شفق نيوز/ بيان المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني، أكبر من نداء وأقل من إنذار. لكنه يقرع الجرس للفت الانتباه الى ان العراق في مرحلة خطيرة، ما لم تولي حكومة مصطفى الكاظمي، الاولوية في بوصلتها خلال الأسابيع المقبلة، للقضايا الساخنة التي طرحها المرجع الأعلى الذي يحظى باحترام كبير في العراق، لا سيما بين الأغلبية الشيعية.
ولا يبدو أن الكاظمي شعر بالحرج من البيان – النداء الذي أطلقه السيد السيستاني عقب استقباله الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة جينين هينيس- بلاسخارت في النجف، لان التدقيق في مضامين البيان، يؤكد أنها تتلاقى بشكل جوهري مع حركة الكاظمي منذ توليه منصبه في أيار/مايو الماضي، وتصريحاته العلنية كلها.
وللتدليل على ذلك، فإن الكاظمي تلقف "توجيهات" السيد السيستاني بصدر رحب على ما يبدو من البيان الذي سارع الى اصداره للتأكيد على التزامه بالخطوات التي دعا إليها المرجع، وهي دعوات لا تخرج عادة عنه بشكل مباشر ما يضفي أهمية عليها، ويضع الحكومة العراقية والمسؤولين فيها، بما في ذلك النواب والكتل السياسية كافة، عبء العمل من أجل تحقيقها، او وزر محاولة التفلت منها.
ومحاولة التفلت من الالتزامات السياسية التي أطرها السيد السيستاني، لا يبدو خيارا سهلا لاي عاقل في العمل السياسي – الشعبي حاليا في العراق، في وقت تتأهب فيه قوى الاحتجاجات الى تجديد "ثورة أكتوبر" من خلال التعبئة مع اقتراب ذكرى سنويتها الاولى. وبهذا المعنى، فان "نداء السيستاني" هو أيضا رسالة الى قوى الاحتجاج بأن المرجعية العليا، تتبنى مطالبهم وتقف خلفها لانجاحها، وربما تكون نداء ضمنيا للمحتجين بعدم الذهاب الى "تفجير" الشارع في الحراك المتوقع تجدده قريبا.
وهنا تكمن إحدى جوانب اهمية "نداء السيستاني"، لأنها أيضاً ترسم بعض الخطوط الحمر التي لا تقبل المرجعية العليا بتجاوزها، خصوصا في ما يتعلق بإجراء الانتخابات المبكرة التي دعا الكاظمي إليها في يونيو/حزيران المقبل، مع تردد مؤشرات – خصوصا في الجدل القائم حول المادة 15 حول تقسيم الدوائر- إلى أن بعض القوى السياسية التي قد ترى نفسها متضررة من إجراء الانتخابات، تراهن على محاولة تأجيلها او إجهاضها من داخل النظام السياسي – البرلماني القائم.
ويؤكد رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري لوكالة شفق نيوز ان بيان السيد السيستاني، حمل عدة رسائل مهمة.
ولعل النقطة الأكثر أهمية في "نداء السيستاني" ثم رد الكاظمي السريع والايجابي عليه، ما يمكن وصفه بأنه التلاقي بين رؤى "السلطة التنفيذية الاولى والمرجعية الدينية الأعلى"، للتعامل مع قضايا في لحظة مصيرية للعراق يخشى السيد السيستاني بحسب بيانه من انها "تهدد وحدة العراق ومستقبل ابنائه" ما لم تعالج.
ولهذا، سيكون بامكان الكاظمي وهو الذي أجرى سلسلة من التغييرات في القيادات العسكرية والامنية في الشهور الماضية، وعين للتو عدة مسؤولين عدة علاء جواد حميد رئيسا لهيئة النزاهة، وتدخل بشكل مباشر في اجراءات منافذ الحدود وتعيينات تتعلق بادارتها، ووجه بمحاولة ضبط السلاح المتفلت خارج الاطر الشرعية، ان يتسلح ب"نداء السيستاني" لتعزيز حركته الداخلية وكسر العقبات الداخلية في محاولاته اصلاح الأمور، خاصة انه في كل هذه القضايا التي طرحها السيد السيستاني، يجد معوقات لا يستهان بها، سواء من بعض القوى السياسية او تحالف قوى الفساد.
وفي ما يتعلق بالانتخابات المبكرة تحديدا، فان الكاظمي سيكون بمقدوره الاتكال على سلاح ذي حدين، أولا تحذير السيد السيستاني نفسه بتنظيم انتخابات بدرجة عالية من النزاهة وبمعايير الأمم المتحدة نفسها لضمان نجاحها، وثانيا تلقف جينين هينيس- بلاسخارت فورا كلام السيد السيستاني للقول بعد اللقاء، وبصفتها الممثلة الخاصة للامين العام للامم المتحدة في العراق، لتعزيز الموقف المشترك الصادر من النجف نفسها، بقولها إن "التأخير في إجراء الانتخابات أو في إجرائها بصورة غير مستوفية الشروط اللازمة لإنجاحها له مخاطر كبيرة".
نص بيان السيستاني عقب استقباله بلاسخارت
وفي حديثه لوكالة شفق نيوز، قال الشمري ان "بيان المرجع السيستاني، هو بيان تحذيري، وحمل نقاطا مهمة وقطع الطريق أمام أي محاولة للالتفاف على اجراء الانتخابات المبكرة وتأجيلها".
واكد الشمري ان "البيان كان رسالة تحذير للقوى السياسية، التي تعمل بشكل سري على عدم اجراء الانتخابات المبكرة، والمرجع حذرهم بأنهم (سيندمون) وايضا التحذير من عدم وجود قانون انتخابات منصف، وتحذير من عدم كشف قتلة المتظاهرين، وعدم الكشف عنهم سيدفع باستمرار مسلسل القتل والاغتيالات بحق المتظاهرين والناشطين.
واضاف ان "البيان، كان فيه رسالة تحذير للشعب العراقي، من عدم الذهاب الى الانتخابات وعدم الاختيار الصحيح".
وتابع قائلا ان "البيان ايضا كان فيه جانب التحفيز، وهذا الجانب يختلف عن جانب التأييد، فكان هناك تحفيز لحكومة الكاظمي، بضرورة استكمال ما رسم اليها من مهام للمرحلة الانتقالية، ضمن المنهاج الوزاري، بحصر السلاح بيد الدولة ومطاردة السلاح المنفلت وعدم وجود كيانات تستحوذ على مناطق ومحافظات وعلى مؤسسات الدولة، وغيرها من القضايا".
وتابع رئيس مركز التفكير السياسي قوله لشفق نيوز ان "البيان حمل رسالة استعداد، فالسيستاني، عند تحفيز الحكومة هو يدفع نحو استعداد الحكومة ومضيها للمواجهة مع مافيات الفساد والسلاح المنفلت في الشارع العراقي، كما حمل البيان رسالة، بضرورة ان يكون هناك ثابت وطني، ويكون هذا الثابت هو من يحدد طبيعة المواقف تجاه المواقف العليا للبلاد".