شفق نيوز/ من المقرر إجراء
أول تعداد عام للسكان والمساكن في العراق منذ 27 عاماً يومي 20 و21 من شهر تشرين
الثاني الحالي، حيث يؤكد خبراء اقتصاديون أهميته في رسم السياسة الاقتصادية
الشاملة وخطط التنمية والتخطيط الاستراتيجي العام للدولة.
وقال المتحدث باسم وزارة
التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، لوكالة شفق نيوز، إن "التعداد
السكاني سيجري في كل العراق بما في ذلك إقليم كوردستان والمناطق ذات الاهتمام
المشترك في ذات التاريخ يومي 20 و21 من الشهر الحالي وبالطريقة وإجراءات العمل
نفسها، لكن المناطق ذات الاهتمام المشترك سوف تتأخر إعلان نتائجها قليلاً لأغراض
تدقيقية".
من جهته، ذكر المدير العام
التنفيذي للتعداد السكاني بوزارة التخطيط العراقية، علي عريان صالح، أن
"التعداد العام للسكان والمساكن يجري وفق السياقات العالمية، وهناك طريقتان
لعد السكان (النظري والفعلي)، أما في العراق فسيكون العد السكاني بطريقة (العد
النظري) أسوة بباقي دول المنطقة، أي السكان يعدون حسب مناطق تواجدهم في المناطق
التي يقيمون فيها".
وأكد صالح، خلال حديثه للوكالة،
إنجاز أكثر من 70% من إجراءات التعداد بعد إنجاز المرحلة الأولى التي هي مرحلة
الحزم الحصر والترقيم، وحالياً نحن بصدد إكمال مرحلة العد السكاني، والفرق
الميدانية متواجدة في الميدان لجمع المعلومات الأولية استعداداً ليومي 20 و21 من
الشهر الحالي لإجراء التعداد.
وأشار إلى وجود "جهات
عربية وأجنبية عدة مشاركة بالعمل، منها صندوق الأمم المتحدة للسكان كاستشاريين
ومتابعين، وهناك فريق الجودة لتقييم بيانات التعداد، ويضم هذا الفريق أكثر من 12
خبير عربي وأجنبي يتنقلون في كل محافظات العراق بما في ذلك إقليم كوردستان،
والمجال مفتوح لأي جهة عربية أو دولية".
"المتنازع عليها"
وعن ملف المناطق المتنازع
عليها، أوضح صالح، أن "هذه المناطق كان عليها جدلاً كثيراً، لكن تم حل الأمور
العالقة من خلال اجتماع رئيس الوزراء العراقي مع رئيس الجمهورية والكوادر المتقدمة
في الإقليم مع الكوادر المتقدمة في وزارة التخطيط، وخرج هذا الاجتماع بعدة قرارات،
منها أن يكون هناك باحثين من القوميات الثلاث (الكوردية والعربية والتركمانية) لعد
هذه المناطق".
وأضاف أن "إقليم
كوردستان معنا في العمل، وتم إنجاز المرحلة الأهم وهي مرحلة الحزم والحصر
والترقيم، وهم حالياً يقيمون دورات تدريبية لإكمال بقية الأعمال، أما النتائج فقد
تم الاتفاق على تأجيل إعلان النتائج النهائية للمناطق المتنازع عليها لحين مطابقة
الأرقام والمؤشرات مع تعداد عام 1957".
وتعد مسألة التعداد السكاني
في المناطق المتنازع عليها من القضايا الحساسة في العراق، حيث تسعى الجهات المعنية
لتحديد نسبة السكان من مختلف المكونات، وسط تجاذبات سياسية حول إدارة هذه المناطق
وتبعيّتها.
وفي وقت سابق، طلبت هيئة
المناطق الكوردستانية بتأجيل التعداد السكاني في المناطق المتنازع عليها، فيما
رفضت الداخلية الاتحادية الطلب، وأكدت أن التعداد سيُجرى في موعده دون تأجيل
وسيشمل جميع المكونات في تلك المناطق، بما في ذلك العرب والكورد والتركمان، كما
أشارت إلى التنسيق العالي مع إقليم كوردستان لضمان تنفيذ التعداد بنجاح.
ويثير إلغاء سؤال
"القومية" في التعداد السكاني المزمع إجراؤه في العراق، مخاوف في
المناطق المتنازع عليها، خاصة بين العرب والكورد والتركمان.
ويشعر سكان هذه المناطق بأن
هذا التغيير قد يؤثر على تمثيلهم الديموغرافي ويعزز التغيير السكاني الذي شهدته
هذه المناطق منذ أحداث عام 2017.
والهدف من التعداد هو جمع
بيانات اقتصادية وتنموية، ولا يُعتبر ذا طابع سياسي، وفقاً لوزارة التخطيط، بينما
يرى العديد من السياسيين والمواطنين أن إلغاء فقرة القومية يتناقض مع الدستور
العراقي ومطالبات المناطق المتنازع عليها بتحديد هويتهم.
ويرون أن التعداد قد يُظهر
التوزيع السكاني ويؤثر على قضايا مثل تقسيم الثروات النفطية وتوزيع المقاعد
السياسية، خاصة في كركوك.
أهمية التعداد
وأمس الخميس، شدد وزير
التخطيط في حكومة إقليم كوردستان دارا رشيد، على ضرورة عدم تسييس التعداد السكاني،
معتبراً أن هذا التعداد سيحسم حصة الإقليم في الموازنة.
وقال رشيد خلال مؤتمر صحفي
عقده في أربيل وحضره مراسل وكالة شفق نيوز، إن التعداد السكاني سيحسم حصة الإقليم
في الموازنة التي تم تخفيضها من 17% إلى قرابة 12%، فإنه سيتضح عدد نسمة السكان في
الإقليم التي ازدادت كباقي أجزاء العراق الأخرى، منوهاً إلى أن التعداد سيزيد من
تمثيل كوردستان في البرلمان وباقي المؤسسات والوزارات الاتحادية.
وكان خطيب الجمعة في جامع
الإمام "ابو حنيفة" في منطقة الأعظمية في بغداد، عبد الوهاب السامرائي،
شدد في خطبة صلاة الجمعة اليوم، على أهمية التعداد العام للسكان ودوره المحوري في
تحديد احتياجات المدن والمناطق المختلفة من الخدمات والبنى التحتية، داعياً إلى
التعاون الكامل مع إجراءات التعداد، مؤكداً أن ذلك "واجب على كل مسلم ومسلمة
لضمان حقوق الأجيال القادمة".
ويعتبر التعداد السكاني أحد
أهم أدوات الدولة في رسم سياستها الاقتصادية إن لم يكن الأهم بينها، إذ بموجب
البيانات والإحصائيات الدقيقة والشاملة الناتجة عن التعداد يتم رسم السياسة
الاقتصادية الشاملة وخطط التنمية والتخطيط الاستراتيجي العام للدولة، وهو ما يفتقر
إليه العراق، بحسب الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد
ولفت عيد، خلال حديثه لوكالة
شفق نيوز، إلى أن "التعداد الإحصائي العام يوفر البيانات الدقيقة التي تسمح
للحكومة بتطوير وتحديث سياساتها وفقاً لنتائج الإحصاء السكاني المتعلق بالقوى
العاملة ومستويات الدخل والتوزيع السكاني والتباين الاجتماعي".
وبين أن "العراق يعاني
اليوم من تهميش وإقصاء كثير من العراقيين المقيمين أو المهجرين قسراً إلى البلدان
الأخرى، حيث لا يتم احصاءهم وفق العملية الاحصائية، وهذا يعد مؤشراً خطيراً يهدد
بحدود 6 ملايين عراقي يقيمون قسراً خارج حدود البلد، ويعد هذا الرقم قوة عاملة
وثروة بشرية تم الاستغناء عنها بسبب فوضى السياسة وضعف الإدارة".
آلية الحظر
وكان المتحدث باسم وزارة
الداخلية العراقية، العميد مقداد ميري، أعلن إنه "سيتم فرض حظر للتجوال يوميّ
20 و21 من الشهر الجاري لتقييد حركة المواطنين والسيارات والقطارات بين المدن
والأقضية والريف باستثناء الحالات الإنسانية والضرورية لتسهيل حركة المكلفين
بإجراء التعداد".
ولفت ميري خلال مؤتمر صحفي،
الاثنين الماضي، إلى أن الحركة الجوية وحركة التبادل التجاري مفتوحة وغير مشمولة
بالحظر، وأن هناك توجيهاً من الأجهزة الأمنية لمساعدة الحالات الإنسانية
وتابع: "يسمح للمخولين
من الجهات الأمنية ومديرية الإحصاء والعدادين والموظفين المخولين بالتحرك وكذلك
الصحفيين والإعلاميين المخولين الذين يحملون الباجات التعريفية"، مشيراً إلى
أنه "يستثنى من حظر التجوال جميع المكلفين من ملاكات وزارة الصحة والوزارات
الأخرى ممن لديهم كتب رسمية".
وعن موعد إعلان نتائج التعداد
السكاني، قال رئيس الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، ضياء عواد،
إن الإعلان عن النتائج الأولية للتعداد السكاني في العراق سيكون بعد رفع حظر
التجوال، وذلك من خلال مؤتمر صحفي رسمي يترأسه وزير الداخلية.
وأضاف عواد في تصريح سابق
لوكالة شفق نيوز، أنه بعد الإعلان الأولي، سيتم تحديد موعد الإعلان الرسمي للتعداد
السكاني، موضحاً أن حظر التجوال يشمل المحافظات العراقية كافة بما فيها إقليم
كوردستان، ولن يتم استثناء أي منطقة أو مدينة من هذا الإجراء.
وكان العراق قد أجرى آخر
تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي
أجري دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.
وظلت البلاد طيلة السنوات
الماضية مُعتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث
غير رسمية تُعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن
عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.
وتأجل التعداد بسبب مخاوف من
تسييسه، وعارضته جماعات عرقية في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي
يسكنها الكورد والعرب والتركمان وتضم حقولاً نفطية كبرى، لأنه قد يكشف عن تركيبة
سكانية من شأنها أن تقضي على طموحاتها السياسية.