شفق نيوز/ تناول معهد "بروكينجز" الامريكي علاقات التقارب الحاصلة بين العراق مع كل من مصر والاردن، مستعرضا شراكة قديمة، لم تدم طويلا، عمرها أكثر من 30 سنة بينهم، لكنه أكد ان التحالف الجديد يعكس مشروعا اكثر طموحا ممكن ان يتسع ليشمل سوريا ولبنان، وان الايرانيين قد ينظرون اليه بشكل ايجابي، لافتا الى مخاطر ان تحاول واشنطن التعامل مع هذا "التحالف" كأنه موجه ضد طهران.
واستهل "بروكينجز" تقريره بالاشارة الى الوساطة العراقية بين الخصمين القديمين السعودية وايران في الوقت الذي اتخذ فيه السعوديون خطوات ملموسة في السنوات الاخيرة لبناء علاقة مع العراق، مثل اعادة فتح حدودهم في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي للمرة الاولى منذ العام 1990.
وجاءت هذه التطورات في وقت كان العراق يعمل ايضا على اقامة شراكة اقليمية مع دولتين عربيتين اخريين هما مصر والاردن، واستضافت بغداد قمة اواخر يونيو/حزيران حضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الاردني عبد الله الثاني، وهي المرة الرابعة التي يلتقي فيها قادة الدول الثلاث معا منذ اذار /مارس 2019، والمرة الاولى على الاراضي العراقية، بالاضافة الى انها اول زيارة لرئيس مصري الى العراق منذ اكثر من 30 عاما.
وبعدما اشار الى تحالف يجمع بين زعماء فريدين، الا انه اعتبر ان العراق كان يتمتع تاريخيا بعلاقات اقتصادية مهمة مع كل من مصر والاردن، وان الدول الثلاث اجتمعت الى جانب اليمن الشمالي، في شراكة قصيرة العمر تسمى "مجلس التعاون العربي" من العام 1989 الى العام 1990.
واوضح ان العلاقات الاقتصادية بين العراق ومصر والاردن تعود الى ثمانينيات القرن الماضي خلال الحرب الايرانية العراقية، حيث كان الاردن شريان الحياة الاقتصادي للعراق في ذلك الوقت، من خلال تحوله الى قناة للواردات وصادرات النفط عبر ميناء العقبة، فيما تلقى الاردن دعما نفطيا كبيرا من العراق. واضاف ان "الملك حسين كان اقرب حليف للديكتاتور العراقي صدام حسين في ذلك الوقت، وكان يزور بغداد في كثير من الاحيان اثناء الحرب".
اما على الصعيد المصري، فقد انتقل اكثر من مليون مصري الى العراق خلال الثمانينيات للعمل في الوظائف التي اصبحت شاغرة بسبب التجنيد الجماعي للعراقيين في الجيش، ما جعل العراق اكبر مصدر للتحويلات المالية في مصر.
وبعد نهاية الحرب، شكلت الدول الثلاث التي انضم اليها اليمن الشمالي مجلس التعاون العربي، وكان لكل منها دوافعها السياسية للانضمام الى المجلس، مضيفا ان ان هذه الدول الحليفة أرادت تحقيق التوازن ضد مجلس التعاون الخليجي، الذي تقوده السعودية، وكان صدام حسين مدينا للسعوديين بقروض بمليارات الدولارات من الحرب، بينما كان لدى عمان وصنعاء مخاوفهما بشأن التوسع السعودي والتدخل في شؤونهما الداخلية.
واشار الى ان التعاون الاقتصادي كان يمثل دعامة مركزية لتشكيل المجلس العربي الذي تم تصويره كآلية لتعزيز التجارة بين الدول الاعضاء ولتسهيل حركة الايدي العاملة، خاصة من مصر والاردن الى العراق.
وما ان انطلق مجلس التعاون العربي حتى انهار بسبب غزو صدام للكويت في اغسطس/آب 1990. وتابع التقرير انه حتى خلال مرحلة التسعينيات عندما واجه العراق نظام العقوبات الدولية، استمرت التجارة بينه وبين مصر والاردن، وظل العراق ثاني اكبر سوق تصدير بالنسبة الى مصر بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للامم المتحدة، في حين بقي الاردن معتمدا على النفط العراقي، وذلك بموافقة من الولايات المتحدة. لكن الملك حسين انفصل بعد تردد عن "صديقه القديم" صدام عندما وافقت واشنطن على الترحيب بعودة الاردن كحليف وثيق.
واعتبر التقرير انه "لم يكن مستغربا ان تكون مصر والاردن من بين الدول العربية الاولى التي اقامت علاقات مع العراق الجديد بعد الغزو الامريكي في العام 2003"، مشيرا الى انه في العام 2005، اصبح رئيس الحكومة الاردني عدنان بدران، اكبر مسؤول عربي يزور العراق منذ الغزو. بعد ثلاث سنوات ، كان الملك عبد الله اول زعيم دولة عربي يزور بغداد. كما اعادت مصر والعراق العلاقات التجارية بينهما في العام 2004، وفي العام الذي تلاه، ارسلت مصر سفيرا الى بغداد، على الرغم من ان الدبلوماسي المصري اغتيل على يد تنظيم القاعدة بعد اسابيع قليلة على وصوله، بالاضافة الى ان السفارة الاردنية في بغداد كانت من بين المواقع الاولى المستهدفة من جانب تنظيم القاعدة.
الا ان تطوير العلاقات الاقتصادية للعراق مع مصر والاردن، تعثر بشكل كبير في ظل الحرب الطائفية ثم صعود تنظيم داعش، لكن في السنوات الاخيرة، اتخذت الدول الثلاث مرة اخرى خطوات لافتة لاعادة تنشيط العلاقات الاقتصادية. وفي العام 2017، بدأت مصر في تلقي النفط من العراق، بعد ان قطعت السعودية امداداتها النفطية، كما بدأ الاردن في تلقي النفط العراقي في العام 2019.
منذ عام 2017 على الاقل، وضعت الدول الثلاث تصورات لتنفيذ مشروع مشترك رئيسي للطاقة، يربط حقول النفط في البصرة بميناء العقبة عبر خط انابيب، يمكن ان يمتد ليصل الى مصر. كما ان العراق كان يراهن على الشركات المصرية والاردنية من اجل تنفيذ مشاريع اعادة الاعمار الضخمة التي سيحتاجها للتعافي من اربعة عقود من الحروب. وهناك خطط لربط العراق بالاردن وشبكات الكهرباء المصرية لتقليل اعتماد العراقي على الكهرباء المصدرة من ايران.
الا ان "بروكينجز" اشار الى ان البلدان الثلاثة تعاني من ضائقة مالية، وهو ما يشكل تحديا كبيرا لطموحاتها. ولفت الى اتفاق مصر والعراق على مبادلة النفط العراقي بمساعدات اعادة الاعمار المصرية، لكن على المدى الطويل، ستحتاج الدول الثلاث الى ايجاد مصادر تمويل من جهات خارجية.
ورأى التقرير انه "بينما يتجه العراق الى الانتخابات في الخريف المقبل، يبدو ان غالبية قياداته متحمسة للوعود الاقتصادية للشراكة".
وذكر التقرير أن التعاون الاقتصادي هو القوة الدافعة وراء تشكيل التقارب بين العراق ومصر والاردن، ولكن كما في العام 1989، كل واحد من الثلاثة لديه حافز سياسي لهذا التقارب، اذ يريد العراق تنويع علاقاته الاقليمية خارج اطار العلاقة مع ايران، وان كان من المهم التأكيد على ان بغداد لا تهدف الى تطوير علاقاتها مع جيرانها العرب على حساب علاقتها مع طهران، مؤكدا ان "العراق يريد علاقات ودية" مع ايران والجيران العرب.
ولفت التقرير الى ان "الايرانيين قد ينظرون بشكل ايجابي الى التعاون الاقتصادي العراقي مع مصر والاردن، اذ سيكونون مستقبلا قادرين ايضا على الاستفادة اقتصاديا".
وعلى العكس من ذلك اشار التقرير الى انه "اذا سعت مصر والاردن، وكذلك الولايات المتحدة، الى استخدام الائتلاف كوسيلة لعزل ايران، فان طهران ستثير المشاكل بلا شك". واضاف "سيعتمد المدى الذي قد يسمح لايران بالاستفادة منه في نهاية الامر، على نتيجة المفاوضات الجارية مع ادارة بايدن".
اما مصر والاردن فتريدان تقليل اعتمادهما على السعودية، اذ انه بالنسبة للاردن، تعد هذه مسألة ملحة بعد تقارير عن تورط السعودية في مؤامرة لزعزعة استقرار المملكة الاردنية واستبدال الملك عبد الله بولي العهد السابق الامير حمزة.
ورأى "بروكينجز" ان التحالف الجديد سيعطي الاردن ومصر والعراق، "نفوذا اكبر تجاه المملكة السعودية ودول الخليج الاخرى".
الا ان الهدف السياسي الاكثر اهمية، وان كان لا يزال ضمنيا، بحسب التقرير الاميركي "توفير وسيلة على المدى الطويل لاعادة تأهيل سوريا".
واشار في هذا السياق الى ان قادة الدول الثلاث بدأوا في تسمية تحالفهم باسم "الشام الجديد"، حيث ان الشام كما هو متعارف عليه هي دمشق او سوريا بمعناها الاوسع. واضاف "لا يمكن ان يكون هناك شام جديد بدون سوريا".
ولم يكن من المستغرب ان تعلن مصر والعراق والاردن ان الشراكة الجديدة "ستكون مفتوحة لدول اخرى في المنطقة، دون تحديد اي منها".
واستعاد التقرير تجربة مجلس التعاون العربي القصيرة العمر، والتي كانت الدول الاعضاء فيه لا تعتبر ان "شراكتهم حصرية" وهي بالتالي مفتوحة امام اخرين حيث كانت هناك توقعات بان سوريا ولبنان ربما تنضمان في مرحلة ما.
وختم التقرير بالقول تقارب إن مصر والعراق والاردن هو من جوانب عديدة احياء لمجلس التعاون العربي القديم الذي تعطل لمدة 30 عاما بسبب عدم الاستقرار والحرب في العراق.
وبعدما اشار الى ان الولايات المتحدة رحبت بهذه الشراكة المتنامية لثلاثة من شركائها المقربين في المنطقة، قال "بروكينجز" انه "ينبغي ان تستمر في دعمها".
واضاف انه على المدى الطويل، اذا تمت دعوة سوريا ولبنان للانضمام، فسيكون الدعم الامريكي "معقدا" بسبب استمرار بشار الاسد في السلطة. وتابع انه برغم ذلك، فانه يمكن للمشروع الجديد ان يعمل كوسيلة للقيام باعادة الاعمار الهائلة المطلوبة في سوريا وتقليل البؤس الاقتصادي الكبير للناس هناك وفي لبنان ايضا.
واكد التقرير انه "بعد عقد من الحرب في سوريا، واربعة عقود من الحرب في العراق، لم تكن هناك حاجة اكبر الى رؤية جديدة للمنطقة، وقد تكمن نواة البداية الجديدة في شراكة اقتصادية تم اطلاقها لاول مرة منذ اكثر من 30 عاما".