شفق نيوز/ ليس من قبيل المبالغة القول إن التيار الصدري هو بين أكثر القوى السياسية التي يتطلع إليها السياسيون والمراقبون بحرص دقيق، لا لحصته البرلمانية التي كانت الأكبر في الانتخابات الماضية، وانما ايضاً لان زعيمه مقتدى الصدر ربما ما زال يخفي مفاجآت اخرى للحظات الاخيرة.
الصدر الذي أعلن فجأة في منتصف شهر تموز/يوليو الماضي مقاطعته لانتخابات أكتوبر المقبل، ما أثار زوبعة سياسية كبيرة وحراكاً من قوى سياسية وحتى رئاسة الحكومة، من اجل "اقناعه" بالتراجع عن قراره، وهي جهود أثمرت اعلانه في 27 آب/أغسطس الماضي، قراره بعودة التيار الصدري الى خوض الانتخابات.
ولم تتضح تفاصيل المساومات السياسية التي جرت خلف الكواليس وأفضت إلى قرار الصدر العودة للاحتكام الى صناديق الاقتراع، لكن من الواضح أن التسريبات الخارجة من أوساط الصدريين تلمح، ولو مبكرا، الى توجه لاعادة دعم ترشيح مصطفى الكاظمي لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات.
ولطالما عرف الصدر بقدرته على المناورة وطرح المفاجآت، ويشير مراقبون إلى أن انسحابه المفاجئ في تموز، أعاد "شد عصب" أنصاره في الشارع العراقي، وسمح له، ولو شعبيا، بالنأي بنفسه، عن انتكاسات في العمل الحكومي خاصة على صعيدي الصحة والكهرباء (كالحرائق في مستشفيات وتفجير أبراج الطاقة). كما اتاحت له هذه المناورة، الايحاء للقريب والبعيد، بأنه مثلهم مستاء من أداء رجالات السلطة ويتعفف عنها.
الصدر بنفسه كان قد فجر مفاجأة من العيار الثقيل في العام 2017 قبيل انتخابات 2018، عندما حط فجأة في مدينة جدة السعودية للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان أعلن قبلها بشهرين فقط، نيته تصعيد المواجهة مع إيران ونقل الحرب إلى أرضها. ثم حقق الصدر بعدها انتصاره الكبير عبر كتلة "سائرون" البرلمانية.
وكان إعلان الانسحاب الصدري في تموز، أثار تكهنات بأن خروج الصدريين من اللعبة الانتخابية، سيتيح لتيار نوري المالكي التقدم للاستفادة من المساحات الجديدة لترشيح أنصاره واكتساب اصوات من "الشارع الصدري". كما توقع مراقبون ان تستفيد قوى الحشد الشعبي، المقرب من إيران، من غياب الصدريين عن العملية الانتخابية. ولهذا، فان اعلان مقتدى الصدر قبل اسبوعين تراجعه عن قرار المقاطعة، ما اعاد خلط الاوراق والحسابات السياسية والانتخابية للعديد من القوى والاحزاب، قبل فتح صناديق الاقتراع، وبعدها.
وتخوض الكتلة الصدرية الانتخابات من خلال 100 مرشح توزعوا على عموم محافظات ومدن البلاد على امل الحصول على ما يكفي من المقاعد لضمان رئاسة الحكومة لنفسها، او ربما من خلال لعب دور "بيضة القبان" الحاسمة لاختيار شخصية، يمكن ان تكون الكاظمي نفسه.
وقالت مصادر مقربة مما يعرف بـ"الحنانة" وهو مقر المصدر في النجف، لوكالة شفق نيوز، إن القائمين على الماكينة الانتخابية الخاصة بالكتلة الصدرية اعتمدوا آليات تمكنهم من التواصل مع جماهيرهم فضلا عن ضمان حفظ أصواتهم من التلاعب.
لكن مصادر مطلعة من داخل التيار اكدت ان الاخير سيفاجئ الجميع بالنهاية ولن يخرج منصب رئيس الوزراء عن عباءة الصدريين وان كان بالتحالف مع اطراف اخرى في اشارة الى احتمالية تحالفهم مع الكاظمي وتجديد الولاية له.
وهي ليست المرة الأولى التي يلعب فيها التيار الصدري دور "بيضة القبان" في حسم المشهد السياسي. ففي العام 2010، كان دور الصدر حاسما، واستدعى تدخلات اقليمية وامريكية واتصالات على عدة محاور، شملت ايران وسوريا وحزب الله في لبنان، وانتهت بقبوله بحل العقد الحكومية الشائكة، وحصول نوري المالكي على ولاية حكومية ثانية، ثم في انتزاع حقائب وزارية عدة في حكومة المالكي الذي تأجرحت علاقته معه ما بين التأييد والتحالف والخصومة وحتى الاشتباك العسكري الذي أفضى قبلها بسنوات، وتحديدا في العام 2006 الى ذهابه الى ايران التي بقي فيها لفترة ليست قصيرة.
والان، يعود تيار الصدر بقوة للانتخابات بعد مقاطعة لم تستمر طويلا، وبحسب بعض نواب ومرشحي "سائرون"، فانهم عملوا من خلال برنامج انتخابي محدد الاهداف يتناغم مع طموحات الشارع العراقي وبما يتناسب ومقبولية التيار الصدري بحسب تصريحات النائب رياض المسعودي لوكالة شفق نيوز. لافتا الى ان "التيار اعد العدة للمشاركة الفعالة بهذه الانتخابات وبشكل تفصيلي وتم اختيار مرشحين بعينهم وسيكونون خير ممثلين في الدورة الانتخابية القادمة كما انه وضع ضمن برنامجه الانتخابي والسياسي الحصول على رئاسة الحكومة ولايهمنا ان من يتسنم المنصب سيكون صدريا او لا، وهذا الامر حتما مرتبط بعدد المقاعد التي سيحققها التيار فضلا عن امكانية اقناع الشركاء بالعملية السياسية التي تشترك معنا في الرؤى والتطلعات لتشكيل الحكومة".
وحول الضغوطات والتدخلات الدولية والإقليمية في تسمية رئيس الحكومة، قال المسعودي "نؤمن بوجود ضغوطات دولية واقليمية مباشرة او غير مباشرة على القوى في الداخل للتدخل في تشكيل الحكومة المقبلة كما في السابق اي اعتماد سياسة الابواب المفتوحة، وكتيار نؤمن بضرورة ان يكون قرار اختيار رئيس الحكومة عراقيا بامتياز حتى تتحمل القوى المرشحة لرئيس الحكومة مسؤوليتها في ذلك".
لكن المسعودي نفى تسمية مرشحين بعينهم لرئاسة الحكومة موضحا انه من السابق لاوانه الخوض في هذه المسألة، مضيفا ان التيار الصدري يمتلك "رؤية واضحة لمعايير ومواصفات رئيس الحكومة المقبل، اي وفق معيار وطني خالص".
وحول انسحاب الصدريين من الانتخابات وعودتهم بقرار من زعيمهم وتأثير ذلك على قواعدهم الشعبية، قال المسعوي ان "ثقل التيار في الشارع بات اكبر من السابق حيث ادرك الجميع اهمية التيار ومشاركته بالانتخابات فضلا عن ضرورة دعم قوى وطنية محددة تكون مسؤولة في ادارة البلاد"، مضيفا انهم "كتيار يؤمنون بشراكة الاقوياء لا الاصدقاء، اذ يمكن للاقوياء صناعة حكومة قوية قادرة على اعادة سلطة الدولة والحفاظ على عنوانها السيادي ".
وبخصوص عزمهم التحالف بعد الانتخابات مع الكورد والقوى السنية، قال المسعودي "ليس لدينا خط احمر على جميع القوى التي تشترك معنا في رؤية بناء الدولة وليس بناء السلطة، حيث ان الاخير كان عاملا اساسيا في تدمير البلاد والتأثير على العباد، ومن هنا يأتي تركيزنا المستقبلي على بناء الدولة واركانها".
وفي حين رفض المسعودي الحديث بتفاصيل عن دعم ترشيح الكاظمي لولاية ثانية، اكدت مصادر مطلعة في التيار الصدري طلبت عدم الإشارة إلى هويتها سعي كتلتها للفوز باكبر عدد من المقاعد باعتماد الية جديدة تتمثل بتقليل عدد المرشحين فضلا عن اعتماد استراتيجية توزيعهم الجغرافي بشكل مدروس يتماشى وطموحاتهم.
واوضحت المصادر لوكالة شفق نيور، ان الهدف ضمان جمع اكبر عدد من الاصوات دونما ضياع لاي صوت انتخابي وان مرشحي الكتلة الصدرية ال100 هم من أبناء (التيار الصدري) حصرا، ومن الشخصيات التي لها ثقلها الشعبي لدى معاقل الصدر في مناطق شرق بغداد او ما تعرف بشرق القناة، وهم يحظون بدعم وتأييد من الصدر".
وأشارت المصادر الصدرية الى ان "بعض الاطراف المبغضة للصدريين حاولت التلاعب بما اتيح لها من امكانات، افشال المسؤولين الصدرين المتصدين للمؤسسات الخدمية (صحة، كهرباء) وتكررت مشاهد حرق المشافي واستهداف ابراج نقل الطاقة الامر الذي دفع الصدر لاعلان انسحاب كتلته، وحين تبين للجميع الغاية في ذلك ادركت القوى الوطنية الراغبة ببناء الدولة اهمية مشاركة تيار الصدر بالانتخابات ومن هنا جاءت العودة. ونعتقد وبحسب معلوماتنا ان الشارع الصدري لم يتأثر ولن يغير في المعادلة الانتخابية الثابتة وان صناديق الاقتراع ستكشف ثقل التيار في الشارع".
وكان الصدر اعلن في 27 آب الماضي عن وجود ورقة إصلاحية تسلمها من القوى السياسية التي سعت لاقناعها بالتراجع عن مقاطعة الانتخابات، وقال "هذه الورقة جاءت وفقاً لتطلعاتنا"، داعيا في الوقت ذاته إلى وقفة تحت قبة البرلمان لتطبيق بنود الورقة الإصلاحية. واضاف الصدر ان "العودة الى المشروع الانتخابي باتت امرا مقبولا، وسنخوض الانتخابات بعزم لإنقاذ العراق من الفساد والاحتلال والتبعية والتطبيع"، مردفا بالقول إن "المصلحة اقتضت أن نخوض انتخابات مليونية".
وسارع الكاظمي وقتها الى الترحيب بعودة الصدر الى ميدان خوض الانتخابات، وغرد على "تويتر" قائلا "نرحب بعودة التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات والشكر لكلّ القوى والقيادات السياسية والشعبية التي بذلت الجهود لعودته"، داعيا كل المقاطعين إلى "مواقف مشابهة، ونأمل بمشاركة واسعة من قبل أبناء شعبنا في الانتخابات على طريق التغيير... العراق أولا والعراق ثم العراق".
وحول ضمان نزاهة الانتخابات وعدم التلاعب بها، اشارت المصادر الصدرية الى ان "التقنيات التي اوعز رئيس الوزراء بتهيئتها والتي ستضمن مراقبة مشددة لكافة مراكز الاقتراع، ستمنع التزوير الى جانب اجراء اخرى سييم الاعلان عنه وهذا بحد ذاته جهود تحسب لصالح رئيس الوزراء (الكاظمي) وسعيه لانجاح الانتخابات وضمان نزاهتها لبناء الدولة".
وتابعت المصادر انه "من المتوقع الدخول معه (الكاظمي) في تحالف يسهم في تجديد ولايته لاسيما انه يحظى بدعم محلي ودولي فضلا عن دعم أهم الاطراف اللاعبة في المشهد السياسي".
ومن جهته، قال المرشح عن الكتلة الصدرية صفاء التميمي في اتصال مع وكالة شفق نيوز، ان "لدى التيار آليات انتخابية تمكنه من حفظ حقوق جمهوره في اختيار من يمثلهم وبما يتناسب ومتطلبات المرحلة، من بينها اعتماد التكنولوجيا الحديثة في تثقيف جماهيرهم لاختيار مرشحيهم دونما تأثير او ضغوطات". ولفت الى ان "التيار قد يحقق نتائج تفوق ما حققه خلال الدورات الانتخابية السابقة. "
وتصدر تحالف "سائرون" (يجمع الصدريين والحزب الشيوعي ومدنيين من التكنوقراط) المدعوم من الصدر الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2018، بحصوله على 54 مقعداً من أصل 329. أما تحالف "الفتح" الذي يتزعمه هادي العامري ويضم فصائل الحشد الشعبي فحل ثانيا بـ47 مقعدا، بينما حل ائتلاف "النصر" برئاسة حيدر العبادي ثالثا بـ42 مقعدا. وحصل ائتلاف "دولة القانون" بزعامة المالكي على 26 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني على 25 مقعدا، وائتلاف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي على 21 مقعدا.