شفق نيوز- بغداد/ بابل/ كربلاء
لم يبقَ سوى 13 يوماً على انطلاق العام الدراسي الجديد 2025-2026 في العراق، وسط استعدادات مكثفة يشهدها القطاع التعليمي على مختلف المستويات، تشمل تهيئة المباني المدرسية، وطباعة المناهج، وتسوية الملاكات التعليمية والتدريسية، وغيرها من التحضيرات، لكن بالمقابل، فإن بعض "السلبيات" تسيطر على المشهد.
ومع بدء العد التنازلي، تبرز تحولات لافتة، من بينها إطلاق مدارس ذكية في تجربة جديدة يُتوقع أن تنعكس إيجاباً على أداء الطلبة، إضافة إلى إنجاز مشروع الأبنية المدرسية النموذجية مؤخراً، إلا أن ازمة اكتظاظ المدارس والقاعات الدراسية لم تنتهي، وسط تذمر الاهالي أيضا من ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية، ما يضع العام الدراسي بين كفتي "التطوير واستمرار المعاناة".
وعن تفاصيل الاستعدادات، يقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، إن الهيئات التعليمية والتدريسية باشرت بالدوام منذ 1 أيلول/سبتمبر الجاري، على أن ينطلق العام الدراسي الجديد يوم 21 من الشهر نفسه.
ويوضح السيد لوكالة شفق نيوز، أن وزارة التربية بدأت منذ وقت مبكر في طباعة المناهج لتوفير الكتب المدرسية قبل بدء دوام المدارس، "وستكون كاملة باستخدام الكتب المسترجعة من العام الماضي والمناهج الجديدة المطبوعة لهذا العام".
ومن الاستعدادات الأخرى، يشير المتحدث إلى تهيئة المباني والقاعات الدراسية والمدارس وتسوية الملاكات التعليمية والتدريسية.
ويؤكد السيد أن ملف الأبنية المدرسية من أولويات وزارة التربية، "وتم إدخال أكثر من 1700 مدرسة إلى الخدمة خلال العامين الماضيين، ويجري العمل حالياً على 500 مدرسة أخرى".
وعن المدارس الطينية والأخرى التي تحتوي على مادة "سندويج بنل"، ينوّه إلى أن وزارة التربية أصدرت توجيهات للإسراع في التخلص منها تضمنت "منع استخدام السندويج بنل وعدم تجديد الإجازة للمؤسسات الأهلية لحين إزالته، أما المدارس الطينية فإن هناك مشاريع جديدة يتم العمل عليها بالقرب من هذه المدارس وسيتم نقل الطلبة إليها حال إكمالها".
وإلى جانب ما طرحه السيد، سيساهم مشروع الأبنية المدرسية النموذجية المنجز مؤخراً "بشكل كبير في الحد من الاختناقات الحاصلة والدوام المزدوج والثلاثي وغلق المدارس الطينية والكرفانية في عدد من المدن العراقية"، بحسب المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد.
ويوضح مجيد لوكالة شفق نيوز، أن مواقع مشروع الأبنية المدرسية النموذجية "سُلّمت إلى مديريات التربية في بغداد والمحافظات وتمت المباشرة بتأثيث هذه المدارس بأجهزة التكييف والأجهزة المكتبية والرحلات والسبورات" لتكون جاهزة لاستقبال الطلبة مع بدء العام الدراسي.
ويلفت المتحدث إلى أن هذه المدارس النموذجية هي "مدارس حديثة تنفذ لأول مرة في العراق من ناحية المساحات المستخدمة والتصاميم الهندسية والمعمارية".
ويشير مجيد، أيضا إلى "تحويل 50 مدرسة نموذجية في بغداد والمحافظات إلى مدارس ذكية وذلك بالتعاقد مع شركة عالمية رصينة متخصصة بالتقنيات"، في تجربة جديدة يُتوقع أن تنعكس إيجاباً على أداء الطلبة والملاكات التدريسية.
ويكشف أن هذه المدارس الذكية تحتوي على "شاشات ذكية تفاعلية بديلة عن السبورات تعمل على الطاقة النظيفة (الألواح الشمسية)، وتم تجهيز وتهيئة أكثر من 8 آلاف جهاز لوحي ستوزع على الطلبة، وتحتوي هذه الأجهزة على جميع المناهج الدراسية الخاصة بكل مرحلة دراسية".
ويبين أن المراحل الدراسية المشمولة بالمدارس الذكية هي المدارس الثانوية من الصف الأول المتوسط إلى صف السادس الاعدادي للطلبة المتفوقين.
ويحتاج العراق إلى إنشاء 8 إلى 10 آلاف مدرسة لسد العجز الحاصل في الأبنية المدرسية التي بسببها لجأت بعض المدارس إلى تطبيق الدوام المزدوج وحتى الثلاثي، "فيما يضم الصف الواحد أحياناً ثمانون طالباً"، بحسب تصريح سابق لعضو لجنة التربية النيابية جواد الغزالي، لوكالة شفق نيوز.
وكانت وزارة التربية أعلنت في 18 آب/أغسطس 2025 عن انطلاق اختبار القبول في مدارس المتفوقين والمتميزين وثانويات كلية بغداد للعام الدراسي 2025-2026، بمشاركة أكثر من 47 ألف طالب وطالبة من مختلف محافظات العراق.
وبلغ عدد المتقدمين للالتحاق بمدارس المتفوقين 39,877 طالباً وطالبة، بينما سجلت مدارس المتميزين 7,492 طالباً وطالبة، ما يعكس الإقبال الكبير على هذه المؤسسات التعليمية الرائدة"، وفق بيان الوزارة.
أما في إقليم كوردستان، فقد حددت وزارة التربية الكوردستانية 1 أيلول/ سبتمبر الجاري موعداً لمباشرة الكوادر التعليمية والتدريسية، على أن يبدأ العام الدراسي الجديد يوم 21 من الشهر نفسه في المدارس الحكومية والمدارس الأهلية التي تعتمد نظام وزارة التربية.
"دون معايير"
ومع الاستعدادات الحكومية لبدء العام الدراسي الجديد، يؤكد خبراء تربويون أن البلاد بحاجة إلى آلاف المدارس الجديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ.
ويقول الخبير التربوي حيدر الموسوي، إن "المعايير الدولية تنص على ألا يزيد عدد التلاميذ في الصف الواحد عن25 تلميذا، في حين يضم بعض الصفوف في العراق أكثر من 70 تلميذا، ما ينعكس سلباً على جودة التعليم والتحصيل الدراسي".
ويشدد الموسوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز على أن التوجه نحو التعليم الحديث يتطلب خفض العدد إلى 10 طلاب في الصف، وهو ما يستدعي مضاعفة عدد الأبنية المدرسية الحالية عشرات المرات، في حين لا يزال نظام الدوام المزدوج معمولاً به في معظم المناطق، بل أن بعضها يعاني من دوام ثلاثي، ما يعكس أزمة بنى تحتية مزمنة.
ويشكل نظام الدوام الثنائي والثلاثي عبئاً إضافياً على المواطنين، حيث يعرب أبو بنين من محافظة بابل، عن معاناته اليومية بسبب تعدد أوقات دوام أبنائه في المدارس مما يُجبره على ترك عمله كسائق "ستوتة" عدة مرات في اليوم، ما يؤدي إلى خسارة جزء من دخله.
ويقول أبو بنين، لوكالة شفق نيوز، بصوت منهك من العمل إن "كثرة المشاوير وتكاليف الوقود تُشكّل ضغطاً إضافياً على ميزانية العائلة"، مطالباً الجهات المعنية بـ"تقليل نظام الدوامات المتعددة أو توفير خطوط نقل مدرسية مجانية لتخفيف الضغط عن الأسر العاملة".
وتواجه العديد من الأسر ذات الدخل المتدني وحتى المتوسط تحديات اقتصادية عديدة مع اقتراب موعد العام الدراسي الجديد كما هو الحال مع السيدة (أم رند) من العاصمة بغداد.
وتعاني الأم لثلاث بنات في مراحل دراسية مختلفة مع بداية العام الدراسي، من ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية والنقل، وتقول لوكالة شفق نيوز إن "تجهيز بناتها بات يكلف أكثر من نصف دخل الأسرة".
وتضيف أن "أجور خطوط النقل ترتفع كل عام حتى أصبحت عبئاً كبيراً، ما يمثل ضغطاً متزايداً على الأسر، خاصة ممن لديهم أكثر من طفل في المدارس".
وتشارك أم رند مع اقتراح أبو بنين في الدعوة إلى "توفير خطوط نقل مدرسية مجانية أو بأسعار رمزية لتخفيف العبء عن العوائل، إلى جانب وضع تسعيرة موحدة للمستلزمات المدرسية وتشديد الرقابة على الأسواق".
وعن أسعار المستلزمات المدرسية، يقول علي كاظم صاحب إحدى المكتبات في محافظة كربلاء، إن الأسعار تشهد تفاوتاً واضحاً هذا العام حسب المرحلة الدراسية ونوعية التجهيزات: "حيث تزداد متطلبات المراحل المتوسطة والإعدادية مقارنة بالابتدائية، مما يرفع الكلفة".
ويضيف كاظم لوكالة شفق نيوز، أن تنوع التصاميم وجودة المنتجات في السوق توفر خيارات متعددة تلبي جميع الأذواق، "لكن الأسعار ترتفع مع المنتجات ذات الجودة العالية، فيما تبقى الخيارات الاقتصادية متاحة".
ويشير إلى أن قدرة الأسر الشرائية هي العامل الأهم في تحديد اختيار المستلزمات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
ويأتي هذا العام الدراسي الجديد بعد نحو شهر من تعديل قانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011 الذي صوت عليه مجلس النواب في 25 آب/أغسطس الماضي.
ومن أهم امتيازات هذا القانون "مضاعفة أجور المهنية ويكون المبلغ 300 ألف دينار عراقي لكل مدرس ومعلم وموظف وتربوي وإداري وكل العناوين الوظيفية في وزارة التربية"، بحسب لجنة التربية النيابية.
وكان عضو اللجنة حيدر شمخي، أكد في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز أنه "بحسب القانون المعدل، تم احتساب الخدمة المجانية المدرسين والمعلمين والإداريين والحرفيين أيضاً الذين عملوا بالمجان سابقاً".
وأشار إلى "مضاعفة الخدمة الريفية لكل من يعمل في المدارس الريفية وبعد مرور ثلاثة سنوات وبعدها كل سنة تضاعف سنتين خدمة وصولاً إلى خدمة خمس سنوات، وهذا سوف يعالج مشكلة المدارس الريفية في أطراف بغداد والمحافظات".