شفق نيوز / تتواصل خطوات التقارب بين السعودية وسوريا، وإن كان بحذر نسبي، بعد نحو 10 سنوات من القطيعة التي بادرت إليها الرياض، وشقيقاتها الخليجيات أنذاك، في إطار التصعيد ضد الحكم في دمشق، ما شكل تحولاً جذرياً في ما كان يسمى "العمل العربي المشترك"، ترافق مع تصاعد الاقتتال السوري الداخلي بين الدولة والفصائل المسلحة متعددة المعتقدات والولاءات.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون العراق من أبرز المستفيدين من التقارب الحاصل بين السعودية وسوريا، خصوصا وهو يعيد تموضعه، ليكون ساحة للتلاقي الإقليمي وترابط المصالح الاقتصادية، خصوصاً أن بغداد تدرك أن مكانتها في دمشق تتسم بالتقدير من جانب المسؤولين السوريين، باعتبار أن العراق لم يقطع علاقاته بسوريا، وامتنع في العام 2011 عن التصويت على قرار بطردها من الجامعة العربية، ثم أبقى على سفارته عاملة في دمشق طوال فترة الحرب.
الحلف الرباعي
وفي ذروة احتدام المعارك مع عصابات داعش، اندمج العراق بحكم مصلحته القومية العليا، في غرفة عمليات عسكرية مشتركة إلى جانب روسيا وإيران وسوريا، لتنسيق العمليات العسكرية التي تتطلب تنسيقاً متواصلاً، خصوصاً أن التنظيم الإرهابي كان يتحرك على جانبي الحدود العراقية-السورية، كما أن فصائل عراقية مسلحة عديدة، انضمت إلى القتال جنباً إلى جنب مع القوات السورية وحلفائها في التصدي لداعش وتحرير مدن وبلدات سورية عديدة.
ثمار 2011
لكن في بال المسؤولين العراقيين، أن انفتاحا سعوديا على سوريا، إذ يؤكد سلامة موقفهم الذي اتخذوه في العام 2011 بتجنب القطيعة مع دمشق، وحقق مراده منذ ذلك الوقت، إلا أنه أيضاً يعني أيضا انفتاحاً عربياً أكثر شمولاً على العلاقات مع سوريا، وهو احتمال من المفترض أن يجني العراق ثماره الآن بدرجة أكبر، حيث كان حجم التبادل التجاري بين دمشق وبغداد في العام 2010، أي قبيل الأزمة السورية، يتخطى الـ2.2 مليار دولار.
ومن المرجح بحسب اقتصاديين، أن هذا الرقم قابل للتضاعف، خصوصاً أن السوق العراقية كبرت في هذا البلد الذي يتخطى عدد سكانه الآن حاجز الـ40 مليون نسمة، ويشهد وفرة مالية كبيرة، بينما في المقابل، تبدو السوق السورية في حال إحلال سلام ولو جزئي في معظم المناطق الخاضعة لسيادة الدولة السورية، بحاجة إلى مشاريع ضخمة لإعادة الإعمار، من المرجح أن تتمكن الشركات العراقية من نيل حصة قيّمة فيها.
ويبقى الأهم من بين تداعيات التقارب السعودي-السوري، المرجح أن يتوج بحسب معلومات غير رسمية بزيارة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، أما خلال شهر رمضان الحالي، أو في فترة عيد الفطر، لتأكيد عودة العلاقات ولو على الصعيد الشؤون القنصلية.
طريق "التنمية" العراقي
كما أن رؤية العراق لـ"طريق التنمية" الذي أعلن عنه خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى أنقرة قبل أيام، لربط البصرة جنوباً بتركيا شمالاً، يمكن أن يجد امتداداته نحو الأراضي السورية ومنها إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ما يعني أن العراق بإمكانه تعزيز ارتباطه بالأسواق العالمية، وخصوصا في قطاع الطاقة، الذي سيجد منفذاً له من خلال الساحل السوري.
ومعلوم أن قبيل الحرب السورية، وقعت بغداد ودمشق اتفاقات تعاون عديدة شملت أيضا قطاع الطاقة، حيث اتفقتا على عمليات تنقيب واستكشاف مشترك عن النفط والغاز والتي برزت أولى نجاحاتها في حقل عكاز الحدودي، بالإضافة إلى توقيع اتفاقات لمد خطوط أنابيب لتصدير النفط العراقي مجددا عبر الموانئ السورية، ومنها إلى أوروبا والعالم.
ويبدو قطف العراق لثمار المصالحة السعودية-السورية مرجحا أيضاً، لأن بغداد استبقتها بخطوات عديدة لتطوير العلاقات مع المملكة السعودية التي زارها السوداني قبل 4 أشهر، للمشاركة في القمة الصينية-العربية برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ريادة عراقية
هذا التقارب مع الرياض، اكتسب بعداً إضافيا من خلال زيارة الوزير بن فرحان إلى بغداد، في 2 شباط/فبراير الماضي، والتي أعلن منها، أن المملكة كالعراق، تؤيد الاستقرار الإقليمي والتركيز على التنمية الاقتصادية لدول المنطقة، علماً أن بغداد لعبت دوراً مركزيا في كسر جليد القطيعة السعودية-الايرانية من خلال 5 جلسات تفاوض، قبيل إعلان الرياض وطهران اتفاقهما على تطبيع علاقتهما برعاية الصين في 10 آذار/مارس الحالي.
كما أن وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، وقع خلال زيارته إلى الرياض في شباط/فبراير الماضي، الاتفاقية الأمنية الاولى من نوعها منذ العام 1983، لأجل ضبط الحدود والتعاون الأمني والمعلوماتي.
وبهذا المعنى، فإن الاستفادة العراقية المحتملة من التطبيع السعودي-السوري الوشيك على ما يبدو، سيعني أن الاقتصاد العراقي سيجد ترابطاً جغرافياً مباشراً مع أسواق تضم أكثر من 100 مليون نسمة، من إيران شرقاً إلى سوريا والأردن ولبنان غرباً، من دون احتساب مصر التي يبلغ تعدادها السكاني أكثر من 110 ملايين نسمة.
الجدير بالذكر، أن البشائر الأولى للانتفاح السعودي على دمشق، تمثل في طائرة الإغاثة الأولى التي حطت في مطار حلب في 14 شباط/فبراير، بعد أيام على كارثة الزلزال، إلا أن تصريح بن فرحان خلال مؤتمر ميونيخ الأمني بعدها بأيام، وتحديدا في 19 شباط/فبراير، هو الذي أحدث المفاجأة، عندما قال: "هناك إجماع عربي على أن الوضع الراهن في سوريا يجب ألّا يستمر".
مسافة طويلة تلك التي قطعتها السعودية منذ أن أغلقت سفارتها في دمشق وسحبت كل الدبلوماسيين والعاملين فيها في آذار/مارس 2012، فيما راحت المملكة توفر دعماً مالياً وعسكرياً مباشراً لخصوم الرئيس الأسد في محاولة لإسقاطه.
كما وصل الحال بالسعودية، إلى حد أن القمة العربية التي استضافتها قطر في العام 2013، ودمشق مغيبة عنها، سمح خلالها لممثل عن المعارضة السورية المدعومة قطرياً، بالجلوس على المقعد السوري، وهو ما لم تشهده الجامعة العربية في تاريخها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحقيق انفراج سعودي-سوري، يأتي بالتزامن مع الجهود الروسية والإيرانية لإعادة الحرارة الى شرايين العلاقات المقطوعة بين الرئيس الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، ما يعني أن العراق سيكون متموضعاً في قلب منطقة المصالحات والتفاهمات الإقليمية، من طهران إلى أنقرة ودمشق والرياض، والمأمول أن يتحول إلى مكاسب على صعيد التنمية والاقتصاد.
خاص: وكالة شفق نيوز