شفق نيوز/ تساءل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في تقرير له نشر، اليوم الثلاثاء، عما إذا كانت الصين ستتمكن من إحلال سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط، مع قرار السعودية وإيران تطبيع علاقاتهما برعايتها، مذكّرا بأن "الحروب بالوكالة" القائمة بينهما في إطار الصراع الجيوسياسي، بما في ذلك في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تعكس تحديات أمام الدور الصيني حيث تفتقر بكين الى "الخبرة" في التعاطي مع مشروع بناء السلام.
وبعد الإشارة إلى قرار استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية الصين في 10 آذار/مارس الماضي، ثم اجتماع وزيري خارجية البلدين في 6 نيسان/ أبريل الحالي بضيافة الصين، قال تقرير الموقع البريطاني، بترجمة وكالة شفق نيوز، إن بكين تدخلت بشكل فعال حيث فشلت الولايات المتحدة في السابق، إلا أنه ما يزال هناك عدد من التحديات التي يمكن أن تقوض السلام بين الرياض وطهران، وتحد من احتمالات السلام الدائم في المنطقة، بما في ذلك تحديات الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط التي قتلت مئات الالاف من الاشخاص.
وأوضح التقرير أنه من بين أنقاض مثل هذه النزاعات، ظهرت قوى فاعلة مسلحة من خارج الدولة، وأصبح لهم رأي حاسم في مستقبل المنطقة، وبمقدورهم اما تعزيز او افشال السلام الهش بين السعودية وإيران.
وبعدما لفت التقرير إلى أن العقد الماضي شهد ضخ قوى شرق اوسطية وغربية موارد هائلة في صراعات بالوكالة عبر الحدود، قال إن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، أدى إلى تسريع هذه الظاهرة ثم تفاقمت حدة الصراعات في سوريا وليبيا واليمن بعد "الربيع العربي"، وتسببت الحروب بالوكالة الى ادخال تحول جذري في هياكل الحكم والأمن في الشرق الاوسط، مشيرا الى أن الحروب بالوكالة تميل إلى أن تكون مطولة لأنها تتيح للقوى الخارجية أن تزود القوى الفاعلة غير الحكومية بالدعم المادي مثل الاسلحة والمال، وفي الوقت نفسه تنكر تورطها في النزاع.
وفي الوقت نفسه، قال التقرير ان الاطراف المنخرطة بالصراع، في حال رأت ان مشاركتها لا تحقق لها سوى عوائد محدودة وتكاليف كبيرة، فبإمكانها ان تفكر اما في إنهاء انخراطها، أو ان تصبح أكثر استعدادا للتسوية، وهو ما يجب مراقبته اذا كان ينطبق على السعودية وإيران، مضيفا أن فكرة التسوية الدائمة هي في حد ذاتها فكرة صعبة عندما تكون هناك حروب أهلية.
كما اشار التقرير الى انه غالبا ما يتم التقليل من الآثار الأخرى للنزاعات وتأثيرها على الوعي العام والذكريات الجماعية للظلم والقمع التي تتسبب بها ، والتي تخلق مشاعر الظلم وظروف انتكاس الصراع، وهي ظروف تتيح للجهات المسلحة غير الحكومية القدرة على المرونة.
واضاف انه فيما يتعلق بالجماعات الأكثر ترسيخا، مثل "عصائب أهل الحق" في العراق و"الحوثيين" في اليمن، فإن سفك الدماء الذي اجتاح المنطقة منذ الانتفاضات العربية العام 2011، وفر الفرصة امامها من اجل تكبير صفوفها، كما أن جماعات مثل "حزب الله"، وسعت من نطاق نفوذها العابر للحدود من خلال عمليات نشر المقاتلين والإشراف عليهم في سوريا والعراق.
وتناول التقرير قوات الحشد الشعبي التي تأسست في إطار الحرب على "داعش" في العام 2014، وإلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابق) في سوريا والتي تشكلت في العام 2017 ، وقال أن الحروب بالوكالة والدعم المادي من الجهات الخارجية أمّنت لمثل هذه الجماعات الفرصة من أجل التحول من مجرد ميليشيات ركيكة الى الى اطراف لاعبة سياسيا واجتماعيا و متمرسة بالقتال و تتمتع بالموارد والانضباط التنظيمي.
وبعد الاشارة الى ان مثل هذه الجماعات بدأت في اعادة تشكيل الدولة ومؤسساتها وفقا لوجهة نظرها الايديولوجية وأهدافها السياسية، لفت مثلا الى ان قوات الحشد الشعبي حصلت على مقاعد برلمانية وتتمتع بميزانية تصل إلى ملياري دولار وتعمل كقوات رديفة للقوات المسلحة العراقية.
كما لفت التقرير الى ان الحشد الشعبي انشأ شركته التجارية الخاصة التي اقرتها الدولة بميزانية تشغيل لا تقل عن 67 مليون دولار.
وبعد الاشارة الى ان موفدين من السعودية وسلطنة عمان جاءوا الى العاصمة اليمنية صنعاء للتفاوض على اتفاق وقف إطلاق نار دائم مع الحوثيين وانهاء النزاع المستمر منذ 8 سنوات هناك، قال التقرير البريطاني أن "فكرة عملية السلام بين الدول التي تركز على إنهاء الحروب بالوكالة يمكن أن تكون مشكلة اذا حاولت تهميش الجهات الفاعلة أو الحد من قوتها ومقاومتها للتغيير، والاهم من ذلك قدرتها على العمل كمخربة" للتسويات المحتملة.
وعلى سبيل المثال، ذكر التقرير ان اسرائيل وايران منخرطتان في حروب الظل في لبنان وسوريا والعراق. وكمثال آخر، قال التقرير أن المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن المدعوم من دولة الإمارات كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية، فقد قال انه لن يكون ملتزما باتفاق يتم التوصل إليه بين السعودية وخصومها الحوثيين.
أما في لبنان، فقد أعرب كل من حزب القوات اللبنانية المدعوم من السعودية وحزب الله المدعوم من ايران، عن شكوكهما في أن يؤدي الاتفاق السعودي الإيراني الى إنهاء الجمود الرئاسي في لبنان.
السلام المعقد
وختم التقرير بالقول إنه من الصعب تصور سيناريو تقوم فيه إيران بإنهاء تعبئة حلفائها أو السيطرة عليها، موضحا كمثال انه في سوريا وحدها، قامت ايران بحشد عشرات الآلاف من مقاتلي حزب الله وغيرهم من المقاتلين من العراق وباكستان وأفغانستان ، الذين حاربوا الى جانب النظام السوري لإلحاق الهزيمة بـ مسلحي المعارضة.
ولهذا، يعتبر التقرير أن الصين وضعت مصداقيتها على المحك من خلال العمل كضامن للسلام بين السعودية وإيران، مضيفا أن الصين تتدخل في منطقة تمارس فيها القوى الفاعلة غير الحكومية، سلطة وشرعية اكبر، و بمقدورها بالتالي أن تحدد معالم السلام في المنطقة.
وحذر التقرير من أن "بكين تفتقر الى الخبرة المؤسسية وسجل الإنجاز لادارة تعقيدات بناء السلام". واعتبر أن التعامل مع مثل هذه التعقيدات من خلال المسار الطويل المدى، عبر الاصلاحات الامنية والحوكمة الرشيدة من أجل تخفيف التأثير السياسي والإنساني لهذه الجماعات المسلحة.
ورأى التقرير أن هذه الأفكار تشكل اجزاء اساسية من الانخراط الغربي مع المنطقة، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت الصين تتبع نفس هذه الرؤية.