شفق نيوز/ يواصل الدينار العراقي دفع الثمن، من خلال ترنحه أمام الدولار، ولعل السبب الأبرز يكمن بالتغيير الملحوظ من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، تجاه السياسة النقدية في العراق، بسبب عمليات تهريب العملة إلى إيران التي تعاني من عقوبات اقتصادية شديدة منذ سنوات.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، سلطت الضوء على ملف العملة في العراق، في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز، أشار إلى أن الاقتصاد العراقي يعاني من الترنح مع تراجع قيمة الدينار 10% أمام الدولار، ما أدى الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية.
الإجراء الأمريكي
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، في تقريرها أن "المسؤولين الامريكيين والعراقيين يقولون ان الضوابط الأكثر صرامة التي فرضها البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، فيما يتعلق بتعاملات الدولار من جانب البنوك العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي هي خطوة تستهدف الحد من تبييض الأموال والتهريب غير القانوني للدولارات الى ايران ودول اخرى في الشرق الاوسط خاضعة لعقوبات مشددة.
وأضافت أن "الإدارات الأمريكية المتعاقبة أجلت دخول النظام المصرفي العراقي الى اليات تحويل الاموال العالمية حتى الان، بسبب سنوات الحكومات الضعيفة في العراق والازمات المتمثلة بالتمرد خلال فترة الاحتلال الامريكي، وصولا الى سيطرة تنظيم داعش على اجزاء واسعة من البلد.
وبحسب مسؤولين أمريكيين وعراقيين وبيانات رسمية، فإن منذ بدء تطبيق الاجراءات الجديدة، تم حظر 80٪ او اكثر من تحويلات الدولار اليومية الى العراق، والتي كان يبلغ مجموعها في السابق اكثر من 250 مليون دولار في بعض الايام، وذلك لاسباب من بينها عدم كفاية المعلومات المتعلقة بوجهة هذه الاموال او بسبب اخطاء أخرى.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن "في ظل الشح في توفر الدولار، تراجع الدينار العراقي بنسبة تصل الى 10٪ مقابل الدولار، وهو ما تسبب في الارتفاع القوي في اسعار السلع المستوردة، بما في ذلك السلع الاساسية مثل البيض والطحين وزيت الطهي".
سياسة الصدمة
ونقل تقرير "وول ستريت جورنال"، عن رئيس مجلس إدارة مصرف الجنوب الإسلامي محمود داغر (مسؤول سابق في البنك المركزي العراقي) قوله إن "طوال 20 سنة، كنا نتبع النظام نفسه، الا ان سياسة الصدمة التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي خلقت ازمة داخل الاقتصاد العراقي".
ولفت التقرير الى ان هذا الاضطراب يعكس العلاقات الحذرة والمتداخلة بين واشنطن وبغداد، مذكرا بانه منذ ان ساهمت الولايات المتحدة في انشاء البنك المركزي العراقي في العام 2004، تحول الدولار الامريكي الى كونه العملة الرئيسية للبلد بدرجة كبيرة لان جانبا كبيرا من اقتصاد العراق يعمل على النقد.
وتابع التقرير انه من اجل تزويد العراق بالدولارات، تقوم طائرات بنقل شحنات من العملة الامريكية الى بغداد كل بضعة اشهر، مشيرا الى ان دولارات اضافية تتدفق الكترونيا من خلال المعاملات التي تقوم بها البنوك العراقية، والتي يتم سحبها من حسابات عراقية رسمية في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك حيث تودع عائدات مبيعات النفط.
وأقر المسؤولون الامريكيون، أن "القواعد المتشددة للتحويلات الالكترونية للدولار من قبل البنوك العراقية لم تكن مفاجاة للمسؤولين في بغداد، موضحين انه جرى تنفيذها بشكل مشترك في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد عامين من النقاش والتخطيط من قبل البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الامريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي، مؤكدين أن "زيادة سعر صرف الدولار لم يكن بسبب الاجراءات الجديدة".
ونوهت الصحيفة الأمريكية، إلى أن "التدقيق في المعاملات بالدولار تسبب في اقبال على الدولار في العراق وموجة من الانتقادات من جانب المسؤولين والمصرفيين والمستوردين العراقيين الذين ينتقدون النظام الجديد لانه تسبب بحدوث صدمة مالية غير ضرورية وساهم في تفاقم مشاكلهم الاقتصادية الحادة.
نظام "المنصة" الجديد
وأوضحت أن "وفق الاجراءات الجديدة المطبقة، يتحتم على البنوك ان تقدم طلبات التحويلات بالدولار عبر منصة الكترونية جديدة مع البنك المركزي، ثم يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بمراجعتها".
ونقل التقرير عن مسؤولين امريكيين قولهم ان هذا النظام "يستهدف الى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي من اجل تهريب الدولارات الى طهران ودمشق وملاذات آمنة لتبييض الاموال في كافة انحاء الشرق الاوسط".
ونقل التقرير عن داغر قوله انه "في ظل القواعد القديمة، لم يكن ملزما لاصحاب الحسابات البنكية العراقية الافصاح عن الجهة التي يرسلون الاموال اليها الا بعد تحويل الدولارات بالفعل".
ونقل التقرير عن متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قولها في اشارة الى الحسابات البنكية التابعة لحكومات اجنبية والتي تقع تحت سيطرته، على غرار الحسابات العراقية، قولها انه "يوجد لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتطور مع مرور الوقت مستجيبا للمعلومات الجديدة".
كما نقل التقرير عن مسؤول امريكي قوله ان هذه الاجراءات ستقلص من "قدرة الاطراف الخبيثة على استخدام النظام المصرفي العراقي".
ولفت التقرير الى ان كلا من وزارة الخزانة الامريكية والبنك المركزي العراقي امتنعا عن التعليق، لكن البنك المركزي العراقي كان وصف المنصة الالكترونية الجديدة في بيان صدر في 15 كانون الاول/ديسمبر مشيرا الى انها تتطلب تقديم "تفاصيل كاملة عن العملاء الذين يريدون تحويل الاموال"، بما في ذلك من هم المستفيدون في نهاية المطاف منها، مضيفا انه "يتم اكتشاف عدد من الاخطاء وان ما هو مطلوب من البنوك، اعادة العملية"، مشيرا الى ان هذه الاجراءات ستتطلب وقتا اضافيا قبل ان يتم الحصول على الموافقة وتمريرها من قبل الآلية الدولية".
ووفقا لمسؤولين عراقيين ووثائق قضائية، فان البنك المركزي منع اربعة بنوك، بينها بنك اسيا الاسلامي، وبنك الشرق الاوسط العراقي، من القيام باي معاملات بالدولار.
ولفت التقرير الى ان المسؤولين الامريكيين يمارسون ضغوطا على العراق منذ سنوات من اجل ان يعزز ضوابطه المصرفية، مشيرا نقلا عن مسؤولين امريكيين في ذلك الوقت الى ان بنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة اوقفا بشكل مؤقت في العام 2015 تدفق مليارات الدولارات الى البنك المركزي العراقي بسبب مخاوفهما من ان الدولارات كانت في طريقها الى بنوك ايرانية وربما يتم تحويلها الى متشددي داعش.
واشار التقرير الى ان بعض المسؤولين العراقيين يؤيدون تعزيز الرقابة على البنوك العراقية، ونقل في هذا الاطار عن النائب هادي السلامي، وهو عضو في هيئة مكافحة الفساد، قوله ان الاحزاب السياسية والميليشيات تسيطر على معظم البنوك ، وتستخدمها لتهريب الدولارات الى دول الجوار، مضيفا "نحن بحاجة الى ايقاف هذا على الفور".
واعتبرت الصحيفة الأمريكية، في تقريرها أن تأثير الضوابط الجديدة يمكن ملاحظة تأثيرها في التراجع الحاد في تعاملات البنوك بالدولار، والتي يتتبعها البنك المركزي على موقعه على الانترنت، مضيفا انه في 17 تشرين الاول/اكتوبر من العام الماضي، اي قبل دخول الضوابط الجديدة حيز التنفيذ، بلغت التحويلات اليومية من الحسابات الرسمية للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك والمؤسسات الخارجية الاخرى 224.4 مليون دولار، بينما بلغت في 17 يناير/كانون الثاني الماضي ، 22.9 مليون دولار، وهو ما يعادل تراجعا بنسبة 90٪.
وبينما يقول المسؤولون الامريكيون، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، إن هذا التخبط المالي سيخف مع امتثال اصحاب الحسابات العراقيين للضوابط الجديدة، لفتت الصحيفة إلى أن "المصرفيين العراقيين وتجار العملية يعتبرون ان القواعد الجديدة تستهدف ايقاف اساليب المخططات المستخدمة من اجل سرقة الدولارات".