شفق نيوز/ انتقدت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية تعاون العراق المتنامي مع الصين، محذرة من أن بكين تستخدم "القوة الناعمة" للتغلغل في الاقتصاد العراقي وخاصة في القطاع النفطي، وذلك في غياب الاهتمام الأمريكي، مستفيدة من علاقتها مع الميليشيات العراقية وأجواء الفساد القائم في البلد.
واشارت الصحيفة الامريكية الى انه بعدما حررت الولايات المتحدة الشعب العراقي من الحكم الاستبدادي لصدام حسين من خلال غزو العام 2003، فإنه بعد مرور عقدين من الزمان، انشغلت الصين في استغلال موارد العراق الغني بالنفط، وذلك من خلال التحالف مع الميليشيات من أجل اكتساب موطئ قدم في قطاع النفط المربح.
وبعدما لفت التقرير الأمريكي إلى أن الصين بذلت ثلاث محاولات حتى الان من اجل السيطرة على الموارد النفطية للعراق، اوضح ان وزارة النفط العراقية هي التي أحبطت كل هذه المحاولات.
وعلى سبيل المثال، أشار التقرير الى ان شركة "لوك أويل" الروسية وعملاق النفط الامريكي "اكسون موبيل" حاولتا بيع حصصهما في حقول رئيسية لشركات تدعمها الحكومة الصينية، إلا أن وزارة النفط العراقية كانت تتدخل لتحول دون حدوث ذلك.
وتابع ان شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية كانت تفكر أيضا في بيع حصة لشركة صينية، الا ان المسؤولين العراقيين اقنعوها بخلاف بذلك.
وحذر التقرير من انه لو ان الصين كانت نجحت في ذلك، فربما كانت اطلقت عملية "نزوح" من جانب شركات النفط الدولية العملاقة، وهو ما كان سيترك العراق مفتوحا امام استحواذ اكبر من جانب الصين، مشيرا الى ان مسؤولي الحكومة العراقية اعربوا فعليا عن قلقهم العميق ازاء الوتيرة السريعة التي تحاول بها بكين السيطرة على العراق.
ولفت التقرير الى تظاهرة جرت مؤخرا بالقرب من المقر الرئيسي لشركة نفط صينية في محافظة ميسان في الجنوب، معتبرا انه تسلط الضوء مجددا على القلق العراقي المتزايد إزاء التوسع الصيني في قطاع النفط.
ونقل التقرير عن مركز الابحاث "جيوبوليتيكا" الايطالي قوله، ان الصين تستغل الفراغ الامني الذي ظهر بعد الانسحاب الامريكي من العراق، وان شركات الصين تقوم بالتحالف مع الميليشيات لتحقق موطئ قدم قوي لها في صناعة النفط العراقية.
كما نقل التقرير عن صحيفة "فاينانشيال تايمز" قولها، ان الصين ابرمت خلال العام 2021 وحده، صفقات بقيمة 10.5 مليارات دولار في قطاع البناء في العراق، مضيفا ان العراق ثالث اكبر مصدر للنفط الى الصين، يظهر حرصه على تأمين الاستثمارات الصينية في تطوير البنية التحتية لان الكثير من الشركات الامريكية والاوروبية مترددة في وضع استثماراتها بسبب الفساد المتفشي والميليشيات التي تستهدف قوات التحالف الامريكية والمصالح الغربية.
واعتبر التقرير ان الصين بخلاف الاطراف الاخرى، فانها كانت تجد الوسائل لكي تعمل ضمن هذا النظام وفي ظل الفساد العميق وهيمنة الميليشيات، مضيفا انه في ظل واقع أن ايران هي بمثابة حاكم فعلي في العراق، من خلال وكلائها من المجموعات العسكرية والسياسية، وان الصين برغم تفضيلها للتعاون مع سلطات الدولة القوية والمركزية، الا ان بكين وجدت طريقها للتعامل مع عراق غير مستقر.
ونقلت الصحيفة الامريكية عن تقرير لجامعة فودان في شنغهاي الصينية، قوله ان الصين ابرمت في العام 2021، صفقات اعمار جديدة في العراق بقيمة 10.5 مليارات دولار، وهو ما يشكل سدس استثمارات "مبادرة الحزام والطريق" الصينية في ذلك العام.
واوضح التقرير ان "العراق برز بالنسبة الى الصين باعتباره الشريك التجاري الاول في المنطقة، وهو ثالث اكبر موردي النفط لها، بعد السعودية وروسيا، مضيفا ان احتياطات العراق النفطية المثبتة من الطاقة بالاضافة الى موقعه الاستراتيجي على الخليج العربي وقربه من مضيق هرمز ، يمثل اهمية بالغة لـ"مبادرة الحزام والطريق".
وتابع قائلا انه مع الانسحاب الامريكي من المنطقة، كانت الصين متحفزة لتوسيع نفوذها، وانه من المرجح ان يقود تحسين العلاقات الاقتصادية مع بغداد، الى نفوذ سياسي للصين خلال فترة من الزمن.
ونقل عن خبراء قولهم ان دور الصين في اعادة الاعمار العراق وتعزيز علاقات الصين وايران، يؤدي الى تسريع الوجود الصيني في العراق على حساب الولايات المتحدة، مضيفا ان واشنطن وطهران وانقرة التي ترتبط بنشاط عميق بالعراق، تراقب كلها تحركات الصين عراقيا.
كما اشار التقرير الى استخدام الصين بدهاء استراتيجيات "القوة الناعمة" بهدف السيطرة على الدول التي تحتاج الى المال، وهو ما ينطبق على العراق في تعارض قوي مع مبادرات القوة الصلبة التي تتبعها الولايات المتحدة، موضحا ان إستراتيجيات "القوة الناعمة" تشتمل على الاستثمارات الاقتصادية وسياسات عدم التدخل في شؤون العراق.
واضاف ان بكين بدأت تستفيد مؤخرا من الفرص المتاحة فيما بعد الصراع وذلك من خلال جهود الوساطة والالتزام تجاريا عوضا عن التدخل العسكري، بالاضافة الى استخدامها حق النقض "الفيتو" في الامم المتحدة عدة مرات حيث عملت الى جانب روسيا وضد التكتل الغربي حول الحرب السورية.
والى جانب ذلك، اصبحت الصين اكثر نشاطا في ملفات اقليمية كبرى مثل افغانستان، وهي تريد ايضا منع واشنطن من استخدام القوة السياسية والعسكرية في العراق.
وخلص التقرير الى القول ان للصين مصلحة ثابتة في قطاعي النفط والطاقة، وهي تعمل على اقامة محطات الطاقة والمصانع ومنشآت مائية بالاضافة الى المدارس التي تشتد الحاجة اليها في مختلف انحاء العراق البلاد، وهو ما اشارت اليه صحيفة "لوس انجلوس تايمز".
ونوه إلى ان عشرات العقود التي جرى توقيعها في السنوات الاخيرة، تضمن التواجد المتزايد للصين في وقت تبحث الشركات الغربية الكبرى، بما في ذلك من الولايات المتحدة، الخروج من السوق العراقي.
وتابع قائلا انه "بينما يقر المسؤولون العراقيون بانهم يرغبون في وجود اميركي اكبر، فانهم في الوقت نفسه يجدون جاذبية في عروض الصين من اجل التنمية من دون شروط الديمقراطية او الاصلاح".
والان، يعتبر التقرير ان من نتائج ذلك ان الشركات الصينية تهيمن على القطاع الاقتصادي الرئيسي في العراق، اي النفط حيث تستهلك 40٪ من صادرات النفط الخام. كما تعمل الشركات الصينية في الكثير من القطاعات الرئيسية، بما فيها التمويل والنقل والبناء والاتصالات. ولفت ايضا الى العراق وضع مؤخرا اللمسات الاخيرة على الشروط مع شركة "سينوبك" الصينية من اجل تطوير حقل غاز المنصورية، والذي بمقدوره انتاج ما يصل الى 300 مليون قدم مكعب يوميا.
وختم التقرير بالقول انه برغم ان بغداد اعربت عن قلقها ازاء سيطرة الصين على الموارد العراقية، الا ان المثير للقلق ان يتحول العراق الى دمية بين ايدي الصينيين في المستقبل القريب، مضيفا ان الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الجهود هي من خلال تعزيز الولايات المتحدة لعبتها الدبلوماسية والاقتصادية.
واوضح ان ذلك يعني اولا وقبل اي شيء، انه يتحتم على واشنطن "تأطير المنافسة الاستراتيجية لامريكا مع الصين في العراق على انها منافسة ايديولوجية ما بين الديمقراطية وبين الاستبداد"، ويجب على واشنطن بالتالي بذل جهود دبلوماسية واقتصادية من اجل تعزيز الديمقراطية في العراق، بما يساهم في تعزيز استقلاله وسيادة الشعب العراقي. وخلص الى القول انه يتحتم على واشنطن تقديم نفسها للعراق على انها "شريك اكثر موثوق اكثر وداعم ومتشابهة معه في التفكير".
ترجمة خاصة: شفق نيوز