شفق نيوز/ "إتهمونا بالبدع والشرك، صادروا ممتلكاتنا بعد أن أجبرونا على تغيير سجلاتنا وحقل الديانة، قتل بعضنا وهجّر الكثير ممن فقدنا الاتصال بهم ولا نعلم كم بقي منا"، هكذا بدأ ( ر.س) ذو الـ( 34) عاما حديثه عن البهائية وحال بقيتها في العراق.

وكغيرها من الاقليات لم تسلم البهائية من القمع والاضطهاد ومنذ الاعلان عنها في سنة 1844م، فقد واجهت سيلا من الضغوط وصل اوجها في العام 1970عندما اصدرقانون تحريم النشاط البهائي رقم (ِ105) لسنة نفسها، وأشتمل على عدة قرارات نشِرت في الجريدة الرسميّة العراقيّة، حظرت على أثرها الديانة البهائيّة وجرد أصحابها من جميع ممتلكاتهم حيث سجن بعضهم واعدم اخر وفقد الكثير منهم في تلك الفترة.

تغيير السجلات

يقول( ر.س)، نقلا عن والديه اللذان شهدا احداث قرار حظر البهائية في بغداد خلال سبعينيات القرن الماضي: "على مضض غيّر جميع افراد العائلة انذاك سجلاتهم الرسمية واستبدلت الديانة من بهائي إلى مسلم، والقليل من العوائل استطاعت أن تفلت من تغيير سجلاتها عبر مغادرة البلد أوالهرب إلى مدينة اخرى، فقدت توزعوا في أغلب محافظات العراق، إلا أن ذلك لم يمنع من بقي منهم أن يمارس طقوسه بعيدا عن (المحفل)، ولكن بطرق أقرب إلى السرية وعادة ما يتم التحفظ على اظهار اي نشاط فردي او جماعي يخص البهائية امام الملأ".

وبحسب تقرير لمؤسسة "مسارات" للتنمية الثقافية والاعلامية فان البهائية من الاقليات المحرومة من حق المشاركة السياسية، حيث اشارت الى ان"قرارات تحريم النشاط البهائي ماتزال سارية منذ زمن حكم البعث ولحدا لان ولميتم الغاءها".

ويشير ( ر.س)، المولود في بغداد والذي اضطر لمغادرتها في العام 2004 الى مدينة السليمانية، "طوال الثلاثين عاما الماضية غادر العراق الكثير من البهائيين الى مصر، لبنان وفلسطين والى اوربا لاسباب كثيرة منها ما يتعلق بالمضايقات واخرى بحثا عن العمل، وفقدنا الاتصال بالكثير ممن نعرفهم".

في ظل انفلات الأمن

عن العوائل التي بقيت في العراق واعدادهم يردف قائلاً: "عاش العراق ظروفا استثنائية صعبة كان اشدها انفلات الامن في العشر سنوات الاخيرة، هذا ما جعلنا نفقد الكثير ممن نعرفهم، والان لا اعرف عددا محدداً لمن بقوا في العراق، البهائيون يتعايشوا مع الجميع ولا مشكلة لديهم مع الانسان مهما كان لونه او عرقه او دينه، انصهروا بالمجتمع لكننا نخشى ان ينتهوا الى النسيان".

وبحسب الباحث في شؤون الاديان شاكرمحمود فان اتباع الطائفة البهائية في العراق على الانقراض، إذ لم يتبق منهم في عموم البلاد سوى اعداد قليلة لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة. ويعيش هؤلاء بصفة سرية لايعلم احد عنهم شيئا، وسبق ان كان لهم قبل اكثر من 180عاما محفلين في بغداد احدهما في جانب الكرخ بالقرب من حمام الصفا للرجال في منطقة علاوي الشيخ صندل في شارع حيفا، والأخر في منطقة القصرالابيض بالباب الشرقي.

وفي العاصمة بغداد تعيش عدة عوائل بهائية لا يمكن معرفة اعدادهم بدقة بسبب شح المصادر فضلا عن عدم وجود إحصائية حكومية، خاصة وان الكثير منهم قد اجبر على تحويل سجل ديانته من البهائية الى إحدى الديانات الإبراهيمية الثلاث وكان ذلك تبعا لقرارالعام 1975 والذي نص على منع اصدارأوراق ثبوتية للبهائيين.

كثرة الضغوط

عن الوضع الاجتماعي للبهائية التقينا بـ (م.ح)، ذات 28 عاما، بهائية من جذور بغدادية، تقول "لكي اكون منصفة لايستقبلني الجميع بصدر رحب، يمكنني القول بأن اكثرالشباب من عمري متفهمون لكن هناك من يعارضو هذا لايعني بأن المجتمع يرفضني! هنالك مشكلة يواجهها حتى المسلمين اوغيرهم وهي فكرة تقبل الاخر، علينا ان نستمرفي العيش كبشر نحن من فئة واحدة مهما كنا مختلفين. قد يواجهني موقف من البعض بسبب ديني، هناك نساء غيري يواجهن موا قف متعصبة بسبب كونهم نساء، الموضوع يكمن في انعدام ثقافه تقبل الاخر، ان وحدتنا تكمن في تنوعنا".

ووفقا للقيادة البهائية، فان العراق موطن لأقل من 2000 بهائي، منتشرون في جميع أنحاء البلاد. وفي العام 2007 ألغيت وزارة الداخلية قرارعام 1975، ولكن الى الآن لم يستخرج سوى 6 أو 7 بهائيين أوراقا ثبوتية مدرج فيها ديانتهم، ولم يتمكن الذين غيروا سجلاتهم الى"مسلم" بعد العام 1975 من تعديل بياناتهم.

تضيف (م.ح) ان "البهائية دين عالمي مستقل هدفه وحدة الجنس البشري وله كتبه وشرائعه ونظمه الادارية وكذلك اماكنه المقدسة، وينتشرالبهائيون اليوم في اكثرمن235بلدا، وتشتمل العائلة البهائية العالمية على أصول ادينية مختلفة تنتمي الى اجناس واعراق وشعوب وقبائل عديدة وتعترف دول كثيرة بالبهائية".

وعن علاقة البهائية بالديانات الاخرى تابعت ،"نظرتنا للديانات الاخرى نستمدها من مبادئ البهائية وهي ان اساس الاديان الالهية واحدة, وجوهرها هو عرفان الله وعبادته ولذلك نحن نؤمن بجميع الاديان السماوية "كلكم اثمارشجرة واحدة واوراق غصن واحد".

وجود البهائية صار أمرا واقعا

وللعراق نصيب من حديثها ، "بلدي وطني، أهلي وبيتي الذي نشأت وتربيت فيه قدملي الكثير والانجاء دوري لكي اقدمله ما يمكنني فعله، فأنتمائي لهذا البلدي حتم عليَ القيام بخدمة مجتمعي..العراق متنوع الاديان والالوان والاعراق وهذه سمة تجعله قويا ،نحن اقوياء بدورنا ايضا".

يرى البهائيون انهم ينتمون الى العراق ولا يتوقعون انهم الوحيديون الذين تعرضوا للاضطهاد او تغيب دورهم السياسي كما تخبرنا (م.ح) ،"البهائيون هم جزء من هذا الشعب يصيبهم مايصيبه، من منا لايشعر بالاضطهاد كل الطوائف تعرضت للاضطهاد،. كل ما نحتاجه ان تكون هناك عدالة أكثر، عدالة ومساواة على اساس الانسان، وليس على حساب المعتقد والدين او الحزب".

وتضيف: "كبهائيين لانفكر باننا فئة مميزة اومحددة تحت رعاية او تمييز معين بالاخص في وضع وظروف صعبة كالتي يعيشها العراق، كافة ابناء الشعب يعاني سواء من قلة الخدمات او من الازمة الاقتصادية اوالحرب ضد داعش".

وبحسب من التقيناهم، فان البهايئين لايختلفون كثيرا عن الديانات الابراهيمية ويتفقون في كثير من التفصيلات الدينية والتزاماتها الاخلاقية وبالرغم ان من لا يعرفهم قد يرى غير ذلك الا انهم منفتحون على غيرهم كما تفيد(م.ح): "مواقف كثيرة تحصل عند معرفة الاشخاص اوسماع الاصدقاء بأني بهائية لكن هناك موقف مع مديرتي في المتوسطة حيث لم تكن في حينها تعرف عن البهائية وكانت تتوقعان ديانتنا لاتعترف ببقية الاديان لكن عند معرفتها انا بهائية تؤمن بجميع الاديان غيرموقفها وطريقة تعاملها معي وحتى اصبحت هنا كعلاقة صداقة بيننا وبين الأهل".

لم يتغير شيء

بعد تغير نظام الحكم في العراق في العام 2003 لم يكن هناك أي توجه فعلي من قبل الحكومة العراقية لحماية، وضمان حقوق البهائية على الرغم من نص الدستور العراقي الجديد في المادة 40 منه على حرية المعتقد والديانة كماجاء في مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان.

ووفقا لاراء من التقيناهم من البهائية، يبدو ان نسبة كبيرة من الشعب العراقي لا يعرف من هم البهائيون، الامرالذي ينذر بخطر اقترابهم نحو النسيان او الانقراض، اذ يخشى الكثير من البهائية من طمس هويتهم الدينية في العراق واتجاهها نحو الانقراض، خاصة مع تهميش دورهم السياسي حيث لم يكن لديهم تمثيلا في البرلمان ولعدم امتلاكهم أي وسيلة اعلام جماهيرية مقارنة ببقية الاقليات ما خلا عدد ضئيل من صفحات الفيس بوك.

أحمد هادي