شفق نيوز/ كتب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش قصيدة لنظيره العراقي سعدي يوسف، قال فيها "ليل العراق طويل". أما يوسف فكتب في قصيدته "رؤيا"، ان هذا العراق سيصل إلى نهايات المقبرة، سيدفن أبناءه في بلاد مفتوحة، جيلا بعد جيل، ويغفر لطاغيته.
هكذا استهل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا له تحت عنوان "شوارع العراق مليئة بذكريات موتانا" وترجمته وكالة شفق نيوز؛ مشيرا إلى انه مضى أكثر من عقدين على كتابة الراحل سعدي يوسف لتلك السطور في العام 1997، وما زال العراق يدفن أبناءه جيلا بعد جيل.
ويشير التقرير الى ان العراق، بلاد ما بين النهرين، عطشان، والتيار الكهربائي منقطع أيضا، ومولدات الديزل الخاصة تزأر في الليل، في حين أن الهدوء الذي كانت تتسم به أزقة بغداد، وكان يسمح لسكانها بالنوم خلال ليالي الصيف الحارة على أسطح المنازل، انتهى منذ فترة طويلة، كما انتهى ايضا الأمان الذي مكنهم من القيام بذلك منذ زمن بعيد.
وتابع "في الازقة الكئيبة، تبكي الأمهات المعذبات على أبنائهن الذين فقدوهن، تصل الانباء عن الموت". واوضح انه "خلال الليل، تأتي التقارير حول الغارات الجوية وهجمات الإرهابيين والضربات الصاروخية للميليشيات". واشار الى ان هذا الانفلات والفشل القاتل هو ما يدفع الشبان اليائسين الى الانتحار شنقا او القفز عن الجسور في البلدات التي نادرا ما تظهر على شاشات تلفزيون الغرب، على الرغم من انها نفس البلدات التي قصفتها جيوش الغرب.
واعتبر التقرير؛ أن فكرة النشأة في العراق أمر يثير الصدمة، وحياتك ستكون مهددة اذا كنت كاتبا عراقيا. واضاف انه في عراق اليوم، فإن أولئك الذين لا يرضون حياة العيش على الفتات وابتعدوا عن القطيع، يتم قتلهم "في وضح النهار واعدامهم من قبل مسلحين مجهولين أمام عدسات كاميرات المراقبة على عتبات منازلهم".
وانتقد التقرير فكرة ان "العراق هو وجهة يحلم بها العديد من الانتهازيين الغربيين الذين يسيل لعابهم إزاء آفاق الانفتاح في جنوب العالم"، موضحا "أننا كبشر، لسنا فقط ادنى مرتبة، وغير قادرين على السفر والعمل في بلدانهم بسهولة، ولكننا أيضا غير قادرين على إيجاد فرص متساوية على أرضنا".
غريب في بغداد
وتابع التقرير؛ أن شوارع بغداد لم تعد مألوفة" وتشعر كعراقي انك كالغريب فيها، حيث يزداد ثراء رجال الميليشيات والمحتالون من أصحاب البدلات الراقية، فيما الشبان المقتولون يحدقون من اللوحات الاعلانية على الناس الأحياء الذين سيتبعونهم قريبا الى مقبرة النجف، اما في توابيت او برفقة اقاربهم او اصدقائهم، مضيفا ان "كل ذلك بفضل مجرمي الحرب من أمثال دونالد رامسفيلد".
وأضاف "كم كنا سعداء وساذجة وجوعى أمام كنعان مكية ورفاقه وهم يرقصون على قصف العراق"، مشيرا الى "اننا كنا غافلين عن حرب كانت ترفع منجلا على بوابات العراق، لجحافل من كتاب الأعمدة في نيويورك الذين كانوا يروجون للحرب والمشهد الوشيك للألعاب النارية في سماء بغداد".
قنابل بلا نهاية
وانتقد التقرير من أسماهم "أبناء وبنات فرسان الديمقراطية في المنطقة الخضراء الذين قاموا بتزيين أشجار عيد الميلاد الخاصة بهم في الخارج بينما كنا نتضور جوعا في ظل عقوبات الأمم المتحدة التي شكلت ابادة جماعية"، مضيفا ان هؤلاء "لديهم ذكريات طفولة وردية" في بغداد، ولم يسمعوا اصوات القصف "التحريري" الذي شوه وجه بغداد.
واشار الى انه بعد ان اعلن الرئيس الامريكي السابق جورج بوش "انجاز المهمة" في العام 2003، "كانت اخبار مأساوية في العراق، تاتي كل يوم، واصبحت صور النساء اللواتي يضربن صدورهن حدادا على الأبناء الممزقين في الشوارع ظاهرة باستمرار على شاشات التلفزيون".
وتابع التقرير ان المنازل الانيقة التي لديها حدائق فاتنة باشجار نخيل والزيزفون، اختفت جنبا الى جنب مع وجوه الناس المألوفة، وأنه بدلا من كل منزل، ظهرت شقق قبيحة وهو ما يمحو الهوية المعمارية للمدينة، ويزيد العبء على شبكات المياه والكهرباء.
وختم بالقول "من المؤلم ان ان تكون عراقيا. حتى شوارع الذكريات، مليئة بأجساد موتانا"، مضيفا ان العراق "ما زال يدفن أبناءه جيلا بعد جيل".