شفق نيوز/ حذر خبيران في البنك الدولي من ان العراق مصاب بلعنة مزدوجة من خلال خليط الفساد الحكومي والقطاع الخاص المريض.
وفي تقرير لمعهد بروكينغز الأميركي، ترجمته وكالة شفق نيوز، قال الخبيران الاقتصاديان في البنك الدولي بليدي شيليكو ووائل منصور، ان لعنة الموارد تشير الى الدول الغنية بمواردها في الحصول على منافع ثرواتها الوطنية. "الدول الملعونة بمواردها" تميل الى السقوط في النزاعات والفساد والاضطراب الاقتصادي.
واشار الخبيران الى انه في دول كهذه تكون المنافسة متلاشية عندما يكون سعر الصرف الحقيقي متزايد، والحكومات تتبنى سياسات مالية مكررة، والاعتماد على السلع يتسع، ويتزايد الانكشاف أمام الصدمات الخارجية.
واعتبرا انه ربما يكون هناك لعنات اقل تدميرا من خليط الحكومة الفاسدة والقطاع الخاص المريض، وللاسف فان العراق مرتبط تماما بهذه اللعنة مثلما اظهر تقرير مؤخرا.
وذكر تقرير "بروكينغز" ان الثروة النفطية للعراق، أتاحت له ان يكون بموقع تحقيق دخل بمستوى عال – متوسط، لكن مؤسساته والنتائج الاقتصادية-الاجتماعية التي يسجلها، تشير الى بلد يتمتع بدخل منخفض وهش.
وأشار الى النمو مدفوع بإنتاج النفط وبالاستثمارات المرتبطة به، وليس بالإنتاجية. النظام التعليمي، الذي كان يوما ما في اعلى المراتب على المستوى العربي، يتموضع الان في أسفل اللائحة.
وللعراق إحدى أقل نسب مشاركة المرأة في القوى العاملة على مستوى العالم، بينما تبلغ نسبة البطالة بين الشباب 36 في المئة، ويعاني من تدهور البنى التحتية وظروف العمل، وهو يحتل احدى اعلى المراتب فقرا بين دول الاقتصاديات العالية-المتوسطة.
وقد كان للنزاعات الاخيرة كلفتها الاقتصادية الكبيرة، اذ ان مستوى الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018 كان اقل ب20 في المئة، بسبب حرب داعش.
وبعد نحو عقدين من الزمن على حرب العام 2003، ما زال العراق عالقا في فخ الهشاشة، ويواجه اضطرابات سياسية واجتماعية متزايدة. ووسط أزمات متعددة، بما في ذلك الصدمة النفطية ووباء كوفيد19، بالإضافة الى نتائج سياسات اقتصادية سيئة، والعجز عن معالجة الفساد، فان العراق يواجه الان أسوأ اداء في نموه السنوي في العام 2020 منذ سقوط صدام حسين.
واعتبر الخبيران في البنك الدولي وجود إجماع بأن النمو المستدام وخلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة للعراقيين، تتطلب كلها سلاما واستقرارا، وتقليل الاعتماد على النفط وتوجه الدولة نحو سوق يعتمد فيه بشكل اكبر على القطاع الخاص، وتعزيز الاندماج الإقليمي، وتحسين الادارة العامة لعائدات النفط.
وفي حين ان هذه الاهداف تظل قائمة من وجهة نظر تقنية، فان المحاولات المتتالية لانجازهم من جانب الحكومة والجهات المانحة، ظلت بعيدة المنال. وقال الخبيران الاقتصاديان "نعتقد بشكل أساسي، ان ذلك سببه ان البرامج الاصلاحية في العراق تعد من خارج اطار سياسي قوي".
ورأى الخبيران انه من اجل فهم الهشاشة والعنف والتطور المحدود، يفرض القيام بتحليل حذر للنظام السياسي في البلد، ولطبيعة العقد الاجتماعي والانقسامات الاجتماعية في المجتمع.
واقترحا ان السبيل الامثل للقيام بذلك هو من خلال اطار تحليلي ينظر الى ثلاثة مستويات متنافسة: بين النخب السياسية، وبين الدولة والمجتمع وبين الفئات الاجتماعية. وتطبيق هذا الاطار في دول هشة تعاني من النزاع والعنف، يساعدها على فهم لماذا لم سارت الاصلاحات الى طريق خطأ.
وبالنسبة الى العراق، فان هذه المستويات الثلاثة تحولت الى العنف في التاريخ القريب. اندلع النزاع بسبب التنافس على السلطة والموارد. والنخب العراقية استغلت الانقسامات العرقية – الطائفية، في سعيها من اجل السلطة. كما ان تدخلات خارجية كبيرة عززت خطوط الانقسام هذه وحولت العراق الى ميدان لتنافس جيوبوليتيكي اكبر.
والى جانب ذلك، فان الاعتماد الكبير على النفط، عزز الصراعات على كافة المستويات، وفاقم التنافس بين النخب، وقوض مبدأ محاسبة الدولة على مسؤولياتها امام الناس. كما ان الثروة النفطية قلصت من الحوافز من اجل تحصيل انماط اخرى من المداخيل للحكومة خاصة من الضرائب. وهذا بدوره، أضعف الحاجة الى مبدأ المساومة – المحاسبة ما بين الدولة والمجتمع والذي يشكل اساس عمليات بناء الدولة وجوهرها.
وبينما يقول 64 في المئة من العراقيين ان البلد منقسم، فان التوازن السياسي سيصبح أكثر هشاشة في السنوات المقبلة في ظل المعطيات الديموغرافية المتوفرة. ففي العراق احدى اكبر نسب الشباب على مستوى العالم وفجوة مناطقية بالنسبة الى معدلات الفقر وتقديم الخدمات. التجانس والثقة الاجتماعية منخفضة في المناطق التي تحررت من داعش، فيما ان معدلات الفقر اكبر في الجنوب برغم انها تضخ غالبية الثروات النفطية.
وفي الختام، تساءل الخبيران الاقتصاديان عما يمكن القيام به على مستوى التغير في التفكير، واشارا الى ثلاثة جوانب: اعادة تركيز سياسية تشمل كل الفئات الاجتماعية، واعادة العمل بالعقد الاجتماعي بما يعزز الثقة، واعادة النظر بالنموذج الاقتصادي ليكون اكثر تنوعا.
وسيكون التقدم في العراق بعيد المنال ما لم تقوم النخبة السياسية بتحفيز التغيير من خلال تحالف بين النخب والناس، ويصبح لهذا البلد رؤية سياسية مشتركة تعترف بالحاجة الى نظام يوفر التطور لكل العراقيين. ومن اجل العقد الاجتماعي، هناك حاجة الى بناء الثقة بين المواطنين والحكومة وتعزيز المؤسسات وتقوية انخراط المواطنين في البنى التحتية والخدمات وايجاد السبيل من اجل مناخ استثماري يخلق الوظائف للشباب. وهناك حاجة الى الاستثمار بالإنسان أولا، وتطوير البنى التحتية وتقوية المؤسسات في تقديمها للخدمات الاجتماعية للمواطنين، وتنظيم الاقتصاد الكلي وعمل قطاع الاعمال الخاص.