شفق نيوز/ مشاهد قد تبدو غير مألوفة للغريب عن مدينة البصرة الغنية بالنفط، فبمجرد الدخول إليها، تشاهد من على بعد كيلو مترات عن مركزها ألسنة النيران ترتفع من كل صوب، نتيجة احتراق الغاز المصاحب للنفط، بدلا من استثماره.
وتفيد التقديرات الأولية لوزارة النفط بأن العراق يمتلك احتياطياً يقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب من الغاز، حيث أن نحو 70% من الغاز العراقي هو غاز مصاحب لاستخراج النفط لمعالجته، ويحل العراق المرتبة الحادية عشر بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي.
وكان تقرير للبنك الدولي، نشر سابقا، أشار إلى وجود أربع بلدان من بينها العراق ما زالت تحرق الغاز، شملت كلا من روسيا والعراق والولايات المتحدة وإيران، مبينا أن ذلك يمثل 45% من جميع عمليات حرق الغاز عالميا لثلاث سنوات متتالية (2017-2019)".
وبحسب البنك الدولي، يجري حرق الغاز المرتبط باستخراج النفط، بسبب القيود التقنية أو التنظيمية أو الاقتصادية أو بسببها كلها، مشيرا الى ان "ذلك يؤدِّي إلى إطلاق أكثر من 400 مليون طن من مكافئ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام، وتبديد مورد ثمين، إضافة إلى أنه يُخلِّف آثارا ضارة بالبيئة من جراء انبعاثات غاز الميثان غير المحترق والكربون الأسود".
وبينما يدفع العراق مبالغ كبيرة في استيراد الغاز الطبيعي من إيران، فإنه يحرق 10 أضعاف الكميات التي يستوردها منها، وذلك بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وبهدر يصل إلى 2.5 مليار دولار سنويا.
مشاريع عملاقة
وزير النفط إحسان عبد الجبار، كشف لوكالة شفق نيوز، عن وجود "مشروع عملاق تقوده (شركة غاز البصرة) لبناء منشآت جديدة وهي قيد تنفيذ مرحلتها الأولية وهو إنتاج 400 مليون متر مكعب قياسي، وصولا فيما بعد إلى 1000 مليون قدم مكعب قياسي".
وأضاف عبد الجبار، أن "هناك مشاريع أخرى في محافظة ميسان لمعمل غاز بطاقة إنتاج 300 مليون متر مكعب قياسي، وآخر في محافظة ذي قار لمعمل غاز لإنتاج 200 مليون متر مكعب قياسي".
وينتج العراق معظم الغاز الذي يحصل عليه من النفط المصاحب بعد ان تعاقد مع شركات عملاقة لإنتاجه، في حين ما زالت الحقول الغازية الطبيعية بعيدة عن الاستثمار.
وفي هذا الإطار، أوضح وزير النفط أن "الوزارة أجرت قبل عام مناقصة جديدة للاستثمار في حقل المنصورية الغازي، إلا أن الشركات الكبرى مثل (توتال، إكسون موبيل، ايني، وشيفرون) لم تبد رغبتها في التنافس على تطوير الحقل بسبب المشكلات الأمنية"، مبينا أن "الشركات التي تتنافس على الحقل حاليا هي من المستوى الثاني".
شح المال
بدوره، رأى أستاذ هندسة النفط في جامعة بغداد، محمد صالح الجواد، أن "بناء معامل لإنتاج الغاز التي تتكون من معامل تحلية وإزالة المياه وكبس الغاز، تحتاج إلى أموال كبيرة، وبالتالي فإن الموازنة غير قادرة على تخصيص مثل هذه الأموال مما يدفع العراق للاستعانة بالشركات العالمية لبناء هكذا معامل".
وقال صالح الجواد، لوكالة شفق نيوز، إن "مشكلة بناء هذه المعامل في العراق هي ليست مشكلة تكنولوجية بقدر ما هي مالية"، لافتا إلى أن "معظم الغاز المستخرج هو مصاحب للنفط، حيث أن كل مليون برميل من النفط يتم الحصول على نصف الكمية من الغاز".
وأشار إلى أن "عملية فصل الغاز واستخراجه تتم حاليا، لكن العراق ما زال يقوم بحرق نصف هذا الغاز المصاحب".
إهمال للثروة
عضو لجنة النفط والطاقة، في البرلمان العراقي، غالب محمد، نوه بدوره إلى وجود "أسباب داخلية وخارجية تعيق استثمار الغاز في العراق"، مبينا أن "أهم الأسباب الداخلية تعود إلى أن الوزراء الذين تقلدوا منصب وزارة النفط ليسوا أكاديميين وأفكارهم سياسية وليست اقتصادية حيث يعملون على زيادة النفط ويهملون إنتاج الغاز الطبيعي".
وبين محمد، لوكالة شفق نيوز، أن "العامل الخارجي يكمن في أن دول الجوار لا تريد جعل العراق دولة منتجة للغاز وإبقاءها دولة مستوردة له، فضلا عن وجود جهات أخرى تستفاد من استيراد الغاز".
ولفت إلى أن "العراق يمتلك احتياطيات غازية هائلة سواء كان هذا الغاز مصاحبا او طبيعيا وبالإمكان في حال استثماره بشكل صحيح ان يحقق الاكتفاء الذاتي منه وحتى تصدير الفائض منه للخارج".
دولة عميقة
من جهته، أكد الخبير النفطي حمزة الجواهري، أن "هناك مشاريع كبيرة تجرى حاليا في العراق أدت لمعالجة الغاز الذي يحرق"، مشيرا إلى أن "وزارة النفط ستشرع بزيادة انتاج الغاز المصاحب للنفط بعد الزيادات المتوقعة في الانتاج النفطي خلال الفترة المقبلة، فضلا عن استثمار الحقول الغازية الطبيعية في المنصورية في ديالى وعكاز في الأنبار".
وتطرق الجواهري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أبرز معوقات إنتاج الغاز في العراق، بالقول إن "التدخلات الكثيرة من قبل بعض المتنفذين او المليشيات أو ما تسمى "الدولة العميقة"، تعيق أي مشروع تنموي بالعراق ومنها الغاز والكهرباء وإنشاء المصافي والبتروكيماويات".
وتابع أن "هناك آلاف الشركات العالمية الراغبة بالاستثمار في العراق، إلا أن هناك من يعرقل قدوم هذه الشركات لأسباب عديدة منها داخلية وأخرى خارجية".
اتفاقيات جديدة
وبعد تصاعد الاهتمام بالغاز عالميا من باب تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ارتفعت أسهم الغاز، نظرا لما يتسم به من خصائص اقتصادية وبيئية جعلته مادة أولية في صناعات مهمة، زد على ذلك خفته على البيئة مما دفع وزارة النفط للاتجاه نحو زيادة إنتاج الغاز وخاصة ان العراق يحتاج إلى الغاز الجاف لتشغيل محطاته الكهربائية الذي يستورده من دول الجوار.
ووقع العراق وعملاق الطاقة الفرنسية توتال في 29 آذار الماضي اتفاقية ثنائية في مجال الغاز تهدف لاستثمار 1000 ميغاواط من الغاز.
واكد وزير النفط رئيس المجلس الوزاري للطاقة احسان عبد الجبار، الاتفاقية ستبدأ، وتوتال ستنشئ مجمع غاز ارطاوي بطاقة 600 مقمق / يوم و على مرحلتين لكل مرحلة 300 مقمق / يوم من حقول غرب القرنة 1 ، مجنون ، بن عمر ، ارطاوي ، طوبى، صبة، لحيس".
وتشكل الاتفاقية التي تشكل عودة قوية لعملاق الطاقة توتال بعد مائة سنة من الابتعاد عن الاستثمار في العراق، تشكل خطوة مهمة في مجال تطوير قطاع الغاز العراقي الواعد.
وكانت وزارة النفط قد وقعت عقداً، في (23 تشرين الثاني 2011)، مع شركة شل لمعالجة الغاز المصاحب للنفط في الحقول النفطية الجنوبية بعد موافقة مجلس الوزراء في (15 من تشرين الثاني 2011)، على تأسيس شركة غاز البصرة التي ستتولى معالجة الغاز المصاحب للنفط من حقول الرميلة والزبير وغرب القرنة بالمشاركة بينها وشركة غاز الجنوب المملوكة لوزارة النفط بنسبة 51% وشركتي رويال داتش شل 44% وميتسوبيشي اليابانية بنسبة 5% .
غاز كوردستان
وتأسس مشروع غاز كوردستان في 2007 بموجب اتفاقية أبرمتها "دانة غاز"، و"نفط الهلال" مع حكومة الإقليم، تمنحهما حقوقاً حصرية لتقييم وتطوير وإنتاج وتسويق وبيع البترول والغاز الطبيعي من حقلي "خور مور"، و"جمجمال" في كوردستان العراق.
ويتجاوز مجموع الاستثمار في المشروع حتى الآن ملياري دولار، بإنتاج تراكمي يزيد على 332 مليون برميل نفط مكافئ.
وفي أكتوبر 2008، بدأت أعمال الإنتاج في المحطة التي بُنِيت لتشغيل المشروع في "خور مور" بفترة قياسية لم تتجاوز 15 شهراً، وفي 2009، شُكِّل ائتلاف "بيرل بتروليوم" الذي يضمُّ "دانة غاز"، و"نفط الهلال" كمساهمين انضمت إليهما لاحقاً "أو إم في"، و"إم أو إل"، و"آر دبليو إي" بحصة 10% لكل منها.