شفق نيوز/ استعانت مجلة "فورين أفيرز" الامريكية بنموذج العراق لتؤكد ان بامكان الولايات المتحدة تخفيض التزاماتها في منطقة الشرق الأوسط، من دون المجازفة بالسماح بوقوع مخاطر كبيرة تمس الاستقرار، وذلك من خلال اغتنام فرصة المحادثات السعودية - الايرانية، الخصمين الأكثر أهمية في المنطقة.
تراجع واشنطن
واعتبرت المجلة الاميركية في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز؛ انه "لا يمكن إنكار التحول في واشنطن، إذ لم يعد الشرق الأوسط اولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن تراجع واشنطن من المنطقة يتمثل في خروج القوات من أفغانستان وتخفيض الالتزامات العسكرية الامريكية في العراق والأردن والكويت والسعودية، فيما يتزايد التركيز على الصين وروسيا.
واشارت المجلة الى ان هذا التحول الأمريكي في المنطقة "يجلب مخاطر خاصة"، موضحة على سبيل المثال أن رحيل الولايات المتحدة المتسرع من العراق في العام 2011، مهد الطريق أمام صعود تنظيم داعش، وتوسيع نفوذ ايران اقليميا.
ورأت المجلة؛ أنه من اجل تجنب حدوث ضرر مشابه هذه المرة، فإن على واشنطن أن تجد طريقة "للجمع بين التخفيض في الالتزامات العسكرية وبين مكاسب الاستقرار الإقليمي"، مضيفة أن إحدى أفضل الفرص المتاحة لتحقيق هذه المكاسب تتمثل في المحادثات بين الخصمين الأكثر اهمية في المنطقة، اي ايران والسعودية.
خروج عن السيطرة
وحذرت المجلة؛ من أنه كلما تزايد احتمال خروج الصراعات الاقليمية عن السيطرة، ازداد احتمال أن تضطر الولايات المتحدة الى العودة الى المنطقة للتعامل مع العواقب".
و للتدليل على "المرحلة الجديدة الخطيرة" التي يمكن أن يدخل فيها الشرق الاوسط فيما تتخلى واشنطن عن التزاماتها في المنطقة، اشارت المجلة الى ان "حرب الظل" التي تجري بين ايران واسرائيل على صعيد الهجمات الالكترونية والاغتيالات والتخريب. كما أشارت الى دعم روسيا وتركيا فصائل القوات المختلفة بالوكالة في ليبيا وسوريا، وفي القوقاز.
وتناولت ايضا تقنيات الصواريخ والصواريخ الجديدة التي تصل الى جماعات بينها حماس والميليشيات العراقية والحوثيون في اليمن.
قفزات مفاجئة
وذكّرت المجلة أيضا؛ بقفزات التطور المفاجئة التي حققتها كل تركيا وإيران في قدرات حرب الطائرات المسيرة التي غيرت موازين القوى مثلما فعلت الطائرات التركية المسيرة في ادلب وضد مقاتلي خليفة حفتر المدعومين من العرب وروسيا في ليبيا، في حين استخدمت إيران الطائرات المسيرة لتجاوز انظمة الدفاع الجوي وضرب أهداف حساسة في السعودية.
ولهذا، تخلص المجلة إلى أن انتشار هذه التقنيات العسكرية في أنحاء المنطقة، تجعل النزاعات أكثر خطورة ولا يمكن التنبؤ بها.
تصاعد المنافسة
ومع ذلك، اعتبرت المجلة أن التنافس الأكثر خطورة في المنطقة هو التنافس بين إيران والسعودية، من بلاد الشام الى الخليج، مما أدى الى حالة "استقطاب على طول خطوط الصدع الشيعي السني والعربي الفارسي".
وأشارت إلى تصاعد المنافسة اولا مع بداية حرب العراق في العام 2003 ثم مع اندلاع الحروب الاهلية في سوريا واليمن والاتفاق النووي الإيراني العام 2015، لكن التوترات بلغت مرحلة خطيرة في العام 2019، عندما شنت ايران هجوما عسكريا على منشآت النفط السعودية.
وتابعت أن الخصمين مستمران في تنافسهما الآن في اليمن والعراق ولبنان، ومن المحتمل أن يجددا تنافسهما في افغانستان مع انسحاب الولايات المتحدة.
ثم اشارت المجلة الى المحادثات المخابراتية - العسكرية التي جرت بين السعوديين والإيرانيين في نيسان/أبريل الماضي، بعد فترة مكثفة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي انطلقت من اليمن والعراق.
استئناف المباحثات السعودية - الإيرانية
وتابعت أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي استفاد من علاقاته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومع طهران للجمع بين الطرفين، مشيرة إلى انه لم يمض وقت طويل حتى تحدث بن سلمان بنبرة تصالحية نادرة ، قائلا انه يريد "علاقات جيدة" مع إيران وانفتاحه على الحوار مع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
ولم تستبعد المجلة أنه بعد توقف مؤقت في مرحلة الانتخابات الرئاسية الايرانية، فان المحادثات السعودية-الايرانية يجب ان تستأنف مرة اخرى مع تولي ابراهيم رئيسي منصبه في ايران.
وخلصت المجلة إلى أن التقارب الناشئ بين الرياض وطهران "يوفر أفضل فرصة منذ سنوات للعودة الى الاستقرار الاقليمي في الشرق الاوسط، وان الولايات المتحدة ستستفيد بشكل كبير من الدبلوماسية المستمرة التي تحرك الجانبين في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أن واشنطن ليست موجودة على طاولة المفاوضات، إلا أنها يمكن أن تقدم دعما حاسما للعملية من خلال تزويد السعودية بالمزيج الصحيح من التشجيع والطمانينة، وذلك من اجل تحقيق هدف نهائي يتمثل في ضمان ألا يؤدي تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط الى كارثة".
وتعتبر المجلة؛ أن "لدى الرياض سبب وجيه لدفن الأحقاد مع طهران، وأن المسألة الأكثر إلحاحا، هي أن قادة السعودية يريدون انهاء حربهم المكلفة في اليمن"، مضيفا انه "مع اشتداد المنافسة بين ايران واسرائيل وتركيا، قد يسمح خفض التصعيد مع إيران للسعودية بتوسيع نفوذها من خلال لعب دور متوازن في الساحات المتنازع عليها في العراق ولبنان وسوريا".
ولفتت المجلة الى ضعف الدور السعودي في المنطقة سواء من خلال تورطها في مستنقع اليمن وتعرضها لهجمات الطائرات المسيرة وهي ايضا متراجعة في لبنان، وخسرت في الحرب السورية، وموقفها صعب في العراق منذ العام 2003.
اتفاقية مستدامة
وختمت "فورين آفيرز" بالقول إن بإمكان واشنطن أن "تساعد في تعزيز الثقة السعودية، وبالتالي تشجيع إحراز تقدم حقيقي في المحادثات، من خلال تزويد الرياض بضمان واضح انها ستدافع عن المملكة في مواجهة هجوم إيراني مباشر، ومن خلال التأكيد لإيران أنه على عكس الانسحاب الامريكي غير المشروط من افغانستان، فان تخفيض القوات سيعتمد على اتفاقية امنية مستدامة بين ايران وجيرانها العرب، وكذلك على انهاء الهجمات على السعودية". وبالاضافة الى الضمانات الامنية للسعودية، فان واشنطن ستكون في حالة وجود عسكري أصغر في المنطقة، وهو كان أحد تطلعات الإيرانيين.