شفق نيوز/ ذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أن السعودية تستعد لمواجهة حملة جديدة من الضغوط الامريكية بعد قرارها من خلال منظمة "أوبك+" تخفيض انتاج النفط مليوني برميل يوميا. وكشفت المجلة عن معلومات بأن إدارة الرئيس جو بايدن كانت تسعى الى اقناع المنظمة بتأجيل قرارها لمدة شهر ليتزامن مع الانتخابات النصفية في الكونجرس الأمريكي.
وتحدثت "نيوزويك" الى عدد من الخبراء السعوديين البارزين من أجل توضيح طبيعة موقف المملكة من قرار تخفيض الإنتاج النفطي وعلاقتها المتوترة مع الادارة الامريكية، وكيفية نظرة الرياض لما يجري حيث يتوقعون صمود العلاقات مع واشنطن أمام التدهور الحالي، لكنهم أعربوا عن اعتقادهم بأن السعودية مستعدة للاستمرار بمسارها السياسي المستقل عن واشنطن بغض النظر "العواقب" التي كان البيت الأبيض لوح بها بوجه السعوديين.
ونقل التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ عن الخبير السعودي محمد الصبان ، الذي شغل منصب كبير مستشاري وزير الطاقة السعودي السابق، قوله إنه "فوجئ" باللهجة القاسية التي استخدمتها إدارة بايدن. ولفت الصبان الى بيان وزارة الخارجية السعودية الأخير الذي يعني أن المملكة تعتبر نفسها "دولة ذات سيادة ولا تتلقى الاوامر من احد".
واعتبر الصبان أن قرار السعودية جاء على الرغم من "مطالب واشنطن المتكررة" التي جاءت خلال زيارة بايدن إلى المملكة في تموز/يوليو وأيضا قبل وبعد اجتماع "أوبك +" المنعقد في 5 اكتوبر/تشرين الاول في فيينا، مضيفا أنه يشتبه بوجود دوافع خفية لهذه المطلب الامريكي بالنظر الى التواريخ الزمنية التي أثيرت خلالها.
واعرب الصبان عن استغرابه لان ادارة بايدن طلبت من "اوبك +" تأجيل قرارها بتخفيض إنتاج النفط لمدة شهر واحد، متسائلا "لماذا طلبوا من المنظمة أن تفعل ذلك، ولماذا اختاروا هذا التوقيت المحدد"، مضيفا بالقول "نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة لكن من الواضح أن طلب تأجيل خطوة أوبك مرتبط بانتخابات التجديد النصفي المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني".
لكن الصبان أشار إلى أن السعودية ودول أوبك الأخرى، تجاهلت الطلب الأمريكي.
وذكر التقرير؛ أن المسؤولين السعوديين، كما الدول الاخرى في "أوبك+"، اكدوا ان قرار المنظمة بخفض الإنتاج "ليس سياسيا" وهو متلائم مع توقعات متطلبات الطاقة العالمية. وأجرى هؤلاء مقارنة عما جرى خلال ازمة وباء كورونا عالميا، عندما وافقت المنظمة على خفض الإنتاج 10 ملايين برميل يوميا في نيسان/ابريل 2020. واستعان الصبان بمنطق الفكرة نفسها حيث اشار الى ان الانتاج النفطي ارتفع بعدها تدريجيا عندما بدأ وباء كورونا بالتراجع.
واشار التقرير الى انه برغم ذلك، فإن رد الفعل في واشنطن كان قاسيا إذ ان بايدن كان يحاول جاهدا المحافظة على أسعار منخفضة للوقود بعدما كان اتخذ إجراءات خلال الصيف الحالي بينها إطلاق ملايين براميل النفط من الاحتياطي الاستراتيجي وعمد إلى الضغط على الشركات لمنعها من رفع الأسعار. واضاف ان "خطوة أوبك+ شكلت تحديا اضافيا للادارة في وقت حساس سياسيا".
وتابع أن ردود الفعل كانت واضحة داخل الحزب الديمقراطي وبلغ الأمر ببعض الأعضاء النافذين في الكونجرس الى حد المطالبة بإيقاف المساعدات الأمنية للرياض. وذكّر التقرير بأن منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي قال إن الادارة الامريكية تقوم بـ"اعادة تقييم" العلاقة المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية مع السعودية.
وحول دعوات أميركية لوقف مبيعات الاسلحة الامريكية الى السعودية، قال الصبان؛ ان المشرعين الامريكيين تحدثوا "كما لو كانوا يعطوننا اسلحة مجانا"، مذكرا بأن السعودية "تدفع ثمن كل صفقة سلاح". كما لوح بأن هناك بائعين آخرين كروسيا ودول في شرق اسيا، بإمكان السعودية ان تشتري السلاح منهم.
ولفت الصبان الى ان اهمية تحقيق علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية متوازنة مع دول مختلفة في العالم، موضحا أن المملكة تعمل منذ عقود على "تطوير العلاقات مع الصين ودول جنوب شرق آسيا وروسيا وغيرها، مضيفا أن هذا "التنوع مهم وتوازنه مهم من أجل ضمان استقرار الاقتصاد السعودي".
ومن جهته، قال المحلل السعودي المختص بالنزاعات الدولية سعد عبدالله الحامد، أن السعودية "لم تشهد اي مساعدة عسكرية مناسبة مقدمة من الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، وهذا لم يؤثر كثيرا على القدرات العسكرية للمملكة".
واعتبر الحامد؛ أن قرار بوقف المساعدات العسكرية للسعودية سيكون خطوة "غير حكيمة"، لان قرار "أوبك+" لم يتخذ من جانب الرياض وحدها وإنما من جانب مجموعة من الدول التي لم تكن تستهدف أي طرف ثالث، بما في ذلك واشنطن.
الا ان الحامد لفت إلى أن السعودية لا تسعى ايضا الى اثارة التوترات مع روسيا، حتى لو كانت واشنطن تتطلع الى القيام بذلك مع دول اخرى. وتابع "ليس لدينا عداء تجاه الولايات المتحدة لأنها حليف استراتيجي"، الا انه اكد ان السعودية "لا تريد ان تكون معادية لروسيا لأنها حليف ايضا"، مضيفا أن الرياض السعودية لا تريد أن تكون جزءا من النزاع الحالي بين الولايات المتحدة والغرب وروسيا.
وباعتقاد الحامد فإن العلاقات الأمريكية-السعودية ستستمر برغم المسائل الصعبة السابقة كهجمات 11 سبتمبر/أيلول وقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ونقل التقرير عن الباحث السياسي السعودي هشام الغنام تشكيكه في توقيت حملة الضغط الأمريكية معتبرا انها "تثير تساؤلاً جدّياً حول علاقة هذا المطلب بالانتخابات النصفية المقررة الشهر المقبل".
وبينما رفض مسؤولون امريكيون التاكيد بشكل رسمي على التوقيت المحدد وطبيعة اتصالاتهم مع نظرائهم السعوديين في محاولة لمنع "أوبك +" من خفض انتاج النفط، ذكر التقرير بأن متحدثا أمريكا اعتبر قرار المنظمة "لن يؤثر على الإمدادات فحسب، بل سيزيد أيضا من الإيرادات الروسية ويقلل من فعالية العقوبات التي فرضناها مع حلفائنا وشركائنا على روسيا".
وأيّد الغنام تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية حول إعادة تقييم العلاقات مع الرياض من جانب ادارة بايدن منذ ايامها الاولى، قائلا إن نهج بايدن العام تجاه السعودية، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان مثل مقتل خاشقجي والمخاوف بشأن الخسائر المدنية في الحرب الجارية في اليمن، كان واضحا منذ مجيئه الى البيت الابيض.
واعتبر الغنام؛ أن الولايات المتحدة، منذ انسحابها من العراق ثم الاتفاق النووي مع إيران، منحت الرياض فرصة من اجل اعادة التفكير في موقف واشنطن، وخاصة الإدارة الديمقراطية.
وحدد الغنام أن نهج بايدن في السياسة الخارجية يتميز بإعادة النظر بقوة امريكا ووضعها في المنطقة من خلال الضغط على الحلفاء ومحاولة استمالتهم من أجل الاقتراب من الولايات المتحدة وابعادهم عن القوى العالمية المنافسة مثل الصين وروسيا. وذكّر بتصريح بايدن خلال زيارته إلى السعودية في تموز/يوليو عندما قال إن واشنطن "لن تترك فراغا في الشرق الاوسط تملاه روسيا أو الصين".
وتابع الغنام؛ ان "السعودية لا تعمل دائما كدولة تابعة للبيت الأبيض في معظم المصالح المشتركة القائمة بينهما"، مضيفا أنه خلال السنوات الماضية، قامت الرياض ببلورة تصور بأن رد الفعل الأمريكي على القضايا الاستراتيجية والامنية والعسكرية المتعلقة بالمملكة يشير الى عدم تقدير واحترام واعتبار لما تعتبره الرياض من اولوياتها".
وبشكل محدد، ذكر الغنام بموقف ادارة بايدن التي سارعت الى الغاء تصنيف جماعة أنصار الله الحوثية على انها منظمة ارهابية. كما ذكر أن رد واشنطن على الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة الايرانية ضد المملكة، لم يكن كافيا.
وخلص الغنام الى القول ان "الرياض ادركت ان موقفها مع المصالح الأمريكية يضر بسمعتها ومكانتها في المنطقة"، مضيفا أن المملكة ترفض القبول بـ"إملاءات" من أي قوة، بما في ذلك الصين وروسيا.
الا ان الخبير السعودي قال إن "واشنطن والرياض تربطهما علاقات استراتيجية وعسكرية وسياسية واقتصادية منذ عقود، وليس مرجحا أن تتفكك هذه العلاقة في المستقبل".
واضاف ان العديد من الاصلاحات التي قامت بها السعودية تنبع من "التجربة الامريكية".
الا انه لفت الى التغييرات المختلفة الجارية في المنطقة، وإلى أنه يتحتم على واشنطن أن "تدرك أن هذا التغيير هو نقطة تحول على جميع المستويات".
ترجمة: وكالة شفق نيوز