شفق نيوز/ إذا صحت التقارير القائلة بان ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن تعتزم رفع اسم الحرس الثوري الإيراني عن لائحة المنظمات الارهابية، فان ايران ستكون بذلك قد حققت انتصارا ربما لا يقل أهمية عن برنامجها النووي نفسه.
المساومات الأخيرة
هذه المعادلة ليست مبالغة بالنظر الى ان الحرس الثوري الإيراني يمثل العمود الفقري للنظام الإيراني وهو قوته الضاربة والفعالة، على الصعد السياسية والاقتصادية والامنية، وبالتالي فان تحريره من العقوبات الامريكية، وهو الممسك بنحو ثلاثة الاقتصاد الايراني، يعني انطلاقة جديدة وقوية للحرس، وتعزيزا للنظام الإيراني في جمهورية ما بعد الثورة الاسلامية التي بلغت الأربعين من العمر.
وكان موقع "أكسيوس" الاخباري الأمريكي نقل بالأمس عن مصادر إسرائيلية أميركية قولها إن بايدن تدرس إزالة الحرس الثوري من القائمة السوداء للإرهاب مقابل التزام علني من إيران بخفض التصعيد في المنطقة.
ويبدو حتى الآن أن مفاوضات فيينا التي توقفت "فجأة ومؤقتا" قبل اسبوع، دخلت مرحلة المساومات الاخيرة بعدما بدا أنها طوت تقريبا الجوانب المتعلقة بالاتفاق النووي نفسه، وتوسعت قليلا باتجاه قضايا مرتبطة بها. فعلي سبيل المثال، تعطلت المفاوضات فجأة بعدما تحدثت تقارير عن ان موسكو طالبت بضمانات بان علاقاتها التجارية والاقتصادية مع طهران، لن تتأثر بالعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
كما تحدثت تقارير أخرى عن أن الامريكيين التواقين بشدة من اجل اغراق الأسواق العالمية بالنفط والغاز للتعويض عن مصادر الطاقة الروسية الخاضعة للعقوبات، يستعجلون إبرام اتفاق مع الإيرانيين (ومع فنزويلا ايضا)، من اجل تسريع عودة إيران الى سوق الطاقة العالمي. وتحدثت أنباء أيضا عن ان القوى الغربية، وتحديدا واشنطن، حاولت إثارة قضايا من خارج جدول الأعمال النووي، كقدرات إيران الصاروخية ودور طهران الاقليمي وهجماتها على القوات والمصالح الامريكية في المنطقة، والادوار التي يلعبها الحرس الثوري الايراني اقليميا عموما.
وبرغم ان تقرير "أكسيوس" لم يثبت بشكل رسمي، الا انه، اذا ما صحت تفاصيله، يعكس الرغبة الأمريكية الشديدة بإخراج ايران من تحت سوط العقوبات لادخالها في سوق الطاقة عالميا، لكنه ايضا يعكس قناعة ايرانية راسخة بأهمية الحرس الثوري والدور الذي يؤديه باعتباره العمود الفقري للنظام، ونفوذه وأنه بمثابة جوهرة التاج الايراني.
تنامي النفوذ
ومنذ تشكيل الحرس الثوري بأوامر من مرشد الثورة الايرانية السيد الخميني في العام 1979، تنامى نفوذ الحرس تدريجيا على مر السنوات والعقود، حتى اصبح ايضا القوة الضاربة للنظام. وجرى التحول الأساسي في الموقف الأمريكي من الحرس في 8 أبريل/نيسان من العام 2019 عندما اعلن البيت الابيض ادارج الحرس على اللائحة الأمريكية للتنظيمات الارهابية، فيما وصفته واشنطن وقتها، أي خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بأنه الرد الملائم على سلوك إيران، في وقت كانت ادارة ترامب تكثف ضغوطها على الإيرانيين بعد انسحابها من خطة العمل المتعلقة بالاتفاق النووي الايراني، من جانب واحد.
لكن التحول الابرز في الموقف الامريكي من الحرس الثوري تمثل في اغتيال قائد "قوة القدس" الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد بينما كان برفقة نائب قائد الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وهو ما كاد يثير مواجهة عسكرية مفتوحة بين الايرانيين والامريكيين.
لم تقع المواجهة المفتوحة، وبرغم قرار مرشد الجمهورية علي خامنئي الرد صاروخيا على عملية الاغتيال الامريكية بضرب قاعدة عين الأسد مثلا بعد ذلك بأيام، إلا أن الحرس الثوري آثر انتهاج سياسة التحرش المبطنة التي لا تعتمد التصعيد العالي المستوى، كاستهداف مواقع ومصالح أمريكية سواء في العراق او في الشرق السوري، بالاضافة الى تحرشات متفرقة بسفن عسكرية وتجارية في الخليج وبحر العرب.
وبرغم ذلك، لم يعد الحرس الثوري مجرد ذراع عسكرية ضاربة، وإنما أصبح لاعبا اساسيا في الاقتصاد الايراني، وخاصة في انشاء هيئات ومؤسسات بالتزامن مع العقوبات الامريكية والغربية عموما، بالتحايل عليها، والالتفاف حولها، او محاولة تطوير قدرات ايران الذاتية من أجل التخفيف من آثار العقوبات ونارها.
الجيش الموازي
بات الحرس الثوري بمثابة "جيش ايراني مواز"، وربما اكثر من ذلك، حيث بمقدوره ان يقتحم صلب الحياة السياسية الداخلية، مع حرية حركة واسعة على الصعيد الخارجي، ما قد يساهم في تعزيز رصيده داخليا و تغلغله في هياكل السلطة ونطاق نفوذه وصلاحياته.
وكان الخميني اصدر مرسوما في 5 مايو/ايار 1979، بإنشاء الحرس الثوري (الباسدران). ورسميا، فان الحرس مكلف بحماية النظام من أعداء وخصوم الداخل والخارج والتصدي للتدخلات الخارجية. وكان الحرس وقتها بمثابة البديل عن القوات المسلحة الايرانية التي خرجت لتوها من سلطة الشاه المخلوع، ولم يكن النظام الجديد يشعر بطمأنينة كاملة إزاء ولائها.
وكان من الواضح أن تطوير الحرس تسارع خاصة مع اندلاع الحرب العراقية - الايرانية وحاجة النظام الى الاعتماد على جهاز موثوق لحمايته من أية مخاطر داخلية مفاجئة.
وتطور دور الحرس تدريجيا حيث ساهم مثلا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، في انشاء حزب الله في لبنان، وصولا الى دوره المباشر في حماية النظام في دمشق مع اندلاع الحرب في سوريا قبل 11 سنة. ومن اجل تمويل قوته وتعزيز استقلاليته، أتيح للحرس الثوري ان يستحوذ على مصادر وأصول مالية وتجارية واسعة بما في ذلك انتاج الاسلحة والاشراف على مصانع مختلفة وهيئات سياحية ومصادر نفطية ومشاريع البنى التحتية والصناعات البتروكيماوية، وصولا الى الاستحواذ على ترسانة هائلة من الصواريخ المتعددة المدى والقوة، بالإضافة إلى الاشراف على البرنامج النووي نفسه، وحماية منشآته، فيما يقدر خبراء أن الحرس يحقق إيرادات ذاتية تتعدى العشرة مليارات دولار سنويا، وقد تكون أكبر من ذلك بكثير.
وكثيرا ما يشير الاعلام الغربي إلى أن الحرس الثوري يسيطر فعليا على امبراطورية اقتصادية داخل ايران، ويشيرون أيضا إلى أنه يسيطر بالفعل على ثلث الاقتصاد الايراني، وهو دور تعاظم للمفارقة، مع تزايد الضغوط والعقوبات الامريكية على ايران في محاولة لاضعافها، ما تسبب في نتائج معاكسة تمثلت في صعود هيمنة الحرس وتأثيره داخليا وخارجيا.
ولا توجد تقديرات رسمية لحجم قوات الحرس الثوري، لكن عناصره ازدادوا منذ بداية الثورة من بضعة آلاف المسلحين تسليحا خفيفا، الى قوة عسكرية تضم أكثر من 100 الف مقاتل، يحسب لها حساب، وتمتلك ترسانة هائلة من الاسلحة المختلفة بما في ذلك الطائرات الحربية والطائرات المسيرة.
الحرس مقابل النفط
وفيما يبدو ادراكا منها الى ان واشنطن تحتاج الى تحرك سريع يعيد إدخال إيران إلى سوق الطاقة العالمي، فقد كان بديهيا من جانب طهران أن تطرح في اللحظات الاخيرة مطلب ازالة الحرس الثوري من لائحة الارهاب.
ويتحدث تقرير "اكسيوس" عن ان رئيس الحكومة الاسرائيلي نفتالي بينيت كشف الاحد الماضي، بناء على ما أبلغه به الامريكيون، ان طهران تقدمت بذلك الطلب كشرط مسبق قبل ابرام الاتفاق النووي، وان ادارة بايدن بحثت في امكانية القيام بهذه الخطوة على أن يظل بمقدورها اعادة إدراج الحرس على لائحة الارهاب اذا توصلت إلى خلاصة مفادها ان طهران لم تلتزم بتعهداتها بوقف التصعيد في المنطقة.
وفي محاولة للتأثير على هذه النتائج المحتملة للمفاوضات النووية، وجه بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد رسالة مشتركة اليوم الى الرئيس بايدن يقولان فيها أن "الحرس الثوري هم حزب الله في لبنان وهم الجهاد الاسلامي في غزة، وهم الحوثيون في اليمن، وهم الميليشيات في العراق ومهم ان لا يتم شطبهم من قائمة الإرهاب".
وقال المسؤولان الاسرائيليان ان الخطوة الامريكية المحتملة تشكل "اهانة للضحايا.. ونجد صعوبة في تصديق الغاء تعريف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية مقابل وعد بعدم إلحاق الأذى بالأمريكيين".
خاص: شفق نيوز