شفق نيوز/ تشهد الأيام الاخيرة من العام 2020، مفارقات عراقية استثنائية في ظل المخاطر المتبادلة باندلاع مواجهة عسكرية ما بين الاميركيين والايرانيين، يعاني العراق من تداعياتها، وذلك قبل حلول العام الجديد وخروج الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
ومن المفارقات ان العراق ربما يكون من بين أكثر الجهات ترقبا للعد التنازلي الجاري لخروج ترامب من البيت الابيض، وربما أكثر من الاميركيين أنفسهم، خاصة بعد التقارير التي برزت في الأسابيع الاخيرة بانه بحث مع مساعديه ومستشاريه خيارات ضرب ايران، والتحسب لاقتراب الذكرى السنوية الاولى لاغتيال قادة قوة القدس قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في بغداد في الثالث من كانون الثاني/يناير.
وبالاضافة الى هذه المفارقة، فان العراق أيضا في حالة استنفار سياسي وامني خاص، لان ترامب ارفق بحث خياراته إزاء الايرانيين، بتهديد واضح بان سقوط اي قتيل اميركي في هجوم منسوب الى ايران او القوى الموالية لها، سيواجه برد قاس. ولهذا، فانه بالنسبة الى المسؤولين العراقيين، فان استمرار محاولات استهداف السفارة الاميركية في بغداد، ليس حدثا أمنيا عاديا.
ويجد العراقيون أنفسهم في هذه المفارقات ايضا لانهم لا يستبعدون ان تكون "الساحة العراقية" هي الامثل بالنسبة الى الطرفين الاميركي والايراني، لتصفية الحسابات، وفي الوقت نفسه، لم يمكنهم حتى الان ايقاف العمل بهذه المعادلة، وهو هدف كان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ما ان تولى منصبه في ايار/مايو الماضي، قد تعهد به.
لكن شاءت معادلات معادلات الصراع الاقليمي بين طهران وواشنطن، ان تقيد الخيارات العراقية، وهنا مكمن الخوف الذي تجدد في الساعات الماضية، بعدما لوح ترامب مجددا بالرد عسكريا على الإيرانيين، بعد ايام على الهجوم الصاروخي الذي استهدف السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء، على الرغم من النفي الايراني، والمعلومات التي حصلت عليها وكالة شفق نيوز عن "الزيارة السريعة" لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني الى بغداد حيث اكد خلالها للحكومة العراقية، وخاصة لمصطفى الكاظمي، عدم إرتباط بلاده، ولا الفصائل الموالية لطهران، بالهجوم الاخير الذي استهدف السفارة الاميركية.
ويبدو انه بينما كان أسماعيل قاآني يزور بغداد، كان مجلس الامن القومي الاميركي مجتمعا لتقديم مجموعة من الخيارات والتوصيات لترامب الذي يخشى العديد من المراقبين من انه يحاول "تعقيد" مهمة خلفه جو بايدن في التعامل مع الملف الايراني، خاصة في ظل التوقعات الرائجة بأنه سيعيد العمل بالاتفاق النووي الذي خرج منه ترامب قبل أكثر من عامين.
وبحسب وكالة "رويترز، فان مسؤولي الامن القومي الاميركي اتفقوا على عدة خيارات للتعامل مع ايران لطرحها على ترامب، بحسب ما نقلت عن مسؤول بارز اشار ايضا الى ان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والقائم بأعمال وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي وغيرهم من كبار المسؤولين كانوا حاضرين خلال المناقشات بشأن إيران.
وانعقد اجتماع الامن القومي بعد الهجوم الذي استهدف السفارة الاميركية، ووسط انباء مؤكد اعلنها الاميركيون، ان غواصة نووية اميركية عبرت باتجاه الخليج، في رسالة تهديد عسكري واضحة.
وقد تلقف ترامب خبر الهجوم على السفارة الاميركية وغرد قائلا "هوجمت سفارتنا في بغداد بصواريخ عدّة الأحد"، مضيفا "احزروا من أين جاءت: من إيران. وتابع "نسمع حديثا عن هجمات أخرى ضد اميركيين في العراق.. نصيحة وديّة لإيران: إذا قُتل أميركي واحد فسأحمل إيران المسؤولية.. فكروا في الأمر جيدا".
وكانت قيادة القوات الاميركية في الشرق الأوسط نددت بإطلاق "21 صاروخًا شنّتها بشكل شبه مؤكد ميليشيا مدعومة من إيران"، مضيفة أن "الولايات المتحدة ستحاسب إيران على مقتل أي أميركي نتيجة عمل هذه الميليشيات المارقة المدعومة من إيران".
وبالامس أيضا، قال قائد القوات المركزية الجنرال كينيث ماكينزي لقناة "ايه بي سي" الاميركية "اعتقد اننا ما زلنا في مرحلة مجازفة مرتفعة المخاطر. اريد التأكيد على هذه النقطة المهمة، نحن لا نسعى الى التصعيد من جانبنا، ولا نبحث عن حرب مع ايران". لكنه اشار الى انه لا يزال يرى ان ايران والقوى الموالية لها الخطر الاكبر على المصالح الاميركية في المنطقة، لكنه اضاف "اعتقادي الخاص ان ايران لا تريد حربا مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي".
وأعلنت البحرية الاميركية الاثنين ان الغواصة "يو اس اس جورجيا" ابحرت الى الخليج، وهي خطوة اعتبرت بمثابة رسالة الى طهران. كما اشارت البحرية في توضيح لافت للنظر ان الغواصة التي ترافقها سفينتان عسكريتان، قادرة على شن هجمات ب154 صاروخ توما هوك.
ولم يقدم الجنرال ماكينزي توضيحا لنشر الغواصة، لكنه قال "هناك العديد من الاسباب لجلب الغواصة الى مضيق (هرمز) في الخليج. لكن اعلق اكثر من ذلك"، لكنه اشار الى انه عندما تبحر غواصة الى مضيق هرمز فانها "ستبحر على سطح المياه.. ولهذا بامكانكم ان تفهموا معنى ذلك".
وقال الجنرال ماكينزي ان "اطلاق اكثر من 20 صاروخا على السفارة الاميركية، هو بالتأكيد تصعيد"، مضيفا ان الهجوم "مثير للقلق" بالنظر الى انه الاكبر من نوعه منذ العام 2010. "ننظر الى الامر بخطورة ونقلنا قلقنا الى الحكومة العراقية، ونحن هناك بدعوة منهم، ولديهم مسؤولية لحمايتنا، واعتقد بالفعل انهم يأخذون المسألة على محمل الجد".
وبحسب قناة "اي بي سي"، فان الهجوم الصاروخي نفذ بعد نحو 12 ساعة على مغادرة الجنرال ماكينزي العراق حيث عقد محادثات مع القيادة العسكرية العراقية.
وتواردت معلومات جديدة حصلت عليها شفق نيوز الخميس بان جماعات مسلحة تخطط لاستهداف القاعدة العسكرية الاميركية في مطار بغداد الدولي خلال الأيام القليلة القادمة بواسطة صواريخ متطورة"، وسيكون تنفيذ العملية قبل الثالث من كانون الثاني/يناير 2021.
ومن شأن هذه المعلومات ان تعزز التوقعات التي نشرها موقع "أكسيو" (Axios) الإخباري عن أن الولايات المتحدة تعتزم إغلاق سفارتها في بغداد عقب سلسلة الهجمات بالصواريخ على المنطقة الخضراء. ونقل الموقع عن مصدرين مطلعين قولهما إن هذه الخطوة قد تشكل -من بين عدة خيارات مطروحة- مقدمة للانتقام من إيران، التي وصمها ترامب وبومبيو بأنها دولة "راعية للإرهاب".
كما كشف التقرير أن السفير الأميركي في بغداد ماثيو تويلر قد يُنقل إلى أربيل، أو قاعدة الأسد الجوية إذا غادر بغداد.
وجاءت هذه المواقف والتسريبات الاميركية في الوقت الذي اكدت طهران رفضها اتهامها بالضلوع في الهجوم. وكتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر متوجها الى ترامب "تعريض مواطنيك للخطر في الخارج لن يصرف الانتباه عن الإخفاقات الكارثية في الداخل".
وأرفق الوزير الايراني صورة لتغريدات لترامب منشورة قبل أعوام يقول فيها إن الرئيس السابق باراك أوباما كان يعتزم شن حرب على إيران لتتم إعادة انتخابه.
كما حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية الرئيس الاميركي من "خوض مغامرة خطيرة". وقال المتحدث الايراني إن "الحكومة الاميركية مسؤولة عن عواقب أي عمل غير حكيم تقوم به في المرحلة الحالية"، معتبرا "الاتهامات الاميركية تهدف للتغطية على الظروف الصعبة التي يعيشها ترامب"، مضيفا "نكرر رفضنا لاستهداف الأماكن الدبلوماسية والسكنية".
اذن، ما بين سياسة حافة الهاوية الحذرة التي يتبعها الاميركيون والايرانيون وشد الحبال القائم على الساحة العراقية، يحبس العراقيون أنفساهم من الان حتى 20 كانون الثاني/يناير 2021، موعد انتقال الساكن الجديد جو بايدن البيت الابيض، لعلها أيام فاصلة تمضي على خير.