شفق نيوز- بغداد

تُعد حلوى "الخريط"، من الحلويات القديمة التي عرفها العراقيون منذ نحو 4000 عام، وما تزال تشكل مصدراً من مصادر الثروات في مناطق الأهوار، حيث ينتفع السكان من مبيعاتها الفصلية في الأسواق المحلية.

وتُستخرج هذه الحلوى من نبات البردي الموجود في مياه الأهوار، وسُمّيت "الخريط" نسبة إلى طريقة صناعتها، إذ تعتمد على "الخرط" أي استخراج المادة الصفراء التي تشبه الطحين من البردي. 

ويتم عزل هذه المادة وجمعها في أوانٍ لتوضع تحت الشمس حتى تجف، ثم تُفصل المادة البودرية الصفراء عن المواد الأخرى عبر تصفيتها باستخدام قطعة قماش، وبعدها تُغلى في قدر مملوء بالماء، ثم تُترك لتبرد، وتُقطّع على شكل مربعات لتكون جاهزة للتناول.

ويقول الكاتب علي العقابي، أحد مؤرخي قضاء المجر الكبير بمحافظة ميسان، إن "من أشهر الصناعات المحلية في جنوب العراق عامة، وفي مدينة المجر الكبير واهوارها على وجه الخصوص، صناعة حلوى الخريط الطيبة التي اشتهرت باسمها الغريب، بسبب استخراجها من زهور البردي (الضربوط) في موسم الربيع".

ويوضح العقابي، لوكالة شفق نيوز، أن "اسم هذه الحلوى متأتٍ من طريقة جمع الخريط بسحب كتلته الهشة من النصل الحامل، وتسمى هذه العملية بـ(الخرط)، وهي تتطلب جهداً كبيراً، ويدعى من يقوم بها بـ(الخراط)".

ويشير إلى أن "الخريط حلوى موسمية تبدأ من شهر نيسان وأيار، ويستمر بيعها في الأسواق خلال تموز وآب وأيلول".

فوائد صحية

في المقابل، يؤكد متخصصون أن الخريط مفيد لصحة الإنسان، إذ يمكن تناوله لمعالجة أمراض القولون والمعدة، والتهاب الحنجرة والقصبات الهوائية والرئتين، ويساعد على تنظيف المجاري البولية، كما يستخدمه النحالون لدعم خلايا النحل الضعيفة، ويدخل في العديد من الصناعات الدوائية.

إلى ذلك، يقول أخصائي الأغذية عبد الواحد الخفاجي، لوكالة شفق نيوز، إن "الخريط كحلوى نباتية مفيدة جداً للجهاز الهضمي، وخاصة أمراض القولون والمعدة، ويساعد على علاج حالات الإسهال والمغص المعوي".

ويتابع الخفاجي، قائلاً: "أثبت الخريط أيضاً قدرته على تقوية العظام والأسنان عند الأطفال"، مؤكداً أنه "يؤدي دوراً مهماً في صحة القلب والأوعية الدموية، ويساعد على خفض ضغط الدم واستقرار نسبة الكوليسترول".

كما يلفت إلى "عدم وجود أضرار صحية عند تناول هذه الحلوى من قبل كبار السن، بل بالعكس، فهي تتضمن مزايا عديدة مفيدة لصحة الإنسان بشكل عام".

وفي تسعينيات القرن الماضي انخفض إنتاج الخريط بسبب تجفيف الأهوار المتعمد، لكنه عاد بعد أن غمرت المياه الأهوار، غير أن الجفاف الحالي أدى إلى انخفاض إنتاجه وارتفاع أسعاره.

أسعار "الخريط"

وتتراوح أسعار حلوى الخرّيط بين 50 ألف دينار للكيلو غرام الواحد خلال موسمه، أي في أشهر نيسان وتموز وأيار وآب، فيما يرتفع ثمنه بعد انقضاء هذه الأشهر إلى 100 ألف دينار للكيلو الواحد بسبب ندرته.

وتقول فاطمة دعير، من أهالي أهوار الجبايش بمحافظة ذي قار: "فقدنا في منطقة (شان حلاب) العمل بهذه المهنة نتيجة جفاف الأهوار وانتقالنا مع العديد من الأهالي إلى مناطق أخرى".

وتضيف خلال حديثها لوكالة شفق نيوز: "كنا في موسم صناعة الخريط ننتج كميات تتراوح بين 40 إلى 100 كيلوغرام"، مشيرة إلى أن "مبيعات هذه الحلوى تحقق أرباحاً جيدة تضاف إلى ما نحصل عليه من مردودات الزراعة والمنتجات الحيوانية التي كانت توفر لنا مبالغ جيدة للعيش".

وتشير دعير، إلى "فرار العديد من أهالي منطقة (شان حلاب) إلى مناطق أخرى هرباً من الجفاف والتوجه إلى أماكن يتوفر فيها الماء".

ويشكو البائعون من شح هذه الحلوى وندرتها، مؤكدين أن الكميات المسوقة من الخريط قليلة جداً مقارنة بالأعوام السابقة.

حيث يقول البائع خلدون الغزي، صاحب الـ 47 عاماً، من محافظة ذي قار: "كنت أعمل في بيع الخريط كمصدر رزق رئيسي لسنوات طويلة، فهو حلوى الجنوب المفضلة التي اعتاد عليها الناس".

ويتحدث الغزي، لوكالة شفق نيوز: "مع موجات الجفاف وقلة المياه في الأهوار، أصبح جمع الخريط وتصنيعه أصعب بكثير من السابق، ولذلك لجأتُ إلى إضافة منتجات أخرى إلى عملي مثل الحلاوة الدهينية والسمسمية من أجل الاستمرار في العمل".

ويستطرد بالقول إن "سعر الكيلوغرام الواحد من حلوى الخريط يتجاوز 50 ألف دينار خلال الموسم في محافظة ذي قار، أما في المحافظات الأخرى فيباع بضعف هذا المبلغ".

ويتابع أيضاً أن "رغم عدم إقبال الكثير من الشباب على هذه الحلوى، وتفضيلهم الآيس كريم والحلويات الحديثة، إلا أن الطلب عليها في تصاعد مستمر بسبب فوائدها الصحية العديدة".

وتسبب الجفاف بالعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في جنوب العراق، إذ أصاب الكساد العديد من الصناعات، ومنها صناعة القصب وحلوى الخريط، ما دفع العراق إلى استيراد هذه الحلوى من بعض دول الجوار. 

إلا أن نكهتها، بحسب المختصين، تبقى مختلفة تماماً عن الخريط المنتج في جنوب العراق، الذي يتميز بطعم خاص يشد الأجيال إلى ذاكرة جمعية مرتبطة بتراث الجنوب.