شفق نيوز- كرميان
في عمق سهول كرميان، حيث ينعكس ضوء الشمس على مساحات بيضاء لامعة كأنها بساط من الكريستال، يعيش مئات الأهالي على مهنة قديمة حولت مياه الأمطار إلى "ذهب أبيض".
لكن هذا المشهد التراثي، في كرميان التابعة لقضاء جمجمال ضمن حدود محافظة السليمانية في إقليم كوردستان لم يعد كما كان، إذ باتت البرك تنتج من منتجها السحري، أقل من ثلث ما كانت تمنحه في الماضي، وسط معاناة الأهالي بين قسوة الطبيعة وغياب البنية التحتية.
بيشكوت سعدون ناميق، وهو رجل خمسيني من أبناء المنطقة، يتحدث لوكالة شفق نيوز، بينما يقف عند حافة بركة ملحية تتلألأ تحت شمس آب، قائلاً: "نحن مجموعة من الأقارب نعمل سوياً على جمع الملح الذي تنتجه الأرض هنا تبدأ العملية بعد موسم الأمطار، حين تتجمع المياه في البرك، ومع حرارة الشمس تتحول شيئاً فشيئاً إلى طبقات ملحية".
ويشير بيشكوت بيده إلى أدوات بسيطة يستخدمونها: مجرفة حديدية وسلال يدوية، ثم يضيف: "في شهر أيار/مايو من كل عام، ننظف الأملاح من الشوائب التي علقت بها بعد الأمطار، نكسرها وننعمها، ثم نملأ البرك مجدداً بكميات مدروسة من المياه. نتركها حتى أواخر حزيران/يونيو أو مطلع تموز/يوليو، حين نحصد نوعين من الملح؛ الخشن الذي يطفو على السطح، والناعم المخصص للاستهلاك البشري".
لكن بين كلماته حزن على ما آلت إليه المهنة، إذ يقول: "قبل سنوات كنا ننتج سنوياً بين 800 و900 طن، أما الآن فلا يتجاوز إنتاجنا 250 طناً فقط".
ويرجع السبب إلى الهزات الأرضية التي ضربت كرميان عام 2017، فتدفقت عيون مياه عذبة إلى البرك المالحة، مما أفسد عملية التبخر، ويؤكد "نحتاج لمعدات متطورة لفصل المياه، وهذا يتطلب تدخلاً حكومياً عاجلاً"، يضيف بيشكوت.
ويتحدث عن تغيير وتيرة العمل قائلاً: "سابقاً كنا نملأ المخازن خلال أيام قليلة، أما الآن فنمضي أسابيع في الحر الشديد لنحصل على كمية لا تكفي الطلب".
في الطرف الآخر، يروي محمود شاسوار، وهو من سكان إحدى القرى المجاورة، أن أكثر من 200 قرية تعيش على هذا الإنتاج، لكنهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى البرك بسبب عدم وجود طرق معبدة.
ويؤكد شاسوار، لوكالة شفق نيوز، أن الملح المنتج نوعان: أحدهما للاستخدام البشري، والآخر للحيواني، وتتراوح أسعاره بين 15 و20 ألف دينار للكيس الواحد الذي يزن نحو 20 كيلوغراماً.
ويشير بابتسامة إلى تغيير أسلوب التعبئة قائلاً: "في الماضي كنا نبيع الملح في أسطوانات معدنية، أما الآن فصار يباع في أكياس بلاستيكية".
ووثقت كاميرا شفق نيوز، صوراً لأهالي قرية "خوێڵێن" في منطقة كرميان التابعة لقضاء جمجمال ضمن حدود محافظة السليمانية، وهم يعملون على إنتاج الملح، حيث ينتجون كل عام كميات كبيرة من مادة ملح الطعام بسبب وجود مياه مالحة في قريتهم، حيث يغطي المنتج في القرية كوردستان وباقي المحافظات.
وتعود مهنة إنتاج الملح في كرميان إلى مئات السنين، وهي تعتمد على التبخر الطبيعي لمياه الأمطار في برك ترابية واسعة. ويُعرف ملح كرميان بجودته العالية، حيث يستخدم في الغذاء والمواشي والصناعات التقليدية، لكن السنوات الأخيرة شهدت تغيرات بيئية وهزات أرضية أضعفت الإنتاج، في وقت يعاني فيه الأهالي من ضعف الخدمات وغياب الدعم الحكومي، ما يهدد استمرار هذا الإرث الاقتصادي والاجتماعي.