شفق نيوز/ سلّط موقع "المونيتور" الأمريكي، يوم الأحد، الضوء على المكانة المتميزة التي تتمتع بها مدينة السليمانية على الصعيد الثقافي والفني، والتي تجعلها بمثابة عاصمة ثقافية في اقليم كوردستان، مشيرا في الوقت نفسه الى ان هذا الامر يواجه تحديات أبرزها عدم الإقبال الجماهيري المأمول ومصاعب التمويل والاعتراض من أصحاب الأفكار المحافظة.
وذكر الموقع الأمريكي في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، ان في الطابق العلوي لمصنع قديم للتبغ، تحتل تارا عبد الله مساحة حيث تعمل على لوحاتها الفنية ذات الخطوط السوداء والرمادية والحروف الكوردية والزخارف، وهي تعتذر عن فوضى الأسلاك الكهربائية وكابلات الصوت وعلب الطلاء المتناثرة.
مدينة الأدب
وينقل التقرير عن تارا عبد الله قولها مشيرة الى الاستوديو الخاص بها الذي عملت فيه طوال 10 سنوات "انه مكان احلامي. كل شيء صنعته هنا، وهو جزء من شبكة كبيرة احاول تنفيذها".
ولفت التقرير إلى أن السليمانية يطلق عليها عادة "العاصمة الثقافية" لإقليم كوردستان، وهي مدينة شابة حسب المعايير الإقليمية، وكانت تأسست في العام 1784 وجذبت إليها الشعراء والموسيقيين والتجار والناشطين السياسيين.
وتابع التقرير أنه في العام 2019، جرى تصنيفها من جانب اليونسكو على أنها "مدينة الأدب"، ويبدو سوقها حافلاً بالحيوية بينما يمتلئ وسط المدينة بالمتنزهات ويجعلها مدينة "حية وخالدة" مقارنة بما قال التقرير انه "طراز دبي المصطنع في اربيل التي هي العاصمة السياسية للإقليم".
والآن، يقول التقرير إن السليمانية بمثابة قاعدة لعمل الرسامين والنحاتين والجرافيك الذين يستفيدون من البنية التحتية المتزايدة للمعارض والاستوديوهات وبرامج التدريب حيث يمكنهم تنمية حرفتهم وعرض أعمالهم.
تحديات كبيرة
ونقل التقرير عن شيروان كان، وهو فنان ومؤسس وكالة "Paia" التي تمثل شبكة لريادة الأعمال، قوله إنه "أمر مثير.. فالسليمانية، مقارنة مع بقية العراق، هي الأفضل فيما يتعلق بالفن المعاصر، والمشهد آخذ في التطور لأن هناك العديد من الشباب والنشاطات".
إلا أن التقرير اعتبر انه يتحتم على الفنانين في المدينة أن يواجهوا تحديات كبيرة، بما في ذلك عدم انخراط الجمهور العام، وصعوبة تأمين التمويل، بالاضافة الى العداء الصريح من الجهات المحافظة في المجتمع.
ولفت التقرير الى سمعة المدينة كمركز ثقافي إلا أنه هناك مسافة فاصلة بين المجتمع الفني وبين الناس العاديين.
وينقل التقرير عن شيروان كان، قوله إنه "إذا كان الجمهور غير مهتم بما ننتج، فلماذا يكون الفنان مهما؟".
مبادرة "مصنع الثقافة"
الا ان التقرير اشار الى تحقيق بعض التقدم في السنوات الأخيرة، ففي العام 2019، أطلقت مبادرة تسمى "مصنع الثقافة"، في موقع مصنع التبغ الواسع، مضيفا أن معركة جرت من أجل تحقيق المشروع حيث ان المبنى يقع على أرض قيمتها مرتفعة في وسط المدينة والتي يتطلع المقاولون التجاريون لاستغلالها، والآن هناك مساحات للاستوديو وتقام فيه برامج للمتدربين حول تصميم الأزياء وصنع المجوهرات والنحت.
واوضح التقرير ان مؤسس ومنظم معرض "ايستا غاليري" دارا آر اولى (الملقب بدارو)، حيث يتواجد المعرض في مصنع التبغ أيضا، إنه متفائل بإمكانية سد الفجوة مع الجمهور، مضيفا ان "الفنون الجميلة دائما ما تكون بعيدة بعض الشيء عن الجمهور، الا اننا نحاول الان نجمعهما معا سوياً".
واشار الى ان اكثر من 8 آلاف شخص حضروا المعرض الأخير، بما في ذلك زيارات من 56 مدرسة محلية.
واوضح دارا اولى، وهو يتباهى بأنهم "في السابق، كنا نتواصل دائما مع المدارس لنطلب من المعلمين إحضار الطلاب إلينا، لكنهم الآن يأتون لوحدهم يوميا".
إنتاج روايات مصورة
وبحسب التقرير فإن وكالة "Paia" التي يتولاها شيروان كان تقوم ببناء مساحة جديدة، وتحويل حمام السباحة الداخلي القديم في المدينة الى معرض لتقديم العروض وكمركز مجتمعي، كذلك تخصيص استوديو من أجل إنتاج روايات مصورة جديدة.
ولفت التقرير إلى أن بعض الفنانين يحاولون معالجة هذه المسافة الفاصلة بين الفنانين وبين الناس.
واشار الى ان المشروع الأخير لتارا عبد الله هو تقديم عمل فني في أماكن عامة في السليمانية ورانيا وحلبجة وجمجمال. ومن خلال هذا العمل الفني، يتم بث تسجيلات لصوت انثوي يتحدث عن المصاعب التي تواجهها النساء والفتيات في المجتمع الكوردي.
ونقل التقرير عن تارا عبد الله قولها "اريد ان يتفاعل عملي الفني مع والدي وهو عامل بناء، ومع أمي التي تلتزم منزلها دائما، ومع أفراد من عامة الناس. انه ليس فقط للفنانين الآخرين".
إلا أن التقرير اعتبر أن هناك هناك الكثير من العمل الذي يتحتم القيام به من أجل سد هذه الفجوة بين الفنانين والناس. ونقل عن الفنانة ربين حمرفق قولها إن السليمانية تفتقر الى وجود فكرة عامة حول "ما يجب أن يكون عليه الفن"، مضيفة ان "بعض الأحياء لم يكن لديها حتى معرض واحد خلال 10 سنوات. فكيف تتوقع أن يفهم الناس الثقافة؟".
ونقل التقرير عن "دارو" قوله "نحن ننتقد كثيرا لاننا نريد جعل السليمانية مساحة مثالية للفن".
التمويل المالي
الى ذلك، ذكر التقرير أن أحد مصادر القلق الاخرى للفنانين هو تأمين التمويل لمشاريعهم، مشيرا إلى أنه في حين تتوفر بعض مصادر الدعم المحلية، إلا أن التمويل من الحكومات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية يؤدي دورا كبيرا، على غرار ما يقدمه مثلا "معهد جوته" و"المعهد الفرنسي" من دعم للمعارض في اقليم كوردستان.
الا ان شيروان كان يقول ان هذه الجهات "لديها تمويل من اجل بناء السلام ومشاريع نسائية. لذلك نحن لا نصنع ما نريد. نصنع مشروعا وفقا لما يريده الممول.. وهذا تأثيره سيء على المشهد الثقافي".
وتابع التقرير أن الدعم المحلي مصدر يقتصر على دائرة صغيرة من المتبرعين والشخصيات المرتبطة بالأحزاب السياسية الحاكمة.
واشار الى انه كان لدى الفنانين مشاعر متباينة حول دعم مشاريعهم من جهات حزبية، وذلك خشية انخراطهم في مشروع سياسي لا سلطة لهم عليه.
الأصوات المتشددة
وبالاضافة الى هذه التحديات، فإن الفنانين في السليمانية يواجهون المعارضة لأعمالهم الفنية من جانب المحافظين المتدينين الذين أصبحت أصواتهم اقوى في اقليم كوردستان، ويستغلون انتقاداتهم للظواهر الفنية، من أجل كسب التأييد الشعبي.
وفي هذا الاطار، اشار التقرير الى ان قوات الامن سرعان ما أوقفت العمل الفني الذي قامت بها تارا عبد الله حول العنف ضد المرأة، بعد تلقي شكاوى بينما ارتفعت الانتقادات من أوساط دينية وذكورية.