شفق نيوز/ تسود منطقة الشرق الأوسط حالة من الترقب الحذر تحسباً لضربة إيرانية ضد إسرائيل رداً على استهداف قنصليتها في دمشق مطلع الشهر الجاري، وسط تحذيرات من تداعيات هذا الصراع المحتمل على العراق عندما تدخل المعركة مرحلة الحرب الإقليمية ومشاركة محور المقاومة بضمنها العراقية فيها لتشكل تهديداً وجودياً لها ولإسرائيل.
وتعرضت القنصلية الإيرانية بالعاصمة السورية في الأول من نيسان/أبريل الجاري لهجوم صاروخي إسرائيلي، أسفر عن مقتل 7 من الحرس الثوري الإيراني، بينهم الجنرال البارز محمد رضا زاهدي. ولم تعترف إسرائيل رسمياً باغتيال زاهدي، لكنها لم تنفِ أيضاً مسؤوليتها عن الاغتيال.
وتتهم طهران عدوها اللدود إسرائيل بتنفيذ الضربة. وتوعد كبار المسؤولين، يتقدمهم المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، إسرائيل بـ"العقاب"، فيما شددت إسرائيل على أنها سترد على أي استهداف إيراني، بينما أكدت حليفتها واشنطن دعمها في مواجهة أي تهديد.
وعلى الرغم من الترجيحات الأمريكية العديدة أمس الجمعة، بأن ضربة الانتقام الإيرانية كما وصفت آتية خلال ساعات، مرّ ليل الشرق الأوسط على خير، ولم تنفذ طهران أي استهداف ضد مواقع في إسرائيل، "ثأراً" لقصف قنصليتها.
لماذا تأخر الانتقام؟
يعزو الخبير في الشؤون الإيرانية والإقليمية، محمد مهدي شريعتمدار، تأخر الانتقام إلى إن "إيران لا تنجرّ وراء الاستفزازات الإسرائيلية والأمريكية رغم تكرار الإعلان عن موعد الرد الإيراني على إسرائيل، وآخرها ما كان يوم أمس".
ويوضح شريعتمدار في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "إيران تدرس الموقف والنتائج المحتملة لأي عمل عسكري وتدرس الآثار التي يمكن أن تتركها هذه العملية أو الرد الإسرائيلي المحتمل على مختلف الدول والقوى في المنطقة، فهي تقوم باختيار الزمان والمكان والرد المناسب".
ويضيف، أن "إيران لا تريد اندلاع حرباً مفتوحة في المنطقة، لكنها من دول شك سترد، وهذا الرد بات وشيكاً وسيكون حاسماً وموجعاً ورادعاً، يبدأ أولاً من الداخل الإيراني ومن ثم سيكون متعدد الأطراف".
ويؤكد، أن "الكيان الصهيوني يتحمل جريمته التي ارتكبها ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، وهي لم تكن الجريمة الأولى لكن تميزت هذه الجريمة بأن الكيان اخترق كل القوانين الدولية بضربه لمقر دبلوماسي واخترق السيادتين السورية والإيرانية، وهذه الجرائم يجب وضع حدٍ لها".
ويشير إلى أن "الضغوطات الدبلوماسية الحالية لثني إيران عن الرد ليست في محلها، فأين كانت هذه الجهات حينما تم ارتكاب الجريمة؟، لماذا لم يتم منع الكيان الإسرائيلي من ارتكابها؟، بل أن هذه الجريمة لم يدينها المطالبون حالياً بعدم الرد كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية".
ويبيّن، أن "جميع الدول التي تحتضن القواعد الأمريكية في المنطقة أعلنت رفضها استخدام أمريكا لأراضيها بالتصعيد ضد إيران، كالقطر والسعودية والإمارات وتركيا".
ويتابع، "كما أن محور المقاومة وقف إلى جانب إيران وإلى جانب المقاومة الإسلامية في فلسطين، كما قام (أنصار الله) بمنع الملاحة الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى إسرائيل، فيما يقوم حزب الله بعمليات يومية ضد إسرائيل، لذلك الموقف الإقليمي والدولي جيد ويعطي الحق لإيران في الدفاع عن مصالحها".
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجّه أمس الجمعة، رسالة تحذيرية صريحة لإيران، التي تهدد بتنفيذ هجوم على إسرائيل، رداً على استهداف قنصليتها في دمشق.
ونقلت وكالة رويترز عن بايدن قوله للصحفيين: "نحن ملتزمون بالدفاع عن إسرائيل، سندعم إسرائيل. سنساعد في الدفاع عن إسرائيل، وإيران لن تنجح".
وأشار إلى أنه يتوقع هجوماً إيرانياً "عاجلاً وليس آجلاً" على إسرائيل، مضيفاً أن رسالته لإيران هي "لا تفعلوا".
وأكد البيت الأبيض، أمس الجمعة، أن تهديدات إيران لإسرائيل "موثوقة وحقيقية".
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، لصحفيين: "لا زلنا نعتبر أن تهديد إيران المحتمل، حقيقي وموثوق"، وتنوي الولايات المتحدة "بذل كل ما هو ممكن لضمان تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها".
إسرائيل قد ترد في العراق
من جهتها، تقول الأستاذة في العلاقات الدولية، د.أزهار الغرباوي، إن "لدى إيران أذرعاً ممتدة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، فالجميع شاهد كيف أصابت هجمات الحوثيين إسرائيل بالصميم خاصة بعد قطع الملاحة في منطقة البحر الأحمر وإجبار إسرائيل على اعتماد المسار البديل والذي يكلفها ويكلف الكثير من السفن الدولية الأمريكية والأوروبية خسائر كبيرة، كما اعترفت واشنطن أن صواريخ الحوثي الإيرانية الصنع، هي أقوى وأسرع من صاروخ كروز توماهوك الأمريكي".
وتوضح الغرباوي لوكالة شفق نيوز، أن "الصراع لحد الآن بعيد عن العراق، لكن عند الأخذ بنظر الاعتبار مراكز القوى المتغلغلة في المؤسسات الحكومية العراقية وخصوصاً الأجهزة الأمنية والتي هي تعتبر ركيزة إيرانية في العراق، يفسّر لنا بأن أي ضربة إيرانية تجاه إسرائيل سوف يكون رد الفعل عليها هو هجوم إسرائيلي على العراق مستهدفاً المراكز الإيرانية السابقة الذكر".
لذلك على حكومة بغداد وخاصة وزارة الخارجية العراقية - وفق الغرباوي - "إصدار بياناً تؤكد فيه موقفها من الهجمات الإيرانية بأنها لا تمثل وجهة النظر العراقية، وأن معاداة حكومة بغداد لإسرائيل وعدم اعتماد سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني كما فعلت بعض دول المنطقة يستنتج منه أن العراق متفق مع إيران في معاداة إسرائيل، وبالتالي عليه التأهب لأي رد فعل إسرائيلي محتمل رداً على الضربات الإيرانية ضد إسرائيل".
وتنوّه الغرباوي، إلى أن "إيران نجحت في شن حرب نفسية على تل أبيب ونشر الذعر بين الإسرائيليين، الأمر الذي دفع الكثير من الدول إلى سحب رعاياها من المنطقة، وبالتالي ربحت إيران حرباً نفسية قبل أن تكون حرباً عسكرية على إسرائيل".
وكان وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه نصح مواطنيه - في ظل المخاوف من تصعيد واسع - "بضرورة الامتناع عن التوجه إلى إيران وإسرائيل ولبنان والأراضي الفلسطينية".
فيما حثت ألمانيا مواطنيها على مغادرة إيران قائلة إن هناك مخاطر من تصعيد مفاجئ في التوتر الحالي بين طهران وإسرائيل.
وتحذر دول من بينها الهند وفرنسا وروسيا وبولندا مواطنيها من السفر إلى المنطقة المتوترة بالفعل بسبب الحرب في غزة التي دخلت شهرها السابع.
وكان اللواء يحيى رحيم صفوي مساعد وكبير مستشاري المرشد الإيراني، اعتبر اليوم السبت، الخوف الذي تسببت به التهديدات الإيرانية "أشد رعباً" من الحرب نفسها، مؤكداً بأن إسرائيل "تخشى وتشعر بالهلع من انتقام وصفعة إيران المرتقبة له والتي تجعلها تشعر بالندم على عدوانها على القنصلية الإيرانية بدمشق" حسب قوله.
وقال مستشار خامنئي، في مراسم تأبين اليوم السابع لمقتل اللواء محمد رضا زاهدي إثر الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق والذكرى السنوية الثالثة لمقتل العميد محمد حجازي، والتي أقيمت في مدينة اصفهان: "يخشى أعداء إيران والثورة، بما في ذلك الكيان الصهيوني وأمريكا، من رد إيران الباعث على الندم والانتقام الموعود".
وأضاف: "منذ استشهاد اللواء زاهدي ورفاقه يعيش الصهاينة في حالة الخوف من الانتقام وهم في حالة تأهب قصوى".
وتابع أن "الصهاينة يعيشون في حالة الرعب منذ أسبوع وقد أعلنوا الاستنفار وأوقفوا هجومهم المرتقب على رفح لأنهم لا يعرفون ماذا تريد إيران أن تفعله ومتى وكيف سيكون ردها، ولذلك فإن الخوف يلف الكيان الصهيوني وحماته".
وأوضح، أن "هذه الحرب النفسية والسياسية والإعلامية هي أشد رعباً للصهاينة من الحرب نفسها وقد أجبرت قسماً منهم على الهروب وقسماً آخر على النزول إلى الملاجئ في كل ليلة لأنهم يخافون من الهجوم الإيراني".
مخاوف من اندلاع حرب إقليمية
"تصاعدت وتيرة الأحداث بعد أن كانت عمليات الرد والرد المضاد تقوم على أساس حرب أمنية وعسكرية ما بين الطرفين، وكان كل طرف يستهدف الآخر دون إعلان بذلك، لكن تغير الحال بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، لأنه كان استهدافاً للأرض والسيادة الإيرانية"، وفق الباحث في الشؤون الإيرانية، د.حكم أمهز.
ويضيف أمهز خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "نتيجة لذلك اتخذت الجمهورية الإسلامية الإيرانية القرار بالرد بشكل مباشر على الاعتداءات الإسرائيلية وكسر المعادلة التي تحاول إسرائيل تكريسها باستهداف المصالح الإيرانية في الخارج مقابل وجود المستشارين الإيرانيين في سوريا، وبالتالي خرجت الأمور عن السياق الطبيعي وعن ضوابط الاشتباك بين الطرفين".
ويوضح، أن "إسرائيل قد ترد على الهجوم الإيراني المرتقب، ولكن هذا الرد سينتج عنه رد مضاد والرد والرد المضاد قد يتدحرج إلى حرب إقليمية وهذه الحرب يترتب عليها نتائج كبيرة، فلن تبقى إيران لوحدها في هذه المعركة، بل كل محور المقاومة سيكون موجوداً".
ويتابع، أن "هذه الحرب الإقليمية قد تشكل تحدياً وجودياً لمحور المقاومة وإسرائيل، في وقت أمريكا غير جاهزة للتورط بهذه المعركة لأسباب كثيرة".
ويشرح أمهز ذلك بالقول، إن "أمريكا لديها انتخابات رئاسية وأزمات حادة وانقسام داخلي يعيشه المجتمع الأميركي خاصة بعد العدوان على غزة، إلى جانب الموقف السلبي من الرئيس الأميركي جو بايدن ومن الحزب الديمقراطي، وحتى هذا الحزب منقسم، كما أن الأزمة الأوكرانية ترتب عليها انقسامات في الداخل الأوروبي والأمريكي والناتو، بالإضافة إلى المعركة التي يخوضها الأمريكي مع الروسي والصيني".
ويشير إلى أن "في حال حصول أي معركة واشتعلت المنطقة سيشكل هذا خطراً اقتصادياً كبيراً على العالم، لأن هذه المنطقة هي وسطى وحساسة، تربط الشرق بالغرب، وفيها نقل بري وبحري وجوي للبضائع والنفط وغيرها، ما سيشكل خطراً على السياسة الأمريكية، كما هناك قواعد للولايات المتحدة في المنطقة، وهذه ستكون عرضة للاستهداف في حال حصول أي معركة إقليمية".
ويبيّن، "لذلك تدرك أمريكا أن إسرائيل تحاول توريطها في هذه المعركة بأي طريقة، لأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يبحث عن إنجاز ما لرفع عنه المحاكمة التي ستكون بعد الانتهاء من العدوان على غزة، لذلك كان يسعى لتوظيف أمريكا لهذا الغرض خلال الأيام الماضية".
ويستبعد الباحث في الشؤون الإيرانية، أن تتدخل أمريكا عسكرياً بشكل مباشر بالصراع، "بل سيقتصر ذلك على تقديم المساعدات لإسرائيل وفي عملية اعتراض المسيّرات والصواريخ الإيرانية".
العراق ساحة مرشحة للتصعيد
"يمثل التصعيد الحالي بين إيران وإسرائيل إحدى أبرز المعقدات الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً وأن مثل هذا التصعيد سوف ينعكس سلباً على العديد من الساحات التي انخرطت سابقاً في الصراع بالإنابة ما بين إسرائيل وإيران ووكلائها بالمنطقة"، بحسب الأستاذ في الاستراتيجية والأمن الوطني، د.فراس إلياس.
ويضيف إلياس خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "العراق يعتبر أبرز الدول التي تواجه المخاطر وتحديات هذا التصعيد، على اعتبار أن العراق شهد العديد من الهجمات سواء من قبل الولايات المتحدة أو حتى من قبل إسرائيل رداً على ما تقوم به إيران سواء في سوريا أو على مستوى دعمها لحركة حماس بعد اندلاع الحرب في غزة، لذلك هناك خشية كبيرة بأن يكون العراق إحدى الساحات المرشحة بالتصعيد في المرحلة المقبلة".
ويشير إلياس إلى أن "هذا التوتر يأتي في وقت يزور فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني واشنطن، ويطمح من هذه الزيارة إعادة وضع العراق ضمن مسار السياسة الأمريكية في المنطقة على مستوى الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، لذلك هناك مخاطر كبيرة تكتنف وضع العراق على المستوى السياسة الدولية والإقليمية فيما لو استخدمت إيران العراق كإحدى الساحات للرد على إسرائيل".
وبناءً على ذلك، يؤكد إلياس، أن "العراق مطالب بتحييد الساحة العراقية عن هذا التصعيد بالإطار الذي يحفظ المصالح الوطنية العراقية، كما أن إيران مطالبة بتحييد الساحة العراقية عن مثل هذا التصعيد، لأن إيران من مصلحتها أيضاً أن تكون الساحة العراقية مستقرة ومن مصلحة العراق أن يؤمن المصالح الإيرانية بغض النظر عن طبيعة التفاهمات التي من الممكن أن يتوصل إليها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في زيارته إلى واشنطن".
وغادر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم السبت، العاصمة بغداد متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واصفاً زيارته بأنها "تأتي بظرف حساس".
وذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي للسوداني، أن الأخير يرأس وفداً حكومياً ونيابياً وممثلين عن القطاع الخاص، في مستهلّ زيارة رسمية بدعوة من الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن.
وأدلى السوداني، بتصريح صحفي، قبيل مغادرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، صباح اليوم، أكد فيه أن هذه الزيارة تأتي في ظرف دقيق وحساس على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك على مستوى ظروف المنطقة وما يحصل في الأراضي الفلسطينية من جرائم تجاه الأبرياء، فضلاً عن المخاوف من اتساع نطاق الصراع.
وبيّن، أن هدف الزيارة هو الانتقال بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة تتضمن تفعيل بنود اتفاقية الإطار الستراتيجي، التي تتماشى مع برنامج حكومتنا الذي يركز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية وفي سائر المجالات المهمة، وكذلك الشراكات المنتجة مع مختلف دول العالم.
كما أشار السوداني إلى أن اللقاء بالرئيس بايدن سيتناول البحث في ظروف المنطقة وما تشهده من تصعيد، والدور المشترك في العمل على التهدئة ومنع الصراع من الاتساع بما يؤثر على مجمل الاستقرار في العالم، كما يستعرض اللقاء عمل اللجنة العسكرية العليا بين العراق والتحالف الدولي، الهادفة للوصول إلى جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية مع الدول المشاركة في التحالف.