شفق نيوز/ استعرضت مجلة "فورين آفيرز" الامريكية، مجموعة كبيرة من الدروس المستوحاة من تجربة غزو العراق واحتلاله، وما يتحتم على الولايات المتحدة القيام به من اجل ضمان تحقيق اهدافها في اي حرب حتمية مستقبلا، بما في ذلك تجنب الفشل في تحويل المكاسب الصغيرة الى مكاسب كبيرة.
وتحت عنوان "ما لم يتعلمه الجيش الامريكي حتى الان من العراق.. من الصعب الفوز بدون خطة للمستقبل"، قال التقرير الامريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، انه بحلول صيف العام 2003 صار من الواضح حتى لأشد مؤيدي الحرب المتحمسين، ان غزو العراق لم يسير كما كان مخططا له.
كارثة استراتيجية
وذكّر التقرير بحل الجيش العراقي في نهاية ايار/ مايو 2003، ما فاقم من الهجمات التي تتعرض لها القوات الامريكية والتي اصبحت اكثر جرأة، مضيفا انه بعد 20 عاما، صار من الواضح أنه في حقبة ما بعد الحرب الباردة، لم يكن هناك صراع اكثر تأثيرا على الجيش الامريكي من الحرب التي جرت في العراق.
واشار التقرير الى ان الجيش الامريكي انفق نحو تريليونيّ دولار للاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين ومحاربة التمرد، بينما خسرت الولايات المتحدة اربعة الاف جندي في القتال، وأنفقت أكثر من 200 مليار دولار على الجنود الذين أصيبوا بجروح دائمة.
وبعدما لفت التقرير الى انه ما يزال لدى الولايات المتحدة قوات متمركزة في العراق، ما يعني هذه التكاليف مستمرة في الارتفاع، اشار الى ان نحو 4 ملايين امريكي قاتلوا، وامضوا سنوات من شبابهم وهم يحاولون السيطرة على بلد يبعد الاف الكيلومترات عن المكان الذي نشأوا فيه.
واعتبر التقرير ان "الحرب كانت كارثة استراتيجية"، موضحا انه على الرغم من كل استثماراتها في بغداد، فإن الولايات المتحدة اقامت في نهاية الامر "دولة هشة تتمتع بعلاقات عميقة مع ايران، وهي احد الخصوم الاساسيين لواشنطن".
ولفت الى ان الغزو اثار الكثير من المشاعر السيئة تجاه الولايات المتحدة في انحاء العالم، وولدت مجموعات ارهابية جديدة مثل داعش، بالاضافة الى انها وضعت حدا لمرحلة الهيمنة الامريكية التي لا شكوك حولها، بينما اظهرت الحرب انه حتى اقوى دولة في العالم، ليس بإمكانها الافلات ما نتائج ما تقوم به.
الجيش لا يحقق السلام
ودعا التقرير الولايات المتحدة الى التفكير بما هو اكثر من مجرد كيفية فشل خططها الشاملة، او حول معلوماتها الاستخبارية الخاطئة، داعيا واشنطن الى ان التفكير في كيفية عدم تمكن الجيش من تحقيق سلام دائم في العراق، على الرغم من الموارده العديدة للقوات المسلحة وتطورها الكبير.
لكن التقرير استدرك قائلا انه من الصعب القاء اللوم على القوات المسلحة في الفشل، مذكّرا بأن تحويل العراق الى ديمقراطية هادئة دائمة هو بالاساس مهمة شديدة الصعوبة، كما ان الجيش الامريكي لم يكن هو من قرر الشروع بالقيام بذلك، وانما البيت الابيض والكونغرس، وهو ايضا لم يكن الجهة التي تحدد اهداف الصراع، وقد فعل ما طلب منه فيما يتعلق بالاهداف العسكرية، وهو في غضون شهر من الغزو كان قد دخل العاصمة بغداد وطرد نظام الحكم.
وبرغم ذلك، قال التقرير انه من اجل تجنب تكرار أخطاء كالتي جرت في العراق في المستقبل، فإنه يتحتم على القوات المسلحة التواصل بشكل افضل مع الادارة في واشنطن، والقيام بما في وسعه لابعاد الولايات المتحدة عن حروب "الاختيار".
واوضح انه في حال اضطر الجيش الى الدخول في حروب جديدة، وهو احتمال قد يكون اضطراريا في عالم اليوم المضطرب، فإن على الجيش الامريكي ان يعزز ويوسع من نصائحه التي يقدمها للمدنيين حول كيفية شن الحملة، من اجل التوصل الى صياغة افضل لاستراتيجيات طويلة المدى، يمكنها ضمان الانتصارات الدائمة، بدلا من الخطط قصيرة المدى لالحاق الهزيمة بقوات العدو.
مفارقة صارخة
واعتبر التقرير انه يتحتم على واشنطن ان تتعلم كيفية تحويل المكاسب المحلية الى انتصارات اوسع، موضحا انه ليس بمقدور الجيش التصرف كما فعل في العام 2003 بحيث يفترض أن القوة وحدها ستؤدي الى تحويل دولة منقسمة وفقيرة الى ديمقراطية على النمط الغربي.
وتابع قائلا ان النصيحة يجب ان ترتكز على ما يتطلبه الامر لكسب السلام بالاضافة الى ما يلزم لكسب معركة.
وبرغم ذلك، اعتبر التقرير ان الجيش الامريكي تعلم على المستوى التكتيكي، الكثير خلال عقدين من القتال في العراق، حيث طور مفاهيم عملياتية جديدة واكتشف كيفية الاستفادة بشكل اكبر من التقنيات التي يمكن ان تعزز القدرات القتالية، اذ تحققت خطوات واسعة في الحرب القائمة على المعلومات.
وتابع قائلا انه بناء على ما جرى في العراق، قام الجيش بانشاء "مركز معلومات WebOps العسكري المشترك"، والذي يساعد رؤساء الاركان القوات المشتركة على فهم المعلومات والعمليات الرقمية بشكل افضل.
ومع ذلك، قال التقرير ان هناك العديد من الدروس التي لم يتعلمها الجيش الامريكي من العراق، ولفت الى "الفشل الذريع للقوات المسلحة الامريكية في رسم خطة لكيفية تحقيق الاستقرار الدائم في البلاد".
وبين ان براعة الولايات المتحدة التي جرى تطويرها فيما يتعلق بالاستخدام السريع للقوة العسكرية في وقت واحد وعبر مسارح المعارك المتعددة، جعلت واشنطن تهمل الاسئلة بشكل مستمر حول كيفية احلال السلام بمجرد التخلص من خصمها الرئيسي.
وتابع التقرير ان "المفارقة صارخة، اذ ان رغبة الولايات المتحدة في وقف حروبها التي لا نهاية لها، قد تكون بمثابة مسعى يائس، بسبب قدرة الولايات المتحدة التي لا مثيل لها على ان تقاتل بشكل لا ينتهي".
الدرس الأكبر
ولهذا، رأى التقرير ان "الدرس الاكبر في العراق اذن ربما يكون هو الابسط: لا تطلقوا مثل هذه الحروب في البداية"، مضيفا ان هذا الدرس هو الاكثر اهمية فيما يتعلق بالقادة المدنيين في واشنطن باعتبار انهم هم من يقرر في النهاية متى تذهب الولايات المتحدة الى الحرب ومتى لا تفعل ذلك.
ولهذا، قال التقرير انه يتحتم على القادة العسكريين الامريكيين القيام بعمل افضل في توضيح التكاليف الكاملة لمثل هذه النزاعات لرؤسائهم المدنيين، ما يعني انه يجب على القادة فهم الاهداف والغايات السياسية للحرب المحتملة قبل بدء القتال بوقت طويل.
واضاف انه في حال كانت تلك الاهداف من الصعب للغاية تحقيقها، فإنه يجب على الجيش ان يقول للقيادة المدنية ذلك بصراحة، مشير الى ان مقولة "لا تفعل ذلك" ليست كافية.
وبعدما اشار الى ان العراق كان حربا اختيارية، الا انه حذر من ان واشنطن قد تواجه في المستقبل حروبا ملزمة بأن تخوضها، وهو خطر اخذ في الازدياد، في ظل ما اثاره الغزو الروسي لاوكرانيا من مخاطر على الكوكب بأكمله.
وتابع قائلا انه "ليس من الصعب الان تخيل سيناريو تضطر فيه الولايات المتحدة الاندفاع للدفاع عن احد حلفائها في الناتو، وبأنه يمكن للصين ايضا ان تشن حربا عدوانية خاصة بها في السنوات المقبلة، بما في ذلك الاستيلاء على تايوان، بينما ما يزال الارهاب يشكل تهديدا مستمرا".
الحرب والسلام
وختم التقرير بالقول انه من اجل ان تنجح التغييرات، فأنه يجب على الولايات المتحدة ان تتعلم ان تقوم بشيء فشلت في القيام به في العراق: ليس فقط الفوز في الحرب ولكن ايضا بالسلام".
واوضح قائلا ان الجيش الامريكي تمكن من الحاق الهزيمة بقوات العدو واعادة بناء الحكومات المحلية وتعزيز الاقتصادات المحلية والمساعدة بشكل عام في بناء حياة مدنية افضل، ولهذا فأنه من المحبط ان نشهد بعد ذلك ان "هذه النجاحات الفردية تتلاشى حيث تفشل الولايات المتحدة في تحويل الانتصارات المحلية الى انتصارات على مستوى البلاد".
كما اشار التقريرالى فشل الجيش الامريكي لانه لم يدرك ان السياسة كلها محلية بشكل كاف.
واعتبر انه يجب على واشنطن ان تنجح في اشراك السكان كما هم، بدلا من مجرد جهات فاعلة تابعة للدولة، كما يجب على القوات المسلحة القيام بعمل افضل في الانخراط افضل مع الجهات الفاعلة الحكومية او الدولية ايضا.
كما اقترح التقرير امكانية لجوء الجيش الى الردع من دون استخدام القوة المميتة دائما، وذلك بهدف ترهيب وردع الخصوم من دون الاضطرار الى القتال.
كما خلص التقرير الى القول انه ينبغي على واشنطن الا تنخرط في ميدان شن الحروب الاختيارية مهما بدت جذابة، ولكن في حال كان على الجيش الامريكي خوض حرب، فعليه ان يتعلم كيفية ترجمة المكاسب الصغيرة الى مكاسب كبيرة.
وتابع قائلا ان النظام العالمي المضطرب قد يؤدي الى اثارة الصراعات، ولهذا فإن واشنطن بحاجة الى البدء في صياغة الخطط، وهي خلافا لذلك، تجازف هي وجيشها، "بتكرار واحدة من اعظم اخفاقاتها على الاطلاق".