شفق نيوز/ لا ماء صالح للشرب ولا مرافق خدمية، والأمراض تحيط بهم من كل صوب، معاناة مع تلوث الطبيعة يعيشها سكان قرية "البوسوف" الواقعة على نهر الفرات، إلى الشرق من مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار.
قرية البوسوف التي يتجاوز عدد سكانها 2000 نسمة، من المفترض أن تكون نموذجاً لبقية القرى في المحافظة من حيث الجمال والطبيعة كونها تقع على جانب الطريق السياحي شرقي مدينة الناصرية مركز المحافظة المليء بأشجار الطبيعة، كما يقول أحد وجهائها.
يعقوب (أبو أكرم) أحد وجاهات القرية، أشار خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "قدر القرية جعلها أكثر سوءاً من بقية شقيقاتها من القرى الأخرى، إذ أن قريتهم لا تحتوي على مركز صحي أو مدرسة ذات مواصفات جيدة، فيما تتغلغل بداخلها محطة تصريف مجاري منطقة الإسكان".
وبين أن "القرية حصلت مؤخراً على قرارٍ بتعبيد أحد طرقها بسبب قيام المواطنين فيها بإغلاق محطة تصريف المجاري، حيث هددت غالبية مساكن مناطق جنوبي الناصرية بطفح منازلهم، مما تم التعجيل بتعبيد أحد الطرق المهمة في القرية".
وأوضح أن "الماء الذي تعتمده القرية هو من نهر الفرات، لكن في الحقيقة هو ملوث بشكل كلي، من محطة تصريف المجاري ترمي مخلفاتها بداخل النهر الذي نعتمده لأمور الحياة اليومية كافة".
وأشار إلى أن "المنازل المحيطة بمحطة المجاري في القرية، تعرضت جميعها لإصابات خطرة بأمراض لا شفاء منها وأبرزها مرض السرطان الذي تسبب بوفاة 7 أشخاص العام الماضي، فيما يوجد العشرات منهم مصابين حاليا يخضعون للعلاج"، داعيا الجهات الحكومية المختصة إلى "التحرك وإنقاذ عوائلهم من خطر الأمراض الذي يداهمهم".
أرقام صادمة للسرطان
مصدر طبي في دائرة صحة ذي قار، أبلغ وكالة شفق نيوز، أن "المحافظة مليئة بمصابي مرض السرطان وبأرقام اصابات كبيرة، لافتا إلى أنه لم يثبت لدى الدائرة شيء علمي أن مرض السرطان جاء بسبب تلوث المياه والهواء".
وذكر المصدر أن "أرقام الإصابات في المحافظة ارتفعت من 557 مصابا في عام 2006 إلى 1602 مصابا في عام 2019، فيما لم تصدر إحصائية بإعداد المصابين بالمرض خلال العامين الماضيين (2020 و2021) والتي من المتوقع ان تصل الاصابة فيهما إلى قرابة الـ3000 شخص".
وبين المصدر، ان "اعداد المصابين بمرض السرطان من سنة 2006 ولغاية 2019 بلغت 11 ألفاً و957 شخصاً مصاباً، ومن المرجح أن تتجاوز حاجز الـ15 إصابة، فيما لو أضيف لها احصائية عامي 2020 و2021 بعد إكمالها من قبل وزارة الصحة الاتحادية"، لافتا إلى أن "هذه الأعداد هي إصابات الأشخاص المسجلة رسميا، بينما هناك المئات من غير المسجلين الذين يتلقون العلاج على نفقتهم الخاصة".
التلوث والأمراض
من جانبها، نوهت مديرية بيئة ذي قار، إلى تشخيص دقيق لمناطق التلوث في مدينة الناصرية، فيما أكدت أن محطات المجاري السبب الرئيس لتلوث مياه الأنهر.
وذكر مدير البيئة كريم هاني، لوكالة شفق نيوز، أن "هناك متابعات عديدة بخصوص موضوعة تلوث المياه على نهر الفرات وخاصة مناطق جنوبي الناصرية، كون محطات المجاري ترمي مخلفاتها بها مباشرة دون أي عملية تصفية لها، وهذا التلوث يذهب حتى لمناطق الاهوار مما يشكل خطر على الحياة البيئية فيها وكونها من المحميات الطبيعية".
وأضاف هاني، أن "القانون سمح لإدارته بالتدخل عن طريق إنذارها وإصدار أمر بغلق هذه المحطات التي تسبب التلوث ومصدرها، وفي حال عدم الاستجابة يتم التحرك قضائياً ضدهم من خلال إقامة شكاوى جزائية لمخالفتهم الشروط البيئية".
وتابع، ان "غلق المحطة أو إلغاءها تظهر مشكلة أخرى وهي ان مياه الصرف الصحي، اين ستذهب؟"، مؤكدا أن "الحل الأمثل لهذه مسألة خطيرة، هي إنشاء محطات معالجة، وهذه المحطات للأسف غير موجودة، والجانب الرسمي لم يعر هذا الموضوع أي أهمية، رغم أن لها أهمية كبيرة في الحفاظ على المياه من التلوث".
وأشار إلى أن "مناطق جنوبي الناصرية تتعرض للتلوث بشكل كبير، كونها تقع في ذنائب النهر وبالتالي جميع تلوثات النهر تكون من حصتهم"، مؤكدا أن "استخدام مياه النهر من قبل القرى المطلة على النهر مباشرة وغيرهم من المواطنين سيولد لهم أمراضاً خطيرة ليس من السهل الشفاء منها على القريب".
وفي شهر أيلول من العام الماضي 2021، اعلنت مديرية مجاري ذي قار، عن قرب اكمال مشروع هو الأول من نوعه في المحافظة ينهي الخروقات الحاصلة على نهر الفرات من قبل المواطنين.
وذكر مدير الدائرة، حيدر الأسدي، لوكالة شفق نيوز، أن "إدارته شارفت على الانتهاء من مشروع مجاري وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة بطول 2 كم و600 متر يمتد من محطة الكلية المخصصة لمياه الأمطار إلى المحطة السابعة المرتبطة بمياه المصب العام، حيث بلغت نسبة الإنجاز أكثر من 95%".
وأضاف، أن " كلفة المشروع بلغت مليار و400 مليون دينار عراقي بضمنها تبليط مقتربات الجسر الكونكريتي التي يسير من خلالها المشروع ".
ولفت الأسدي، إلى أن" محطة الكلية كانت متجاوز عليها من قبل المواطنين "، مشيراً إلى أن "إدارته سعت جاهدة خلال الفترة الماضية لإنهاء أزمة نهر الفرات داخل مدينة الناصرية والمتمثلة برمي المخلفات الثقيلة داخله".