شفق نيوز/ ستضع الإنتخابات الامريكية المرتقبة، المرشح الديمقراطي جو بايدن، أمام اختبار حقيقي لمشاعره المؤيدة للكورد، وليحدد ما إذا كان تعاونه البراغماتي مع كل من بغداد وأنقرة، سيدفعه الى تخفيض التزامه مع الكورد بأن الجبال ليست صديقتهم الوحيدة.
وبحسب تقرير لمجلة "ناشيونال انترست" الأمريكية وترجمتها وكالة شفق نيوز، فان المستشار السابق للأمن القومي جون بولتون نقل عن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قوله "لا أحب الكورد". وذكرت بان ترامب أعلن مرتين انسحاب القوات الاميركية من شمالي شرق سوريا، تاركا كورد سوريا، حلفاء واشنطن، وحدهم للدفاع عن أنفسهم بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدموها في محاربة داعش.
وخلال 15 سنة أمضاها جو بايدن في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي، من بينها رئاسة اللجنة مرتين، اظهر بايدن اهتماما خاصا بالكورد، خصوصا في العراق، البلد الذي زاره 24 مرة كنائب للرئيس.
واشارت الى ان ناشطاً امريكياً من اصل كوردي، كتب "اذا كان الكورد يهمونك، فسيكون رئيسا جيدا".
وعلى الرغم من ان بايدن وصف حزب العمال الكوردستاني بانه منظمة ارهابية بكل بساطة، وقارنها بتنظيم داعش، الا ان حكومة رجب طيب اردوغان في تركيا ووسائل الاعلام الموالية لها، تعاملت بخليط من العدائية والريبة تجاه بايدن بل انها وجهت اليه اتهامات لا اساس لها في العام 2016، بانه مناصر "للاكاديميين من محبي الى بي كي كي".
ويعني ذلك بحسب المجلة الاميركية ان اهتمام بايدن بالكورد، ستكون له تداعيات على السياسة الخارجية فيما لو وصل بايدن الى البيت الابيض. واعتبرت ان سياسته المحتملة تجاه الكورد تعني ان اهتمامه بهم سيكون تحت امتحان، بما اذا كانت توجهاته ستتعارض مع تركيا، سوريا، ايران والعراق.
وكان بايدن من المتحمسين لغزو العراق العام 2003، الا انه صوت ضد حرب الخليج العام 1991 التي وصفها بأنها "خطأ شنيع ستندم عليه بلاده لعقود مقبلة".
اهتمام بايدن بالكورد كان من بين الأسباب الرئيسية التي على اساسها قرر التصويت تأييدا لغزو 2003. وكان قلقها ايضا من انه اذا تمكن صدام حسين من وضع يديه على اسلحة نووية، فانه سيعتدي على جيرانه او على الكورد ظنا منه ان ذلك سيردع الولايات المتحدة عن التدخل. ومع ان بايدن كان قلقا على الكورد، الا ان انه كان ايضا قلقا من الفوضى المحتملة التي كان سيتسبب بها سقوط صدام حسين، ما سيشجع الكورد على السيطرة على حقول النفط، وهو بدوره سيشجع الاتراك على عبور الحدود في محاولة لمنع ظهور دولة كوردية.
ورأت "ناشيونال انترست" ان اكبر تعبير عن دعم بايدن للكورد تمثل في كانون الاول/ديسمبر العام 2002، عندما زار المنطقة برفقة زميله السيناتور تشاك هاغل. وعبر بايدن الحدود من تركيا الى اراضي كوردستان، والقى خطابا امام البرلمان الكوردي في اربيل، بعدما استقبل استقبالا حارا، وسمع من المواطنين من يقول له "ما يتعمله كل طفل كوردي هو ان الجبال صديقتنا الوحيدة".
ووصف بايدن كوردستان العراق بأنه "بولندا الشرق الاوسط"، متعهدا بدعم واشنطن لحكومة اقليم كوردستان، وقال ان "الجبال ليست صديقتكم الوحيدة".
وبينما استفاد الإقليم من تغيير النظام الذي حصل في بغداد، الا ان بقية انحاء العراق سقطت في الفوضى، بحسب المجلة الاميركية، ما اكد مخاوف بايدن. وأصبحت حرب العراق لا تحظى بشعبية داخل الولايات المتحدة، في حين ان انسحاب الولايات المتحدة من البلد، يمثل مجازفة بتسليمه الى المتطرفين من السنة المتحالفين مع تنظيم القاعدة. ولهذا، وبالتعاون مع رئيس "مجلس العلاقات الخارجية" ليزلي غيلب، اقترح بايدن خطة لتوزيع السلطة في العراق، عبر ثلاث حكومات محلية، سنية، شيعية، وكوردية، مذكرا بان الدستور العراقي يشير الى هيكلية فيدرالية، معتبرا ان العراق كان يسير نحو التقسيم أساسا وربما كخيار أخير.
وكانت احدى نقاط نقاش للدفاع عن هذه الخطة بالنسبة لبايدن وليزلي غيلب ان الكورد ما كانوا ليتنازلوا أساسا عن الحكم الذاتي الذي يمارسونه.
وفي ايلول/سبتمبر 2007، وبينما كان بايدين يخوض السباق الرئاسي، صوت مجلس الشيوخ ب 75 مقابل 23، تأييدا لخطة الفيدرالية العراقية، لكن بايدن وغيلب رفضا الانتقادات بانهما حاولا تقسيم العراق، وذكرا بنموذج البوسنة كمثال على نجاح فكرة الفيدرالية في تعزيز السلام.
وكان بايدن يعتقد انه اذا لم تتمكن الولايات المتحدة من وضع فكرة الفيدرالية موضع على مسارها الصحيح، فلن يكون امامنا فرصة تذكر للتوصل الى تسوية سياسية في العراق، وهي تسوية، من دونها، لا فرصة للانسحاب من العراق بدون ان تترك واشنطن خلفها الفوضى.
وبعد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، والتحاقه بحملة باراك اوباما ليكون نائبا له، تبنى بايدن دعوة اوباما للانسحاب السريع من العراق.
وكلف أوباما بايدن بالإشراف على سياسة إدارته في معالجة الملف العراقي. واستنادا الى السفير الاميركي جيمس جيفري، فإن بايدن زار العراق بين عامي 2010 و2012، 24 مرة ليمهد الطريق أمام خطة الانسحاب الاميركي، وكان يجري اتصالات اسبوعيا مع القيادات العراقية.
وأشارت المجلة الاميركية الى انه كان لدى بايدن اهتمام حقيقي بالعراق، في الوقت الذي ظهر أوباما بصورة اللامبالي بهذا البلد.
ويشيد جيفري، الذي يتولى الان منصب المبعوث الاميركي الخاص حول سوريا، ببايدن لانه استثمر في الجوانب الشخصية للعمل الدبلوماسي. وفي حين ان علاقته مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قاسية، فان بايدن طور علاقات دافئة مع الكورد، بمن فيهم مسعود بارزاني وجلال الطالباني.
وبحسب نائب مستشار الامن القومي السابق بين رودس فان الصداقة بين بايدن وبارزاني تعود الى اكثر من 20 سنة، وحتى ان بايدن يحفظ أسماء أحفاد بارزاني كلهم.
وفي حين ان صعود تنظيم داعش كشف المخاطر التي سيتسبب بها الانسحاب الاميركي، الا ان جيفري يصف بايدن بانه كان الصوت العقلاني الذي دعا الى ابقاء بضعة الاف من الجنود الاميركيين، الا ان اوباما تمسك بقراره سحب كافة الجنود. وبرغم دعم واشنطن لقوات سوريا الديموقراطية، المكونة من عرقيات سورية مختلفة بما فيها الكورد، في المعارك ضد داعش، الا انه كان من دعاة رفض اقامة جيب كوردي سوري مستقل على الحدود مع تركيا، ودعا ايضا الى انسحاب وحدات حماية الشعب الكوردية الى شرق الفرات او مواجهة احتمال تخلي واشنطن عن توفير الغطاء الجوي والمساعدات العسكرية لها. وفي المقابل، فان بايدن، رفض ان يوصف وحدات حماية الشعب بانها تنظيم ارهابي بسبب علاقتها بحزب العمال الكوردستاني، وهو موقف اثار استياء تركيا بطيعة الحال.
كما ان أنقرة استاءت من تصريحات لبايدن في العام 2014، بأن "تركيا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة، ضخت مئات ملايين الدولارات والاف الاطنان من الاسلحة الى اي جهة مستعدة لمحاربة الاسد، بما في ذلك الجهاديين السنة".
وكان ذلك كافيا بالنسبة الى اردوغان للاقتناع بان بايدن لم يكن سوى مؤيد للكورد، وبالتالي معاد لتركيا. وقبل ذلك بسنوات، عندما اختار اوباما بايدن ليكون نائبه في العام 2008، وصفت وسائل الاعلام التركية بايدن بانه "عدو لتركيا"، ليس فقط بسبب انه مؤيد للكورد، بل ايضا لانه مؤيد لليونانيين والارمن.
واشارت المجلة الاميركية الى ان بايدن ظل على علاقة جيدة مع بارزاني واقليم كوردستان، وقد استضاف اوباما بارزاني في البيت الابيض في العام 2015. وخلال زيارة بايدن الاخيرة الى الخارج، وصفه بارزاني بانه "صديق الشعب الكوردي"، وذلك اثناء لقائهما في المنتدى الاقتصادي في دافوس.
واعتبرت ان حدود دعم واشنطن لاقليم كوردستان تجلى عندما نفذت بغداد هجوما عسكريا محدودا للرد على قرار بارزاني اجراء استفتاء الاستقلال. ولم ينتقد بايدن ادارة ترامب بسبب لامبالاتها هذه ازاء الهجوم. لكن ربما ان ذلك يعكس تقليدا بان الرؤساء ونواب الرؤساء السابقين يلتزمون عادة الصمت ازاء الشؤون السياسية.
ومع ذلك، فان بايدن قال في اواخر العام 2017، انه تمنى لو ان الولايات المتحدة "قامت بأمور اكثر لصالح الكورد". وعندما سئل بايدن لماذا لم يقم هو بأكثر من ذلك عندما كان نائبا للرئيس، فرد بالقول "انها تركيا".
وعكس هذا التصريح تحذيره القديم في العام 2007 للكورد من محاولة السعي الى الاستقلال لانه عندها "سيتم التهامكم احياء من الاتراك والايرانيين.. سوف يهاجمونكم، ستكون هناك حرب شاملة".
كما ان بايدن عبر عن دعمه القوي للكورد في تشرين الاول/اكتور العام 2019، عندما قرر ترامب سحب القوات الاميركية من المناطق الحدودية الشمالية في سوريا ما منح تركيا وحلفائها من المسلحين الاسلاميين، الضوء الاخضر لشن هجوم على وحدات حماية الشعي الكوردية. وكتب بايدن وقتها ان ترامب "باع قوات سوريا الديموقراطية، شجعان الكورد والعرب الذين قاتلوا معنا لسحق خلافة داعش، وخان حليفا اساسيا في الحرب على الارهاب".
ورأت المجلة انه اذا كان بايدن مصمما على الدفاع عن المجتمعات الكورية في تركيا وسوريا والعراق، فان عليه ان يسير بحذر بين تعقيدات علاقة واشنطن مع أنقرة وبغداد ومع النظام المعادي في دمشق. ولكي ينجح، يتحتم على بايدن ان يقنع انقرة وبغداد ان ينظروا اليه كشريك قادر على مساعدتهما بمشاكلهما الكوردية الخاصة بهما، بدلا من النظر اليه كمهووس كوردي يحتاج الى الضبط الى حين انتهاء ولايته الرئاسية.