الحي وهي "جثة هامدة"، موضحة أن أهل زوجها رفضوا استدعاء الشرطة، وسمحوا فقط بطلب سيارة إسعاف، وأرغموها على قول إنها رمت بنفسها من الشرفة، وهددوها بحرمانها من أطفالها في حال رفضت ذلك، وقاموا بدفع رشوة لإدارة المستشفى كي لا يتم إبلاغ الشرطة بالحادثة، بحسب قول هدى.

حُبست هدى طيلة تلك الفترة، وقُطعت عنها كل الوسائل التي تصلها بالعالم الخارجي، منذ وقوع الحادث وتعاني هدي على مدار عام و3 أشهر من التهابات شديدة في رجلها المصابة ما تسبب بتآكل العظم.

وتضيف هدى: "أنا مهددة بالقتل إذا ما تجرأت وأخبرت أحدًا بما حصل معي، أشعر بخوف شديد، وكل ما أتمناه أن يُحاسبوهم قريبا على ما فعلوه ولا زالوا يفعلونه بي".

أما ماريانا التي تبلغ الآن من العمر 18 عامًا، فقالت إنها تعرضت لتحرش جنسي عندما كانت طفلة لم يتخط عمرها الـ 11 عامًا في إحدى محافظات صعيد مصر من قبل ابن عم والدها، وذلك خلال احتفال عيد ميلاد ابنته.

وتُوضح ماريانا: "كنت صديقة ابنة المتحرش بالمدرسة، وعندما دعتني لعيد ميلادها، فوجئت بوالدها يضع يديه على محيط خصري". لم تعلم ماريانا آنذاك أن ما فعله ابن عم والدها يمثل حادثة تحرش، لكنها شعرت أن الأمر مقزز. ومنذ حدوث ذلك الأمر، تحرص على الابتعاد عن المكان الذي يتواجد فيه.

قضايا طي الكتمان

وتبقى وقائع الاعتداء الجنسي على النساء من المحارم والأقارب من القضايا المسكوت عنها في مصر بسبب الخوف ووصمة العار، بينما تبحث بعض النساء عن جهة مختصة تقدم لهن الاستشارة النفسية والقانونية.

وتقدم منظمة محاميات مصريات لدعم حقوق المرأة الدعم النفسي لضحايا الاغتصاب والتحرش بواسطة أخصائيات بعلم النفس، فضلًا عن تقديم الاستشارات القانونية المباشرة، والتدخل القانوني بتقديم الشكاوى ومتابعتها، أو رفع دعاوى قضائية.

رئيسة مجلس أمناء المنظمة هبة عادل أوضحت لموقع CNN بالعربية أن "جرائم الاعتداء الجنسي تتنوع بين هتك العرض والاغتصاب، وتتوزع دائرة الاتهام ما بين الجد، والأب، والعم، والخال، والأخ، ووالد الزوج، وأبناء العمومة، وأبناء الخال، والابن "، موضحة أن النساء اللواتي يتقدمن بشكوى يتواصلن مع المنظمة لمعرفة كيفية تقديم الدعم إليهن قانونياً ونفسيا.

وتأتي بعض النساء لحاجتهن إلى الدعم النفسي نظراً للسيطرة الذكورية عليهن في العائلة وعدم قدرتهن على الإفصاح لما تعرضن له من اعتداء.

كما يفضل هؤلاء أن تبقى الشكوى التي يقدمونها سرية فضلا عن حاجة بعضهن لإجراء الكشف الطبي للتأكد من احتمال حدوث حالة حمل، وما إذا تأذى غشاء البكارة لديهن، ومدى تأثير ذلك على علاقاتهن الزوجية مستقبلاً.

وتشير عادل إلى أن غالبية الشكاوى لا تصل إلى أروقة المحاكم بسبب الضغط الذي تمارسه عائلة الضحية على المعتدى عليهن.

ويُعرف القانون المصري جريمة هتك العرض بملامسة العورة في جسد الأنثى كالثدي أو المؤخرة على سبيل المثال، أو كشف عورتها دون المساس بها أو كشف عورتها والمساس بها أو إدخال أداة حادة في عضوها الأنثوي أو فض غشاء البكارة بإصبع المعتدي. وتتراوح عقوبة هذه الجريمة بين ثلاثة و15 عامًا.

وتذكر عادل أن "غالبية الضحايا، تُوجه لهن أسرهن اللوم، ويُجبرن على عدم التحدث بسبب عدم قدرتهن على إثبات الجريمة، خاصة إذا كانت الواقعة تحرشاً أو هتك عرض"، لافتة إلى أنه "من الناحية القانونية، يُعتبر الحفاظ على الأدلة في نطاق الأسرة صعب في هذا النوع من الجرائم".

ويبقى المانع "الأدبي" كقاعدة قانونية في القانون المدني المصري عائقاً أمام الحصول على دليل مادي ملموس لإثبات وقوع جريمة الاعتداء الجنسي، بحسب ما توضحه عادل.

القاصرات هن المستضعفات

وترى عادل أن فئة الإناث الأكثر تعرضًا للاعتداءات الجنسية تتراوح أعمارهن بين 12 و30 عامًا، في ظل عدم وعي غالبيتهن أن ما تعرضن له يشكل حادثة اعتداء.

تُجبر النساء من الفئات الأكبر سنًا على السكوت عن تعرضهن للاغتصاب، كما حدث مع امرأة تعرضت على مدى سنوات لهتك العرض من قبل والد زوجها، ولكن زوجها كذّبها عندما أبلغته الأمر، فيما أجبرتها أسرتها على السكوت خوفا من الفضيحة.

تقول عادل إن ما يتراوح بين 70 و80% من شكاوى الاعتداء التي نتلقاها ، يقوم بها الأقارب والمحارم، ما يمنع الضحايا من النساء ممن تعرضن لضغوط أسرية من الوصول إلى قاعات المحاكم.

وفي بعض الحالات، تحاول الأم مساعدة ابنتها في تقديم شكوى اثر تعرضها للاغتصاب، ولكنها تواجه بالرفض من قبل الأسرة، وذلك مثلما حدث مع طفلة من صعيد مصر تبلغ من العمر 12 عاماً تعرضت للاغتصاب من قبل عمها في عام 2023 ، وعندما حاولت والدتها تقديم شكوى، رفض الأب ذلك خوفًا على سمعة العائلة، ما دفع الأم لطلب الطلاق والهروب مع ابنتها.

تترّكز غالبية شكاوى الاغتصاب والتحرش في صعيد مصر وأريافها. وتؤكد عادل أن الضغوط العائلية التي تُمارس على الضحية تؤدي لانتحار بعض الفتيات وهروب ما لا يقل عن 30% منهن من منزل عائلتهن ما يجعل هؤلاء فريسة لعمليات الاتجار بالبشر، والزواج القسري بهدف الحفاظ على سمعة وشرف العائلة.