شفق نيوز/ تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الاميركية عن الأسباب التي جعلت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يريد فجأة الحوار مع إيران، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي لديه مصلحة واضحة في ترطيب الاجواء بين الرياض وطهران.
وذكّرت المجلة الاميركية بالمقابلة الاخيرة للأمير بن سلمان مع قناة تلفزيونية سعودية، والتي قال فيها انه يرغب باقامة علاقات أفضل مع إيران، واشارته الى انه "يعمل مع شركائنا في المنطقة من أجل تجاوز خلافاتنا مع إيران".
ولاحظت المجلة في تقرير لها، ترجمته وكالة شفق نيوز؛ أن هذه الهجمة تتناقض مع لهجته قبل أربعة أعوام عندما قال ان السعي الى الحوار مع إيران مستحيل، معتبرا أن نظامها قائم على "ايديولوجية متطرفة" متوعدا بأن السعودية ستنقل الحرب الى داخل ايران نفسها.
ولهذا تساءلت المجلة الاميركية، ما الذي حصل ليجعل هذا التحول بدرجة 180، ممكنا؟
واعتبرت أن أحد أبرز العوامل مقارنة بالعوامل الأخرى، هي المؤشرات المتزايدة على أن الولايات المتحدة جدية في تعديل تركيزها بعيدا عن الشرق الأوسط، مضيفة ان المسألة لا تتعلق بما يمكن ان تكون واشنطن قد فعلته، وانما بما لم تعد تقوم به وتحديدا طمأنة شركائها في المنطقة بانها ستواصل دعمهم من دون شروط، مهما كانت تصرفاتهم متهورة، مشيرة إلى ان ابتعاد واشنطن عن نزاعات المنطقة وحيل شركائها الشرق اوسطيين، اجبر قوى الاقليم على استكشاف ديبلوماسيتهم الخاصة.
وبدلا من التوقعات المتشائمة بان الفوضى ستعم المنطقة بسبب الانسحاب الأميركي من المنطقة، فان "الدبلوماسية الإقليمية" انطلقت.
وبحسب "فورين بوليسي"؛ غالب الظن أن تصريحات محمد بن سلمان المريحة تتعلق بالمفاوضات السرية التي جرت بين ايران والسعودية في العراق.
وأشارت المجلة إلى أن الكاظمي لديه مصلحة واضحة في تهدئة التوترات السعودية-الايرانية، لان خصومتهما واقتتالهما عبر الوكلاء في المنطقة، تهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في العراق، ولهذا فان الكاظمي يقوم بتسهيل المحادثات العربية-الإيرانية.
وبرغم النفي السعودية لانباء المحادثات، واكتفاء إيران بالترحيب بالحوار مع الرياض، فقد تبين أن ما نشرته "الفايننشال تايمز" للمرة الاولى حول هذه المحادثات، لم تكن سوى "قمة جبل الجليد".
ونقلت المجلة الاميركية عن موقع "أمواج ميديا" الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، ان الحوار لم يكن يقتصر على ايران والسعودية، وان المحادثات الاولى عقدت بين ايران ودولة الامارات العربية المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، تبعها لقاءات ضمت السعوديين والاردنيين والمصريين. وعلى الاقل، عقدت خمسة اجتماعات كهذه منذ بداية العام 2021.
وبرغم أن المحادثات السرية ركزت بشكل أساسي على الحرب في اليمن، فإنها شملت ايضا الاوضاع في سوريا ولبنان. وشارك في المحادثات المختلفة من هذه الدول كبار المسؤولين الامنيين بما في ذلك اللقاء بين قائد قوة القدس الايراني اسماعيل قاآني ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان.
واعتبر أن حقيقة أن المحادثات شملت لاعبين إقليميين آخرين بخلاف السعودية وإيران، تشير الى الحاجة الضرورية للحوار الإقليمي، وليس فقد المحادثات الثنائية لنزع فتيل التوترات، مضيفا انه برغم ان المحادثات ما زالت أولية إلا انها قد تبدل ليس فقط مسار العلاقات الايرانية-السعودية، وانما ايضا المشهد الأمني الأوسع إقليميا.
كما اعتبر ان السبب الثاني الذي يدعو الى التفاؤل ان هذا الحوار الاقليمي الاولي يتم دفعه وقيادته من جانب القوى الاقليمية بنفسها، ولم يتم فرضه من جانب القوى الكبرى من خارج المنطقة، ولا يتم قيادته من جانب دول من الخارج، مضيفا أن ذلك يشكل جانبا ضروريا من أجل نجاحها واستدامتها.
الا ان ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة لم تساهم في هذا المسار. واوضح التقرير ان العامل الاساسي الذي أرغم اللاعبين الإقليميين على السعي في طريق الديبلوماسية لم يكن التزام الولايات المتحدة بدعم الرياض في مواجهة طهران أو اية مبادرة ديبلوماسية جديدة تتعلق بالمنطقة. وتابع ان العكس تماما هو الذي حفز المحادثات، وهو المؤشرات المتزايدة في وضوحها بأن الولايات المتحدة تفك ارتباطها عسكريا بالشرق الأوسط.
وذكر التقرير؛ ان الرئيس الاميركي جو بادين كان متشككا بنظرة الولايات المتحدة إزاء الوجود العسكري في الشرق الاوسط، بالاضافة الى علاقة واشنطن بشركائها في المنطقة والذي اعتادوا جرها إلى نزاعاتهم واجندتهم. واضاف ان بادين قام بتوبيخ تركيا والسعودية والإمارات خلال لقاء لقاء مع طلاب جامعة هارفارد في العام 2014. وقال بايدن وقتها "الأتراك، السعوديون، الاماراتيون... ماذا كانوا يفعلون؟"، سأل طلاب جامعة هارفارد. لقد كانوا مصممين على إسقاط (الرئيس السوري بشار) الأسد ولديهم بشكل أساسي حرب بالوكالة بين السنة والشيعة. ماذا فعلوا؟ لقد ضخوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة لدعم أي شخص سيقاتل ضد الأسد".
وخلال الحملة الانتخابية في العام 2020، تعهد بايدن بسحب غالبية القوات الاميركية من افغانستان، وتقليص الدعم الاميركي للسعودية في حربها على اليمن، واعادة الانضمام الى المفاوضات النووية مع إيران، وهي ثلاثة قرارات تتلاءم بدقة مع أجندة تخفيض دور الولايات المتحدة في المنطقة.
وبعدما أشار التقرير الى ان بايدن بدأ بتحقيق هذه الخطوات بعد أن صار في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، أوضح أن "الرسالة الموجهة إلى القوى الإقليمية كانت واضحة: الشرق الاوسط ليس أولوية لإدارة بايدن فقط من أجل إيجاد سبل لتخفيف التشابكات الأميركية هناك".
واضاف انه لم يكن من المستغرب أن هذه الرسالة دفعت القوى الإقليمية إلى البدء في استكشاف الدبلوماسية مع خصومها لسبب بسيط: لقد كانت الفرص الدبلوماسية موجودة طوال الوقت ولكن شركاء الولايات المتحدة كانوا ينظرون إليها على أنها دون المستوى الأمثل، مقارنة بخيار الاعتماد ببساطة على واشنطن لدعمهم وحل مشاكلهم".
وتابع انه طالما ان السعوديين كانوا يرون ان هناك الخيار الاميركي، فان المواجهة بالنسبة إليهم كانت تبدو متفوقة على الديبلوماسية. واوضح "فجأة، أصبحت الدبلوماسية الاقليمية الخيار المفضل بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط".
واشار الى انه عندما قتلت ادارة دونالد ترامب الجنرال الايراني قاسم سليماني، فانها قتلت المحادثات السعودية-الايرانية، لان سليماني كان قد حط في بغداد حاملا رسالة ايرانية لنقلها الى السعوديين. واوضح ان واشنطن رفضت وقتها الذهاب الى حرب مع ايران بعدما ضرب الحوثيون مواقع نفطية في السعودية، ما أجبر السعوديين على الانخراط في دبلوماسيتهم الخاصة مع إيران، وخففوا من حدة هجماتهم على اليمن.
وتابع انه بعد اغتيال سليماني، فان ادارة ترامب أعادت التزامها بسياسة المواجهة مع ايران، والسعوديون تأقلموا مع هذه الحقيقة، ولم تعد هناك ديبلوماسية سعودية - ايرانية.
وخلص تقرير المجلة الاميركية الى القول؛ ان "الدرس بالنسبة الى واشنطن كان واضحا: إذا اتخذت الولايات المتحدة خطوة الى الوراء عسكريا، فإن الشركاء الإقليميين سيحفزون على اتخاذ خطوة إلى الأمام دبلوماسيا".
لكن التقرير نبه الى ان هذا لا يعني ان انطلاق الدبلوماسية الاقليمية، مقدر لها أن تنجح، ومن المحتمل بقوة ألا تنجح، لكن مهمة جعلها تنجح ستقع بشكل اساسي على أكتاف القوى الاقليمية نفسها وليس على الولايات المتحدة. وهذا يشكل انتصارا لكل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط".