"شلون تخلينا مع الكاولية". كانت هذه العبارة لرئيس طائفة دينية تعليقا على تصنيفي الغجر ضمن الأقليات في العراق ضمن كتاب صدر عام 2012. ومثل هذه العبارة تشي بمقدار تصنيف أفراد هذه الجماعة واحتقارها حتى بالنسبة لقادة روحانيين يمثلون هوية ايمانية عابرة للانقسام العرقي أو الإثني، مع أن التمييز والاساطير المحاكة ضد الغجر لا تقل في قسوتها عن التنميط والأساطير التي شوهت العديد من الأقليات الدينية.
تسميات واساطير
مثل التسميات التمييزية الأخرى التي تزعج الأقليات مثل تسمية "عبيد" التي تطلق على ذوي البشرة السوداء، و"نصارى" التي تطلق على المسيحيين، و"صبيبي" التي تطلق على الصابئة المندائيين. وتسمية "أقليات" بحد ذاتها كمرادف لمجموعة ذات شأن أدنى بسبب وزنها الديموغرافي العددي. فإن تسمية "كاولي/غجري" بحد ذاتها تمثل مصطلحا نافرا تحقيريا –من وجهة نظرهم- يستخدم في سياق تمييزي بالنسبة لمواطني هذه الجماعة، إذ يستحضر الى الذهن صفات سلبية تقع خارج دائرة المساواة والتوقير في مجتمع يقوم على تراتبية شديدة. وتستخدم كلمة "غجري" في جميع دول المنطقة –بما فيها العراق- لغرض الإهانة. كما تستخدم كلمات أخرى لا تقل قسوة مثل "بني عداس" في الجزائر والتي تستخدم لنعت الأشخاص المنحطين أخلاقيًا. أو "النَّور" في الأردن وفلسطين و"القرباط" و"المطاربة" في سوريا. وقد اعتقد بعض المؤرخين بأن الغجر جاؤوا من مصر (Egypt)، لذلك جاءت الكلمة الإنكليزية Gypsy
وفضلا عن تسمية الغجر الشائعة في السياق العربي، فإن تسمية "الروما" شائعة في دول الاتحاد الاوربي، وهي تستخدم لوصف جماعات فرعية من الغجر، مثل سنتي وكالي وجيتانو، التي كانت من البدو الرُحل الذين يعيشون في البلدان الأوروبية وباتت غالبيتها مستقرة هناك.
الحدث المؤسس للهوية المعاصرة
الحدث الأكبر الذي يحدد هوية الغجر المعاصرة يتمثل بالإبادة الجماعية في سياق الهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية. إذ إن بلد الفيلسوف الألماني العظيم (عمانويل كانط) قام بإباداتهم، مثل ما يقوم راهنا بلد الفيلسوف (فولتير) باحتقارهم وممارسة عنصرية مقيتة ضدهم.
وهناك تسمية خاصة للإبادة مثل تسمية الفرمان عند الإيزيديين والهولوكوست لدى اليهود هي باللغة بالرومانية Porajmos وتصف هذه التسمية المميزة التطهير العرقي للغجر من سنة 1933 حتى سنة 1945 في بولندا ورومانيا وألمانيا وفرنسا ، إذ تجاوز عدد القتلى 200 الف حسب احصاءات رسمية. ومن الجدير بالذكر إن البرلمان الأوروبي اعترف عام 2011 بأن المجازر المرتكبة بحق الغجر الروم ترقى إلى ابادة جماعية وتطهير عرقي .
في عام 2020، أصدر مقرر الأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات فيرناند دي بيانا ذكّر فيه "لثمانية عقود بعد أن قتل النازيون مئات الآلاف من الروما، كانوا ضحايا المذابح وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فإنه للأسف، فإن كراهية الروما واستبعادهم وتشويه سمعتهم لم يزل متواصلا في بقاع عدة من العالم."
من جهة ثانية، قاد أعضاء لجنة الإبادة الجماعية للروما جهودا لوضع تعريف لمناهضة الغجر/ الرّوما، فهو "يمثل مظهرا من مظاهر التعبيرات والأعمال الفردية، بل والسياسات والأفعال المؤسسية المتمثلة في ممارسة التهميش، الاستبعاد، العنف الجسدي، النيل من قيمة ثقافات الرّوما وأساليب حياتهم وخطاب الكراهية الموجه ضد الرّوما وبعض الأفراد والمجموعات الأخرى التي تعرضت للتهميش، الإقصاء أو ما يقود إلى معاملة الرّوما وكأنهم مجموعة دخيلة والربط بينهم وبين سلسلة من الآراء النمطية والصور المشوهة التي تتمثّل في شكل محدّد من العنصرية"
وزن ديموغرافي متغير ومعتقدات متحولة
على الرغم من خداع التقديرات العددية داخل العراق وخضوعها للعبة المط والتضخيم والعملقة في ضوء ثقافة تقوم على احترام الوزن العددي وليس المساهمة النوعية، فإن أعداد شعب الغجر تقدر بقرابة 12 مليون شخصا، يتوزعون في أنحاء مختلفة من العالم، يعيش 6 ملايين منهم في دول الاتحاد الأوروبي. ومئات الأف في دول المنطقة، ومنها العراق، واستطيع تقدير وجود عدة الاف من الغجر لا أكثر في الوقت الراهن بسبب التحولات السياسية العنيفة منذ الغزو الأميركي للبلاد.
من الناحية الدينية يوجد من الغجر مسيحيون (على اختلاف طوائفها) ومسلمون (على اختلاف طوائفه) ، من الذين أعلنوا اعتناقهم المسيحية أو الاسلام خلال هجراتهم عبر بلاد فارس وآسيا الصغرى والبلقان. وهم بذلك في وضع حربائي يتلون حسب البيئة المضيفة ومعتقدات المجتمع الأوسع.
في العراق على الرغم من إن غالبيتهم يمتلكون الجنسية العراقية، لكنهم مستبعدون من التمثيل الرسمي، لذا فإنهم يظلون خارج المجال العام ويعيش معظمهم في عشوائيات في أسفل سلم التراتبية الإجتماعية، وسرعان ما سيقعون، بسبب أوضاعهم هذه، فريسة للفقر على نحو يغدو فيه من السهل اجتذابهم في دوائر العنف والجريمة بسبب غياب المعيل والمحددات الاجتماعية للعمل. وهم على خلاف معظم الأقليات العراقية لا يطالبون بالاعتراف بوضع قدمهم على مسرح التاريخ المعاصر لبلدان المنطقة، إذ أنهم بالأصل خارج التاريخ، وكان وضعهم الهامشي المتنقل على الدوام يبلور هوية فريدة متحولة وعابرة، مناهضة للثبات والتمدين ومقاومة للاندماج.
في يومهم العالمي نطالب بالعدالة لهذه الأمة المنسية، وهذا أضعف الايمان.
كتابة: سعد سلوم