شفق نيوز/ في "سابقة خطيرة" قد تلقي بظلالها سلباً على النظام العراقي، تعرضت بغداد لزلزال سياسي، بعدما أقدم 6 قضاة أصلاء و3 احتياط في المحكمة الاتحاية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، على تقديم استقالات جماعية بسبب "ضغوط سياسية" التي تتعرض لها المحكمة.
وعلى الرغم من الضجة الكبيرة التي أحدثتها تسريبات استقالة أغلب أعضاء المحكمة الاتحادية، "لكن تلك الاستقالات لم تصل لحد الآن إلى رئيس المحكمة الاتحادية، جاسم العميري"، بحسب ما أبلغ به مصدر مطلع وكالة شفق نيوز.
تشكيل وعمل المحكمة
وبداية، ولفهم طبيعة تشكيل المحكمة الاتحادية وعملها، أوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن "المحكمة الاتحادية هي كيان دستوري وفق المادة 89 من الدستور، التي نصت بأن السلطة القضائية تتكون من مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز والادعاء العام والإشراف القضائي".
وأضاف التميمي، لوكالة شفق نيوز، أن "ما ينظم عمل المحكمة الاتحادية هو قانون رقم 30 لعام 2005 والمعدل بقانون 25 لسنة 2021، ودور المحكمة مهم وقراراتها باتة وملزمة، حيث تفسر الدستور وتحل النزاعات التي تحصل بين المركز والإقليم، وتصادق على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية".
وتابع، أن "المحكمة الاتحادية تتكون من رئيس ونائب رئيس وسبعة قضاة أصليين وأربعة قضاة احتياط، وهؤلاء القضاة جميعهم لا تقل خدمتهم عن 15 سنة، وهم قضاة صنف أول".
وهم، بحسب التميمي "قضاة مستقلون ولا سلطان عليهم بغير القانون وفق المادة 88 من الدستور، والمادة 90 من الدستور نصت أن مجلس القضاء هو الذي يدير شؤون القضاة، والمادة 91 من الدستور أكدت أيضاً على ذلك، لهذا عمل المحكمة الاتحادية مهم وفق المواد 92 و93 و94 من الدستور".
ترشيح واختيار القضاة
وعن طريقة ترشيح واختيار القضاة، بين التميمي، أن "طريقة ترشيح قضاة المحكمة الاتحادية تكون من خلال لجنة من رئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية ورئيس الإشراف القضائي ورئيس الادعاء العام، ويتم اختيار القضاة جميعاً وفقاً لقانون رقم 30 لعام 2005 المعدل، ويصدر بهم مرسوم جمهوري ثم يؤدون اليمين الدستورية".
وحول استقالة القضاة، أشار الخبير القانوني، إلى أن "استقالة قضاة المحكمة الاتحادية أمر وارد، حيث بإمكان القاضي الاستقالة حاله كحال الموظفين الآخرين، وهذه الاستقالة لا تؤثر على وجود المحكمة الاتحادية".
وزاد التميمي بالقول: "المحكمة الاتحادية لا تتكون من القضاة فقط، بل هي عبارة عن هيئة كاملة تتكون من دوائر وتشكيلات مختلفة منها أمانة عامة ودائرة الشؤون الإدارية والمالية والقانونية وقسم إدارة مكتب رئيس المحكمة، وبالتالي هي باقية".
أما طريقة قبول الاستقالة واختيار البدلاء، فلفت إلى أن "استقالة القضاة تقدم إلى رئيس المحكمة الاتحادية والأخير يحيلها إلى مجلس القضاء بموجب القانون رقم 160 لسنة 1979 وبعدها يدرس مجلس القضاء الأسباب وفي حال قبول الاستقالة يعتبرون مستقيلين، ليتم بعدها العودة إلى عملية اختيار جديدة للقضاة".
وشرح التميمي، أن "سياق اختيار القضاة الجدد هو نفسه الذي تم ترشيحهم واختيارهم به، وذلك من خلال اللجنة نفسها السابقة التي اختارت هؤلاء القضاة حيث تقوم باختيار قضاة جدد بنفس الشروط وهي الصنف الأول ولا تقل الخدمة عن 15 سنة ثم يصدر بهم مرسوم جمهوري وبعدها يؤدي القضاة الجدد اليمين الدستورية ويبدؤون العمل في المحكمة الاتحادية".
أسباب الاستقالة
وعن كشف أسباب الاستقالة، نبه الخبير القانوني، إلى أن "من يكشف أسباب الاستقالة التي قد تكون شخصية خاصة أو تتعلق بالعمل وإدارة المحكمة، هو مجلس القضاء الأعلى".
وذكر التميمي، أن "في حال وجد مجلس القضاء الأعلى هناك تدخل في شؤون المحكمة أو ضغوط عليها من جهات، حينها يمكن لمجلس القضاء فتح تحقيق وإحالته إلى إحدى المحاكم بموجب المادة 235 من قانون العقوبات العراقي (التدخل في شؤون القضاء)".
وخلص إلى القول: "كما من الممكن لهيئة الإشراف القضائي بموجب قانونها 29 لعام 2016 بإيعاز من رئيس مجلس القضاء أن تفتح تحقيقاً في المسألة لتعرف الأسباب وما الذي جرى ولماذا استقال القضاة".
لماذا استقال القضاة؟
وتتباين أسباب استقالة قضاة المحكمة الاتحادية العليا بين من يعزوها إلى أزمة رواتب إقليم كوردستان أو خور عبد الله، بحسب المحلل السياسي، عائد الهلالي، فيما يكشف لوكالة شفق نيوز أن "هناك ضغوطاً ربما من جهات داخلية أو إقليمية أو دولية بهذا الاتجاه"، مستبعداً أن يكون قانون الانتخابات علاقة بهذه الاستقالات.
يأتي هذا فيما كشف مصدر مطلع للوكالة، أن "أسباب الاستقالات تأتي احتجاجاً وشكوى على طريقة إدارة رئيس المحكمة الاتحادية لها"، معتبراً أن "استقالة القضاة ستؤجل الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، إلى إشعار آخر، لأن تعطيل عمل المحكمة الاتحادية يعني لا تصديق رسمياً على نتائج الاقتراع، ما سيصب في مصلحة حكومة محمد شياع السوداني، ويمد في عمرها وصلاحياتها".
إلى ذلك، أكد رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، عماد جميل، لوكالة شفق نيوز، أن "المحكمة الاتحادية هي الجهة المخولة بالمصادقة على نتائج الانتخابات النيابية، وفي حال قبول استقالات أعضاء المحكمة، فإن الانتخابات ستتأثر".
وهو ما حذر منه رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، المحامي حازم الرديني، في بيان، من خطورة قبول استقالات القضاة، مبيناً أنه "لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية دون وجود أعضاء المحكمة الاتحادية للمصادقة على نتائج الانتخابات النهائية".
سابقة خطيرة
ويبدو أن استقالة أعضاء المحكمة الاتحادية "تحمل بين طياتها الكثير من الملفات والقضايا المتراكمة وبشكل خاص المتعلقة بالضغوط السياسية التي يتعرض لها القضاء العراقي"، بحسب المتحدث باسم حركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية"، خالد وليد.
وأضاف وليد، لوكالة شفق نيوز، أن "هذا ما أوضحته طبيعة المخاطبات الرسمية من قبل رئيس المحكمة الاتحادية إلى رئيس مجلس النواب وطلبه بعقد اجتماع لممثلي الرئاسات ورد رئيس المجلس بالرفض من باب الحفاظ على استقلالية القضاء".
واعتبر وليد، أن "ما يحصل اليوم باستقالة ستة أعضاء أصلاء وثلاثة احتياط من المحكمة الاتحادية سابقة خطيرة تستوجب أن تكف القوى السياسية تدخلاتها خصوصاً مع تداعيات الوضع السياسي والأمني في المنطقة وإمكانية جر العراق لساحة الحرب".
كما دعا وليد، الرئاسات الثلاث والسلطة القضائية لـ"كشف الجهات التي تربك عمل القضاء وتساهم في حالة اللاستقرار قبل أن تذهب لاختيار أعضاء لعضوية المحكمة أو يعدل المستقيلون عن استقالاتهم".
مؤشر خطير
وتعتبر استقالة عدد من قضاء المحكمة الاتحادية "مؤشراً خطيراً على النظام السياسي ومدى احتكامه للدستور النافذ، وبالتالي دليل على غياب الآلية الديمقراطية في عمل مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث عموماً"، وفق عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد عنوز.
ورأى عنوز، خلال حديثه للوكالة، أن "الاستقالات لا يمكن أن يكون وراءها سبب واحد على الإطلاق، بل ممكن أن تكون بذريعة واحدة مثل موضوع خور عبد لله أو رواتب الإقليم أو غير ذلك".
وأكد النائب، أن "علاج هذه الأزمة التي هي مظهر واحد من أزمة بنيوية شاملة للنظام السياسي، ينبغي أن يتم بحثها بجدية وشجاعة وإلا تستمر الدوامة هذه في حياة العراقيين".
دورها بالانتخابات
وظهر دور المحكمة الاتحادية جليا، في الانتخابات المبكرة التي جرت في عام 2021، حيث باتت الفيصل الأول، بعد اتهامات بعض القوى السياسية بتزوير نتائج الانتخابات والتلاعب بها.
إذ ردت المحكمة أولى الطعون في حينها، التي تقدمت بها قوى من الإطار التنسيقي، وبعدها صادقت على نتائج الانتخابات، ليستمر دورها بالتصاعد في ظل الإنسداد السياسي الذي خيم على البلاد آنذاك، وحسمت الكثير من الدعاوى بخصوص انتخاب رئيس الجمهورية، خاصة وان جلسة الانتخابات جرت أكثر من مرة وبقرار من المحكمة.
ومنذ تلك الانتخابات، باتت المحكمة الوجهة الاولى لحسم الخلافات بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وتلقت الكثير من الدعاوى التي أقامها نواب ضد الحكومة العراقية، إلى جانب تلقيها دعاوى من الحكومة ضد تشريعات مررها البرلمان.
كما أصدرت المحكمة خلال الفترة البسيطة الماضية، قرارات كثيرة تخص شخصيات سياسية، تضمنت إبعادهم عن مناصبهم والعمل السياسي، ومنهم هوشيار زيباري ورئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.
ولعل من أبرز قرارات المحكمة الاتحادية، هو الخاص بتحديد الكتلة الاكبر في انتخابات 2010، التي أتاحت في حينها لرئيس ائتلاف دولة القانون بتشكيل الحكومة، رغم ان الحاصل على أكثر عدد مقاعد نيابية كان رئيس الحكومة الأسبق إياد علاوي.
قضية خور عبد الله
وكان مصدر من داخل المحكمة الاتحادية العليا، أفاد لوكالة شفق نيوز، بأن استقالة أعضاء المحكمة الاتحادية كانت بسبب "الضغوطات الحكومية" التي تُمارس على المحكمة بشأن قضية خور عبد الله.
وبهذا الصدد، حذر رئيس المعارضة النيابية، وأمين عام "تجمع الفاو زاخو"، النائب عامر عبد الجبار إسماعيل، من الطعن المقدم من رئاستي الجمهورية والوزراء، بقرار المحكمة الاتحادية، بخصوص اتفاقية خور عبد الله، معلناً تخوفه من تدخلات خارجية بشأن هذا الطعن، فيما أبدت منظمات ونقابات دعمها للمحكمة وقرارها الذي ألغى الاتفاقية.
وأكدت أربعة تجمعات عراقية هي كل من نخبة من شيوخ ووجهاء البصرة، ومؤسسة البحريين العراقية، وجمعية الصيادين العراقيين، واتحادات ونقابات في البصرة، في بيان موحد، رفضها للضغوطات على المحكمة الاتحادية، بقضية خور عبد الله، مشددين على دعمهم للقضاء العراقي.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء الكويتية "كونا" منتصف نيسان/أبريل الماضي، فقد قدم كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقيين طعنين منفصلين إلى المحكمة الاتحادية العليا، طالبا فيهما بالعدول عن قرارها القاضي ببطلان قانون تصديق اتفاقية خور عبدالله مع الكويت، مستندين في دفوعهما إلى الدستور العراقي واتفاقية فيينا لعام 1966.
واعتبر الطعنان أن الاتفاقية تتعلق بتنظيم الملاحة وليس بترسيم الحدود، وتشكل جزءاً من التزامات العراق الدولية التي لا يجوز التراجع عنها.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد أقرت في الرابع من أيلول/ سبتمبر 2023 بعدم دستورية القانون 42 لسنة 2013 وهو قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله.
وذكرت المحكمة في بيان مقتضب آنذاك أنها "أصدرت قرارها بعدم الدستورية لمخالفة أحكام المادة (61 / رابعاً) من دستور جمهورية العراق التي نصت على (تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)".